الكذب على المساهمين في الشركات المساهمة
ان من اهم ما تقوم به الشركات المساهمة العامة هو تجميع الادخار العام عن طريق طرحالاسهم للاكتتاب العام، وما يصاحب ذلك من معلومات واعلانات تغري الجمهور وتجذبهمللاكتتاب، وهو امر خطير يحتاج الى الحماية اذا ما صاحب هذه البيانات والمعلومات مغالطات وكذب، والاصل في مسائل التجارة والاعمال لا يحبذ تدخل الدولة ووضع القيود التشريعية لان التجارة تزدهر بالمزيد من الحرية والمرونة .
الكذب، وان كان خصلة مذمومة دينا وخلقا، فإنه ليس جميعه يقع تحت طائلة العقاب، وفقا للقواعد العامة التي يقررها قانون الجزاء، وانما هناك نوع من الكذب يسمى بالكذب العاري الذي لا تطاله نصوص قانون الجزاء، وغالبية رؤساء واعضاء مجالس الادارات ورجال الاعمال هم بدرجة مميزة من الذكاء والفطنة، مما يمكن الغير ان يستغل ذكاءه وفطنته في استعمال الكذبغير المجرم في معاملاته مع المساهمين، وقد قامت التشريعات في كثير من الدول بتجريمهحماية للمساهمين والمستثمرين وذلك ضمن قوانين التجارة والاعمال ومنها القانون الكويتي حيث نص في المادة 184 مكرر من قانون الشركات على ما يلي: ‘مع عدم الاخلال بأي عقوبة اشد ينص عليها قانون آخر، يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة دنانير ولا تزيد على مائتي دينار كل من خالف احكام المواد 85 مكرر وهو الخاص بمنع الاكتتاب الصوري و106 بعدم التصرف بالاسهم والسندات المؤقتة 109 عدم تصرف المؤسسين في اسهم التأسيس الا بعد 3 سنوات والفقرة الاخيرة من المادة 77 والمتعلقة بتصرف المدير باسم الشركة ولمصلحته، والفقرة الاخيرة من المادة 147 المتعلقة بتنفيذ المدير لقرارات الشركة والالتزام بها ويجوز للمحكمة ان تحكم بمصادرة الاسهم موضوع المخالفة ولكل ذي شأن ان يطالب مرتكبي المخالفات بالتعويضات اذا كان لها محل ‘.
ولو ترك المشرع هذه الامور للقواعد العامة لما امكن تجريم مثل هذه الافعال وهو ما يزعزع الثقة بالاقتصاد والتجارة .
الكذب.. والمساءلة
وقد تكون هناك حالات يكون فيها الكذب سلوكا سلبيا وذلك بالامتناع عن اعطاء معلومات في حين هو لازم، كما هي الحال في قانون الافصاح عن المصالح في اسهم الشركات المساهمة اولا يكون الكذب منشورا او معلنا، كما هي الحال في الكذب في الميزانيات والبيانات المالية، والكذب الذي يجب المساءلة عنه هو الكذب المكتوب او المقترن بالكتابة، كما لو وزعت الشركة ارباحا صورية قيدت في الميزانية او ثبتت ديون معدومة في الميزانية. فالحديث الشفهي في المجالس والاماكن العامة لا يرقى الى مرتبة الكذب الذي يرتب المسؤولية، اما اذا جاءت على شكل تصريحات في وسائل الاعلام فانه يصل الى حد المساءلة القانونية ويعتبر كذبا غير جائز، وكذلك يشترط للمساءلة في الكذب على المساهمين العلانية بحيث يكون معدا للاطلاع عليه سواء من جانب المساهمين او الجمهور، ولم يهتم المشرع الكويتي بتجريم الكذب في الشركاتالمساهمة الا في حالة الاكتتاب الصوري، وجاء خلوا من تجريم للكذب في بيانات الشركة بعكس تشريعات باقي دول مجلس التعاون الخليجي. وصور الكذب في بيانات الشركة تتجلى في تقديم معلومات كاذبة بنية الغش في عقد تأسيس الشركة او نظامها، او في اي معلومة او مستند ضروري لتأسيس الشركة، وكذلك يكون على شكل اغفال بيانات جوهرية في اي من المستندات المشار اليها، وان من اخطر انواع الكذب على المساهمين هو تقييم الحصص العينية باكثر من قيمتها الحقيقية وان كان هذا الفعل يمكن ان يندرج تحت نصوص قانون الجزاء اذا توافر القصد الجنائي، الا ان المشرع لم يرد بشأنها نصا في قانون الشركات التجارية. وقد يلجا المؤسسون في شركة المساهمة الى الاعلان كذبا عن الاعلان المنقطع النظير على الاكتتاب وبأن الاسهم المطروحة قد شارفت على النفاد وهي في الحقيقة ليست كذلك، وقد يكون المؤسسون هم من قاموا بالاكتتاب بهذه الاسهم باسماء وهمية للايحاء واعطاء انطباع للجمهور بأن هناك اقبالا كبيرا على الاكتتاب وزيادة في الطلب على هذه الاسهم .
وسائل احتيال
ومن صور الكذب على المساهمين التي تكون في النشرات والاعلانات الصادرة عن الشركة وهذا النوع من الكذب من الوسائل الاحتيالية التي يعاقب عليها قانون الجزاء في جريمة النصب اذا كانت هذه البيانات الكاذبة بذاتها هي الدافع الى الاكتتاب في الاسهم والسندات. ومع ذلك فإن تجريم هذا النوع من الكذب بنص خاص يكون ضروريا، حيث ان ليس كل كذب ورد في الاعلان او النشرة هو الدافع للجمهور الى الاكتتاب، وتقوم ادارة البورصة بجهد مشهود للحد من هذا النوع من الكذب فأي تصريح او خبر يصدر عن اي شركة حول الميزانية او تحقيق ارباح او صفقات فاذا لم يكن الخبر موثوقا توقف ادارة البورصة تداول الاسهم كإجراء احترازي مؤقت لحين التأكد من صحة البيانات، واذا ما تبين اي مخالفات يحال المخالف الى التحقيق .
جريمة نصب
والكذب في الميزانية الذي يؤدي الى اكتتاب الجمهور في الاسهم والسندات تحت تأثير هذا الكذب فانه يشكل جريمة نصب، اما اذا لم يكن هناك دعوى للاكتتاب في الاسهم او السندات مصاحبة لنشر بيانات الميزانية التي ظهر فيها وضعا ماليا للشركة على خلاف الواقع فانه لا يشكل جريمة نصب وانما حالة من الكذب على المساهمين التي يجب صدور تشريع يعاقب عليها .
أنواع أخرى
من قبيل الكذب في الميزانية عدم قيد الاحتياطي الالزامي الذي يتطلبه القانون او المغالاة او التقليل من قيمة احتياطي البضاعة لدى الشركة، او احتساب الديون المعدومة التي لا امل في تحصليها او عدم اضافة دين حقيقي على الشركة في بند الخصوم لاظهار الشركة بمظهر مالي اقوى، وتتميز المسؤولية الجنائية عن جرائم الكذب على المساهمين ببعض الخصائص التي تتعلق بصفة الفاعل، وهذا النوع من الجرائم يتعلق بالشركات، وهي اشخاص معنوية وهي تهتم بالفعل اكثر من الفاعل، لذلك وحتى يكون الفعل جريمة فلا بد من توافر العمد. كما يلاحظ ان الصفات التي تتطلب توافرها في الفاعل هي كلها مرتبطة بالشركة او باعمالها، فاما ان يكونالفاعل من اعضاء مجلس الادارة، فكل القوانين تخاطب رئيس مجلس الادارة واعضاءه وهم اول المسؤولين عن البيانات الكاذبة التي تصدر عنهم مباشرة او عن ادارة الشركة، وقد يكون الفعل الامتناع عن تقديم بيانات ومعلومات لازمة، ويليهم في المسؤولية المديرون فالجرائم التي تقع من المديرين هي نفسها التي تقع من اعضاء مجلس الادارة، وهناك ايضا المؤسسون ومراقبو الحسابات والشركاء وخصوصا من يقدم حصصا عينية بقيمة غير حقيقية .
التشريع المطلوب
مما سبق يمكن القول ان المشرع الكويتي لم يلق بالا لجريمة الكذب على المساهمين وارجعها للقواعد العامة في قانون الجزاء، حيث فيها عدة اشكال من الجرائم التي يمكن ادراج جريمة الكذب على المساهمين تحتها مثل النصب والاحتيال والتزوير وخيانة الامانة. والنص الوحيد الذي جاء به المشرع في هذا الخصوص هو ما ورد في المادة 184 من قانون الشركات والخاص بالاكتتاب الصوري والاكتتاب باسماء وهمية، وانه من الاهمية صدور تشريع يجرم جميع انواع الكذب على المساهمين، اضافة الى العقوبات الموجودة في قانون الجزاء، وذلك لاعطاء الاقتصاد والمتعاملين بالتجارة والمال اكثر ثقة واكبر دعم لدفع النمو في الاقتصاد وجعل الكويت مركزاماليا وتجاريا .
اترك تعليقاً