التكوين المهني للقضاة
إن نهوض المجتمع وازدهاره بلا شك يقاسان بمدى تقدم المؤسسة القضائية ورفع كفاءة قدراتها على تلبية احتياجات المجتمع وتقديم الخدمة القضائية على أكمل وجه ممكن يتوافق مع التقاليد القضائية والمبادئ الشرعية والقانونية، وحينما نريد أن يكون القضاء بمنأى عن أي تدخل يؤثر في أحكامه ووظيفته فيجب أن نأخذ بالحسبان أن الأداء المهني الضعيف للقاضي يؤثر في نتيجة تحقيق العدالة بالمجتمع على النحو المطلوب، ومن الصعوبة أن يستقيم استقلال القضاء كسلطة ضمن سلطات الدولة بعيدا من أن يأخذ رجال القضاء حظهم من التدريب والتأهيل المهني لتمكينهم من القيام بمهامهم القضائية.
وإن عملية فهم الواقعة محل النزاع واستقرائها واستنباط الأسباب التي تدفع القاضي للنطق بالحكم على النحو الذي اجتهد به، لا تخرج بصورة مهنية خالية من عيب يشوب التكييف والتسبيب ما لم يكن القاضي مشبعا بالعلوم الشرعية والقانونية والإنسانية، ومدربا على التحليل المنطقي والتفكير السليم الذي يجعله ينفذ إلى جوهر الواقعة ويفسرها بما ينساق مع الوصف الشرعي أو النظامي لها، وينطق حكمه مسببا تسبيبا موضوعيا بألفاظ تتسم بالرصانة والدقة وبلغة قضائية حتى يشتد عود الحكم ويكون قولا فصلا لا يستطيع لويه المتداعون بالاعتراض أو النقض.
والتدريب أداة مهمة في هذا الجانب تهدف إلى رفع كفاءة رجال القضاء من خلال صقل مهاراتهم الشخصية وقدراتهم العقلية والمعرفية وترسيخ تقاليد وأخلاقيات القضاء في سلوكهم المهني، ويعتبر التأهيل والتدريب لا مناص منهما لتحقيق العدالة، وقد عنيت الدولة بهذا الأمر وأطلقت مبادرة نوعية عرفت بمشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء، إضافة إلى أن الإرادة الملكية عبرت بالأمر رقم (أ / 144) بتاريخ 24/10/1431 أن مهمة المجلس الأعلى للقضاء وضع الخطط والبرامج لتدريب القضاة وتزويد وزارة العدل بها لتتولى إجراءات تنفيذ البرامج التدريبية، وقد بادر مجلس القضاء الأعلى لنقل الخبرات القضائية بين فئات القضاة من خلال تدريبهم على رأس العمل، ووضع خطط على مدار العام بغية الوصول إلى مخرجات قضائية تلبي احتياج المجتمع وأفراده.
وما نريد توضيحه أو إضافته أن التدريب ليس ترفا أو تحصيل حاصل، بل يجب أن يكون هدفه وضوح الأثر التدريبي على المستوى المهني على مخرجات القاضي، وذلك من خلال تحديد الاحتياج الفعلي، لأن التدريب ليس عملية عشوائية بل موجه إلى تنمية مهارات رجال القضاء بزيادة معلوماتهم المعرفية وقدراتهم المهارية من خلال قياس صحيح للاحتياج الذي يظهر النقص المعرفي والمهاري لدى بعض القضاة بحسب فئاتهم القضائية، وأفضل استراتيجية من وجهة نظري أن يكون ذلك من خلال دراسة مخرجات الأحكام للقضاة وقياس قدراتهم المعرفية أو المهارية باستخدام تقنية المعلومات التي تسهل على الجهة المعنية بقياس الاحتياج المعرفي والمهني للقاضي دون كثير جهد، إضافة إلى أن يوجه التدريب إلى تغيير اتجاهات تخصص نوعي يلبي احتياج المجتمع، فعلى سبيل المثال المناطق أو المحافظات التي تكثر فيها النزاعات العمالية أو التجارية يجب أن تكون فيها محاكم أو دوائر بهذا التخصص يجلس على منصتها قضاة متمكنون مهنيا من نوعية هذه النزاعات، أيضا لرفع المستوى المهني عند بعض القضاة يجب أن تستفيد الجهة المعنية من بحوث ودراسات ومحاضر التفتيش القضائي لبناء سلوك وأخلاقيات قضائية تتوافق مع أعراف القضاء وتقاليده.
وتحقيق العدل بين الناس من أجل القيم الدينية والإنسانية، والقضاء ليس مجرد وظيفة بل له رسالة سامية، وله دور كبير في المجتمع من حيث حماية حقوق أفراده والفصل في نزاعاتهم، وتسيير حركة مصالحهم وحماية قيم العدالة بالمجتمع، لذا عنيت كافة الدول ببناء رجال القضاء مهنيا لتكون المؤسسة القضائية مصدر أمن وفخر للمجتمع.
عبدالله قاسم العنزي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً