المبادئ التوجيهية الدولية المتعلقة بالأشخاص النازحين داخليا
قدم ممثل الأمين العام للأمم المتحدة المعني بالأشخاص النازحين داخليا, فرانسيس م. دنج, في أبريل الماضي إلى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في دورتها الـ54 تقريرا مصحوبا بضميمة بعنوان ” مبادئ توجيهية بشأن النزوح الداخلي [1 ] (سيشار إليه فيما يلي بـ ” المبادئ التوجيهية ” ). وقد أقرت اللجنة بإجماع الآراء قرارا [2 ] شارك في رعايته أكثر من 50 دولة وأخذ علما, ضمن جملة أمور, بقرار اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات بالترحيب بالمبادئ التوجيهية وتشجيع أعضائها على إطلاع مجالسها التنفيذية عليها, وأيضا بما ذكره السيد دنج من نيته لاستخدام هذه المبادئ في حواره مع الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية وغير الحكومية. إن هذه المبادئ هي علامات هامة على الطريق في عملية وضع إطار قانوني مقبول عموما لحماية ما يقدر بنحو 20 إلى 25 مليون شخص نازح داخليا في أنحاء العالم.
والمبادئ التوجيهية هي بدرجة كبيرة نتاج ما خلصت إليه دراسة موسعة بعنوان ” تجميع وتحليل المعايير القانونية ” , أعدها فريق من الخبراء القانونين تحت توجيه السيد دنج وقدمت إلى لجنة حقوق الإنسان في 1996. [3 ] وكان الغرض من الدراسة تحديد مدى وفاء القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني, وقانون اللاجئين, بالقياس, بحاجات النازحين داخليا في ثلاثة أوضاع معترف بها في القانون الدولي. وهذه الأوضاع التي تغطي غالبية حالات النزوح الداخلي هي ما يلي: (1) حالات التوتر والاضطرابات أو الكوارث التي ينطبق عليها قانون حقوق الإنسان;(2) حالات النزاع المسلح غير الدولي التي تغطيها المبادئ الرئيسية للقانون الإنساني وضمانات كثيرة لحقوق الإنسان;(3) حالات ال نزاع المسلح بين الدول, التي تنطبق فيها الأحكام المفصلة للقانون الإنساني بالدرجة الأولى, وتظل معايير أساسية كثيرة لحقوق الإنسان سارية عليها.
وقد خلصت الدراسة إلى أنه بينما يغطي القانون الدولي الحالي جوانب كثيرة ذات صلة بالأشخاص النازحين, حتى وإن كان بأسلوب متفرق ومشتت, فهناك مجالات كثيرة لا يوفر فيها القانون حماية قانونية كافية نتيجة لعدم وضوح المنطوق أو لوجود ثغرات قانونية وأنواع أخرى من الثغرات.
وتتمثل إحدى الثغرات القانونية عدم وجود صك قانوني دولي يضم نصا صريحا للحق في عدم النزوح التعسفي. ومن الثغرات الأخرى المماثلة غياب حق استعادة الممتلكات التي فقدت (أو الحصول على تعويض عن فقدانها) نتيجة للنزوح أثناء حالات النزاع المسلح, وحق الحصول على الحماية والمساعدة أثناء النزوح, وحق الحصول على وثائق شخصية . وتوجد ثغرات أخرى حيثما لا تنطبق المعايير القانونية في جميع الظروف.
وعلى سبيل المثال, فإنه نظرا لأن قانون حقوق الإنسان عموما لا يلزم إلا موظفي الحكومة, فإن النازحين داخليا يفتقدون الحماية الكافية في حالات التوتر والاضطرابات التي ترتكب فيها الانتهاكات من قبل أطراف غير حكومية. ويتضح مثال آخر للحماية غير الكافية في الحالات التي تقع أسفل عتبة تطبيق القانون الإنساني التي قد يسمح فيها بتقييد أو حتى إلغاء ضمانات حقوق الإنسان.
وبالإضافة إلى ذلك, هناك مجالات عديدة يوجد فيها معيار عام, لكنه يأخذ شكل النتيجة الطبيعية, ولم ينص على حق محدد ذي صلة وثيقة باحتياجات النازحين داخليا . ومثال ذلك أنه بالرغم من وجود معيار عام يضمن حرية الحركة, لا يوجد حق صريح في البحث عن ملجأ في جزء آمن من البلد, أو أي ضمان صريح ضد نقل الأشخاص النازحين داخليا قسرا إلى مناطق خطرة داخل بلدهم. كذلك يمكن العثور على مثال آخر في مجال عدم التمييز, حيث تحظر المعاهدات التمييز على أساس أمور من بينها ” أي وضع قانوني آخر ” للشخص المعني. وبالرغم من إمكانية تفسير هذا التعبير على أنه يتضمن حالة النزوح الداخلي, فإن أية هيئة ذات سلطة لم تصدر بعد مثل هذا القرار. وبالمثل, فإنه بالرغم من أن معاهدات حقوق الإنسان تحظر الاحتجاز التعسفي, فإن الشروط المسبقة للاحتجاز المشروع للأشخاص النازحين داخليا في مخيمات مغلقة غير واضحة. وأخيراً, ولا تزال هناك ثغرات عديدة تتعلق بعملية ” التصديق ” . ويمكن أن تؤدي مثل تلك الثغرات إلى فراغ فيما يتصل بالحماية القانونية للنازحين داخليا في الدول التي لم تصادق على المعاهدات الرئيسية لحقوق الإنسان و/ أو البروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف لعام 1949.
لقد كانت هذه النتائج ملحة بما يكفي لحث فرانسيس دنج على أن يطلب من فريقه من الخبراء القانونين أن يساعدوه في إعداد مجموعة من المبادئ التوجيهية مصممة خصيصا لتلبية احتياجات الأشخاص النازحين داخليا. إن هدف هذه الوثيقة هو إعادة بيان المبادئ العامة للحماية بتفصيل محدد بدرجة أكبر, ومعالجة أوجه الغموض والثغرات التي أظهرها ” تجميع وتحليل المعايير القانونية ” . وكان الشعور أيضا أن من شأن إعادة ذكر وإيضاح المعايير القانونية في وثيقة واحدة متماسكة أن يعزز ويقوي الحماية القائمة. وجدير بالذكر أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين, قد ساندتا إعداد مبادئ توجيهية بشأن النازحين داخليا على أساس استنتاجات هذه الدراسة.
وتتألف المبادئ التوجيهية بشأن النزوح الداخلي من 30 مبدأ, شاملة من حيث النطاق. وتعين المبادئ الحقوق والضمانات الرئيسية ذات الصلة بحماية الأفراد ضد النزوح القسري وحمايتهم ومساعدتهم أثناء فترة النزوح وأثناء عودتهم أو إعادة توطينهم أو إعادة إدماجهم في المجتمع.
ولأغراض هذه المبادئ, فإن الأشخاص النازحين داخليا هم :
” الأشخاص أو مجموعات الأشخاص الذين أجبروا أو اضطروا للهرب أو ترك ديارهم أو أماكن إقامتهم المعتادة, وبخاصة كنتيجة لنزاع مسلح
أو حالات عنف عام أو انتهاكات لحقوق الإنسان أو كوارث طبيعية أو من صنع الإنسان, أو لتفادي آثار هذه الأوضاع, ولكنهم لم يعبروا
الحدود الدولية المعروفة للدولة. ” [4 ]
وكما ذكر في الوثيقة نفسها, فان المبادئ التوجيهية تجسد وتتفق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وفي الواقع, فإن الكثير منها, وبخاصة ما يتعلق بالحماية أثناء النزوح, هي أساساً بمثابة إعلان للقانون العرفي. ويمزج معظم قواعد ومبادئ القانون الإنساني الأساسية والضمانات الرئيسية لحقوق الإنسان, وهي تؤكد بذلك على الغرض المشترك لكلا القانونين, وهو حماية الحياة والكرامة الإنسانية.
وقد صيغت مبادئ كثيرة إما على نمط المبادئ التي تظهر في المعاهدات الإنسانية ومعاهدات حقوق الإنسان, أو هي نقل يكاد يكون حرفيا عنها .
كما أن المبادئ المتعلقة بالعودة وإعادة التوطين وإعادة الإدماج مستلهمة إلى حد كبير من مذاهب أساسية معينة لقانون اللاجئين وتعكس هذا المذاهب.
ومن المهم ملاحظة أن هذه المبادئ لا تغير أو تحل محل أو تعدل القانون الدولي القائم أو الحقوق الممنوحة للأفراد بموجب القوانين المحلية. وهي بالأحرى مصممة إلى حد كبير لتوفير الإرشاد بشأن الطريقة التي ينبغي بها تفسير القانون وتطبيقه أثناء جميع مراحل النزوح. ومن خلال مناشدة ” كل السلطات والفاعلين الدوليين ” احترام التزاماتهم بمقتضى القانون الدولي, بما في ذلك قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني, فإن المبادئ تسعى أيضا إلى منع وتفادي الظروف التي قد تؤدي إلى النزوح في المستقبل.
وينبغي نشر هذه المبادئ على أوسع نطاق ممكن بوصفها أشمل إن لم يكن أقوى تأكيد للمعايير التي تسري بصفة خاصة على النازحين داخليا. ويعتبر هذا النشر ضرورياً بوجه خاص لأن حقوق النازحين داخليا كثيرا ما يجري تجاهلها بل وانتهاكها لمجرد انعدام الوعي بها . إن من شأن المبادئ أن تبرهن أنها أداة لا يمكن الاستغناء عنها لتوجيه وتسهيل عمل الدول والمنظمات الحكومية الدولية وغير الحكومية التي تقدم الحماية والمساعدة والخدمات الضرورية الأخرى للنازحين داخليا.
اترك تعليقاً