القانون الدولي للبحار
المحامية: منال داود العكيدي
ادى التطور التكنولوجي في استغلال البحار الغنية بالثروات اضافة الى كونها وسيلة للتنقل بين الدول المختلفة الى نشوب خلافات دولية حول من له الحق في استغلالها والتصرف بها لذا كان لابد للمجتمع الدولي من البحث عن طرق قانونية لحل تلك المشاكل والنزاعات اضافة الى ان تلك النزاعات قد فتحت الباب على مصراعيه لظهور اتجاهات فقهية بين فقهاء القانون الدولي حول الوضع القانوني للبحار ومدى السيادة القانونية عليها ، فقد ذهب بعض الفقهاء الى القول بجعلها مفتوحة للجميع من دون أن تكون حكرا لدولة أو أكثر ، في حين ذهب البعض الآخر الى ضرورة اخضاع البحر لسيادة الدول وسلطانها .
ومع حلول القرن العشرين دخل القانون الدولي للبحار طور التقنيين من خلال اللجنة الخاصة التي شكلتها عصبة الأمم المتحدة في عام 1924 من أجل أعداد مشروع اتفاقية بشأن المياه الاقليمية التي على أثرها عقد مؤتمر لاهاي لعام 1930 من أجل اعتماد المشروع ، الا أن الخلاف حول مدى وأتساع هذه المياه حال من دون ذلك ، ولكن عندما تأسست منظمة الامم المتحدة قامت لجنة القانون الدولي التابعة للجمعية العامة بدراسة قواعد القانون الدولي للبحار والتي تكللت بالدعوة لعقد مؤتمر الأول لقانون البحار في عام 1958 والذي أنتج اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1958 حيث قسمت البحر الى خمسة أقسام وهي : المياه الداخلية ، والبحر الاقليمي ، و المنطقة الملاصقة ، والجرف القاري ، والبحار العالية ، بعد أن كان البحر يقسم الى ثلاث مناطق : المياه الداخلية ، والبحر الاقليمي ، والبحار العالية .
وبموجب المادة الثامنة من قانون البحار فقد عرفت المياه الداخلية على انها المياه الواقعة على الجانب المواجه للبر من خط الأساس للبحر الاقليمي والتي تشكل جزءا من المياه الداخلية للدولة الساحلية ، ويعتبر من قبيل المياه الداخلية بالنسبة للدول الشاطئية كل من الموانئ والبحيرات الكبرى والأنهار و الأرصفة والمراسي والخلجان والمياه التاريخية .
اما المادة الثانية من قانون البحار فقد عرفت البحر الاقليمي على انه حزام بحري ملاصق خارج الاقليم البري للدولة ومياهها الداخلية ، أو مياهها الأرخبيلية أذا كانت دولة أرخبيلية ، ويخضع البحر الاقليمي والحيز الجوي الذي يعلوه وقاعه وباطن أرضه لسيادة الدولة ، وهذه المناطق التي تعتبر اقليما بحريا ، للدولة أن تمارس عليها السيادة الكاملة كما تمارسها على أقليمها البري .
وحسب المادة الاولى من اتفاقية جنيف لعام 1958 فقد عرف البحر العالي على انه جميع أجزاء البحر التي لا يشملها البحر الاقليمي أو المياه الداخلية لدولة ما ، في حين عرفته اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 بأن جميع أجزاء البحر التي لا تشملها المنطقة الأقتصادية الخالصة أو البحر الأقليمي أو المياه الداخلية لدولة ما ، أو لا تشملها المياه الأرخبيلية لدولة أرخبيلية .
وبهذا اضيفت منطقة رابعة لاتفاقيات جنيف اطلق عليها المنطقة الارخبيلية والتي عرفت على انها المياه الواصلة بين مجموعة الجزر التي يتكون منها الأرخبيل والمحصورة داخل خطوط الأساس المستقيمة ، وبهذا فان الدولة الأرخبيلية – التي ينطبق عليها النظام القانوني المبين في أتفاقية قانون البحار- هي التي تتكون كلية من مجموعة من الجزر وأجزاء جزر مثل أندونيسيا والفلبين ، أما أذا كانت تنتمي الى أحدى القارات وتتصل بأرخبيل أو أكثر مثل النرويج والسويد فلا تخضع لهذا النظام .
وقد ظهرمفهوم المنطقة الأقتصادية الخالصة لأول مرة في أعلان سانتياغو لعام 1952 والذي قدمته كل من البيرو والتشيلي و الأكوادور من خلال أنشاء منطقة شاطئية لا تتجاوز 200 ميل تستفيد منها الدول الساحلية .
اما أتفاقية قانون البحار لعام 1982 فقد نصت في المادة 55 منها على ان المنطقة الأقتصادية الخالصة هي : منطقة واقعة وراء البحر الأقليمي وملاصقة له ، يحكمها النظام القانوني المميز المقرر في هذا الجزء ، وبموجبه تخضع حقوق الدولة الساحلية وولايتها وحقوق الدول الأخرى و حرياتها للأحكام ذات الصلة من هذه الأتفاقية .
لقد استقى قانون البحار قواعده من مجموعة من المصادر واولها هي الأتفاقيات والمعاهدات الدولية والتي هي عبارة عن أتفاق دولي مكتوب يبرم بين شخصين من أشخاص القانون الدولي العام أو اكثر , يستهدف ترتيب آثار قانونية معينة طبقا للقانون الدولي العام , او كما تعرفها الفقرة الأولى من المادة الثانية من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لعام 1969التي تنص على ما ان المعاهدة هي : الاتفاق الدولي المعقود بين الدول في صيغة مكتوبة والذي ينظمه القانون الدولي، سواء تضمنته وثيقة واحدة أم وثيقتان متصلتان أو أكثر ومهما كانت تسميته الخاصة.
وكما هو معروف فان للمعاهدات الدولية وظيفتين رئيستين : الاولى تشريعية والثانية عقدية ، فأما التشريعية ، فيقصد بها أن المعاهدة الدولية تستهدف سن قواعد قانونية جديدة ، بعبارة أخرى فأن المعاهدة الدولية تكون , في هذه الحالة ، مصدرا لقواعد القانون الدولي العام ، وتعد تشريعا دوليا بالنظر لصدورها عن الأرادة الشارعة لأطرافها، ولذا فأن الفقه الدولي يطلق على هذا النوع من المعاهدات الدولية بالمعاهدات الشارعة، أما الوظيفة العقدية فيقصد بها أن المعاهدة الدولية التي يكون الهدف من وراء أبرامها أنشاء التزامات على عاتق أطرافها طبقا لقواعد القانون الدولي العام, وفي هذه الحالة تكون المعاهدة مصدرا للالتزامات ، ويطلق الفقه الدولي على هذا النوع من المعاهدات الدولية المعاهدات العقدية .
ومن المعاهدات التي ساهمت بشكل فعال في تكوين قواعد القانون الدولي البحري هي أتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الموقعة لعام 1982 والتي تهدف الى حماية البيئة البحرية والحفاظ عليها ، والأتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحار لعام 1974 ، و الأتفاقية الدولية للبحث وأنقاذ الأرواح لعام 1979 ، و الأتفاقية الدولية لأعالي البحار لعام 1958.
وتصنف المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية العرف الدولي باعتباره المصدر الثاني ضمن مصادر القانون الدولي ، أذ تشكل قواعد القانون الدولي في أغلبها قواعد عرفية تم تقنينها في معاهدات دولية عامة ، والقاعدة العرفية تنشأ من خلال إتباع وتواتر أشخاص القانون الدولي العام سلوكا معينا مع توفر الأعتقاد والأقتناع لديهم بإلزامية إتباع ذلك السلوك ، ومن المسلم به أن القسم الأكبر من القواعد الدولية الوضعية المنتمية الى القانون الدولي للبحر قد نشأت عن طريق العرف ، وأن العرف كان ، ولا يزال ، المصدر الرئيس لقواعد القانون الدولي العام عموما ، بما في ذلك القواعد المنصبة على تنظيم علاقات الدول المرتبطة مكانيا بالبحار ومن أهم القواعد القانونية العامة التي سنها العرف الدولي هي مبدأ حرية أعالي البحار ، و مبدأ عدم الأضرار بالغير ، ومبدأ حسن الجوار.
وتعتبر المبادئ العامة للقانون من المصادر الأساسية والتي تقع في التصنيف الثالث بعد العرف الدولي ، والتي يقصد بها مجموعة القواعد التي تهيمن على الأنظمة القانونية التي تتفرع عنها قواعد أخرى تطبيقية تخرج الى حيز التنفيذ في صورة العرف و التشريع ، وقد أستقر الفقه و القضاء الدوليين بأن المبادئ العامة للقانون تعد مصدرا أصليا من مصادر القانون الدولي العام، حيث تنطبق المبادئ العامة للقانون على المياه الدولية المشتركة .
كما تنطبق على موضوعات أخرى ، وأهمها : حسن الجوار ، عدم الأضرار بالغير ، والانسجام القانوني مع الذات ، وتنفيذ الالتزامات القانونية بحسن نية ، والتعاون الدولي ، وعدم التعسف في استخدام الحق وغيرها. وقد أختلف الفقه الدولي حول الدور الفقهي لفقهاء القانون الدولي كمصدر احتياطي من مصادر القانون الدولي العام , فقد ذهب البعض الى تراجع دور الفقه الدولي , بمعنى أنه لا ينشئ قواعد دولية وانما يفسر هذه القواعد الدولية الموجودة ويعلق عليها مما يعني أننا أمام مصدر كاشف للقاعدة القانونية الدولية وليس منشأ لها , في حين ذهب غالبية الفقهاء الى تراجع هذا الدور الى ما دون المصادر الثانوية كمصدر من مصادر القانون الدولي , فقد ولى زمن أب القانون الدولي الفقيه جروسيوس حينما كان ينشئ القواعد الدولية ويضع النظريات القانونية , وعند اللجوء الى آراء الفقهاء لا بد وأن تكون تلك الآراء مبنية على الحياد و الموضوعية بعيدا عن الأهواء والدوافع السياسية والنزعات القومية .
وقد أدت قواعد هلسنكي 1966 ، و قواعد برلين 2004، الدور الرئيس في تعزيز القانون الدولي للمياه وتطويره ، كما تضمنت مبدأ الانتفاع المنصف ، الى جانب اسهام الفقه الدولي أيضا في ادماج مفاهيم بيئية أساسية في القانون الدولي كمفهوم التراث المشترك للإنسانية.
اترك تعليقاً