النظام العام والاداب العامة…المحامي محمود السليمان
المحـامي
محمود السليمان
بسم الله الرحمن الرحيم
النظام العام والاداب العامة :
وفق احكام القانون والاجتهاد والعمل على اعتبار شرف مهنة المحاماة من النظام العام
ليس من اليسير تحديد المقصود بالنظام العام ، نظراً لأن هذه الفكرة فكرة غير ثابتة تتغير بتغير الزمان والمكان ومع ذلك فان الفقهاء يحاولون تقريب هذه الفكر ة من الاذهان فيقولون إن النظام العام : هو مجموعة الأسس السياسية والاجتماعية والإقتصادية والخلقية التي يقوم عليها كيان المجتمع
ويقصد بالأسس السياسية : كل القواعد التي تتعلق بتنظيم الدولة وطريقة مباشرتها لسيادتها عن طريق السلطات المختلفة فيها
كما يقصد بالاسس الاجتماعية : مجموعة القواعد التي ترمي إلى كفالة الأمن والنظام في الدولة
وكذلك كل مايتعلق بتنظيم الاسرة وبمسائل الاحوال الشخصية بوجه عام وكل مايتعلق بتحقيق التضامن الاجتماعي بين مختلف طبقات المجتمع – كما هو الحال بالنسبة للقواعد المتصلة بتنظيم العمل
أما الاسس الاقتصادية فيقصد بها : كل ما يتعلق بتنظيم الانتاج القومي وتداول النقد وكفالة مستوى معين من الاسعار
وأخيراً فان الاسس الاخلاقية : يقصد بها : تلك القواعد المتصلة بالناموس الادبي في الجماعة والذي يحرص عليه ابناؤها وهذا ما يتصل ( بحسن الاداب ) ومن ذلك يتبين ان فكرة النظام العام فكرة نسبية متغيره بتغير المجتمعات كما تتغير بتغير الزمان فما يعتبر من النظام العام في بلد قد لايعتبر كذلك في بلد آخر
مثل ذلك نظام تعدد الزوجات إذ يجيزه النظام العام في الدول الاسلامية
بينما الدول الاخرى لاتجيزه وتعتبر أن تعدد الزوجات يتنافى مع النظام العام وفيما مضى كان نظام الرق مباحاً لايتنافى مع النظام العام ولم يعد الامر كذلك الآن
ويختلف مدى تعلق القواعد القانونية بالنظام العام بحسب تقسيمها قواعد قانون عام وقواعد قانون خاص
أما بالنسبة لقواعد القانون العام:
التي هي مجموعة القواعد التي تحدد كيان الدولة وتنظم علاقاتها بصفتها صاحبة السلطة والسيادة
فالاصل أن كل قواعد القانون العام تتعلق بالنظام العام سواء كانت قواعد القانون الدستوري او الاداري او المالي او قواعد القانون الجنائي
أما بالنسبة لقواعد القانون الخاص : الذي هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الافراد عندمالا تكون الدولة طرفاً فيها بصفتها صاحبة السيادة وهنا نفرق بين نوعين من القواعد
القواعد المتعلقة بالاحوال الشخصية ونظام الاسرة بصفة عامة وهي قواعد تتعلق بالنظام العام ولايصح الاتفاق على مخالفتها
أما القواعد الاخرى المتعلقة بالمسـائل المالية فاذا كان الاصل أنها لاتتعلق بالنظام العام إلا أن من بين هذه القواعد ما يتعلق بالنظام العام كذلك
مع مراعاة ان قواعد النظام العام تتزايد في هذا المجال يوماً بعد يوم في العصر الحديث خاصة في ظل الانظمة الإجتماعية الحديثة
ويبدو هذا واضحاً في علاقات العمل مثالها انه لايجوز الاتفاق على مادون الحد الادنى للأجورحيث تزداد القواعد الامرة كما يبدو في غيرها مثل علاقات الايجار حيث يتدخل المشرع في التنظيم
سواء في هذه الصورة الاخيرة ام في سابقتها فأننا نجد المشرع يتدخل عن طريق قواعد آمره بقصد حماية الطرف الضعيف في العلاقات القانونية بقصد إقامة التوازن فيها في بعض الإحيان
وتتسع دائرة النظام العام والاداب وتضيق تبعاً لهذه التطورات وطريقة فهم الناس لنظم عصرهم وما توافقوا عليه من آداب وتبعاً لتقدم العلوم الاجتماعية
لذلك فان بحثنا ينقسم إلى الاقسام التالية :
أ- النظام العام
ب- الاداب العامة
ج- العمل على إعتبار شرف مهنة المحاماة من النظام العام
أولاً : النظام العام :
تعريفـه : هو مجموعة الاسس السياسية والاجتماعية والاقتصادية والاخلاقية التي يقوم عليها كيان المجتمع0
وهنا نبين أن النصوص القرآنية جميعها من النظام العام لقوله تعالى (( كتاب عزيز لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد )) ص – سورة فصلت0
وماعرف اليوم في الاصطلاح القانوني ( بالنظام العام)
عرف في الاسلام بحماية المصالح العامة وتولت ذلك مؤسسة سمية مؤسسة الحسبه ، مهمتها القيام برقابة إدارية عن طريق موظفين على نشاط الافراد في مجالات الاخلاق –الدين – الاقتصاد- وبوجه عام تحقيق العدل والفضيلة وفقاً للمبادىء العامة في الشرع الاسلامي والاعراف المآلوفة في كل بيئة وزمن
وبأختصار وظيفة تنفيذية لتأييد واجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
فاذا تقرر أن قاعدة قانونية بحكم النص تعتبر من النظام العام فمعنى ذلك أن هذه القاعدة تكون ملزمة وللالزام هنا معنى أشد من أية قاعدة قانونية أخرى
فنحن نعرف أن كل القواعد القانونية ملزمة سواء أكانت من النظام العام أم لم تكن الا أن من هذه القواعد ما يستطيع المتعاقدان أن يعدلا عنها باتفاقهما فهي ملزمة مالم يختارا أن يدخلا عليها تعديل مثل ذلك
(( القاعدة الثانوية التي تقضي بأن البائع يضمن للمشتري تعرض الغير )) فهي قاعدة ملزمة مالم يتفق البائع مع المشتري على عدم وجود ضمان ولاتعتبر هذه القاعدة من النظام العام فيجوز الاتفاق على تعديلها أو مخالفتها
ومن القواعد القانونية ماهو ملزم ولايجوز الاتفاق على تعديلها لانها معتبرة من النظام العام مثل ذلك
(( القاعدة التي تقضي بأن القاعدة ملزمة للبائع وهي من النظام العام فلا يستطيع البائع الاتفاق مع المشتري على مخالفتها بان البائع يضمن للمشتري التعرض الشخصي الصادر منه
لذلك وبناء عليه فكيف نستطيع أن نحدد ما إذا كانت قاعدة قانونية معينة تعتبر من النظام العام فلايجوز الاتفاق على مخالفتها او لا تعتبر كذلك فيجوز مخالفتها ونحن في العصر الحاضر نشهد على تغلب نزعه العدالة الاجتماعية وإتساع دائرة النظام العام من ناحية ومن ناحية أخرى تأثر القانون بالعوامل الاخلاقية وما النظريات الحديثة كنظرية إساءة استعمال الحق وتشريع العمال والتشريعات الاخرى لها اثر واضح على هذه النزعة لذلك سنفصل منهاماكان مخالفاً للنظام العام مما يخالف الاداب العامة
أولاً: في دائرة النظام العام :
قد يكون الشيء غير قابل للتعامل منه لا ن ذلك غير مشروع وعدم المشروعية كونها مخالفاً للنظام العام ويعود ذلك إلى
آ- نص في القانون
ب- مخالفة هذا التعامل للنظام العام والاداب العامة
فما يرجع إلى نص في القانون وهذا غالباً ما يكون مبنياً على إعتبارات تعود إلى النظام العام أو الاداب العامة اولهما معاً
مثل ذلك ما نصت عليه المادة 439 من القانون المدني السوري (( لايجوز للقضاة والمساعدين العدليين والمحضرين في المحاكم والدوائر القضائية ولا المحامين ان يشتروا باسمائهم ولا باسم مستعار الحق المتنازع عليه كله او بعضه إذا كان النظر فيه يدخل في اختصاص المحكمة والدائرة الثانوية التي يباشرون اعمالهم في منطقتها والا كان البيع باطلاً ))
كذلك نص المادة 440 من القانون المدني السوري التي نصت : (( لايجوز للمحامين ان يتعاملوا مع موكليهم في الحقوق المتنازع فيها إذا كانون هم اللذين يتولون الدفاع عنها سواء أكان التعامل باسمائهم أم باسم مستعار وإلا كان العقد باطلاً ))0 هذه النصوص تعتبر من النظام العام فاذا وقع البيع كان باطلاً اصلاً
ويحكم ببطلانه بناء على طلب أي شخص له فائدة او مصلحة في ذلك ويجوز للمحكمة ان تحكم بالبطلان تلقائياً
كذلك نصت المادة 228 من القانون المدني السوري المتعلقة بتحديد الحد الاقصى للفوائد القانونية بنسبة 9% وهذا التحريم يرجع إما للاداب العامة باعتبار ان الربا الفاحش يتنافى مع الفضيلة وإما للنظام العام باعتبار أن الربا الفاحش إرهاقاً للمدين والنظام العام يتنافى مع هذا الارهاق وحكم الربا في الشريعة الاسلامية هو البطلان المطلق للنهي القرآني بقوله تعالى (( ياايها الذين أمنو إتقوا الله وذروا مابقي من الربا)) ص ووجود النص دليل على عناية المشرع بالامر فآثر أن يورد له نصاً خاصاً او هو ايضاح في مقام قد يكون عدم النص فيه مؤدياً للغموض والابهام كالنص الذي يحرم التعامل في التركة المستقبلة والحكمة من التحريم ترجع إلى أن أحكام الميراث والوصية من النظام العام
كما أن المادة 132 من القانون المدني السوري نصت على :
1- يجوز أن يكون محل الالتزام شيئاً مستقبلا أي اجازة بيع الثمر قبل ظهوره والزرع قبل نباته
2- غير ان التعامل في تركة انسان على قيد الحياة باطل ولو كان برضاه الا في الاحوال التي نص عليها القانون وتأسياً على ذلك فقد أجاز الاجتهاد القضائي السوري أثبات تقاضي فائدة فاحشة بالبينة الشخصية لأنها تشكل مخالفة للقانون وتتعلق بالنظام العام
وفي التشريع المدني السوري نصت المادة 136 ( اذا كان محل الالتزام مخالفاً للنظام العام أو الأداب العامة كان باطلاً ) وفي المادة 137 منه ( اذا لم يكن للألتزام سبب أو كان سببه مخالفاً للنظام العام أو الاداب العامة كان العقد باطلاً )0وهناك نظرات مختلفة في تحديد النظام العام
سبق وان بينا أن القواعد القانونية التي تعتبر من النظام العام هي قواعد يقصد بها تحقيق مصلحة عامة سواء أكانت هذه المصلحة سياسية او اقتصادية أو اجتماعية او اخلاقية 0 ونؤكد مرة أخرى أن كل ما يتعلق بالقانون العام يعتبر من النظام العام ولايجوز للافراد الاتفاق على ما يخالفه حيث يعتبر القانون ان المصلحة التي تكفلها قاعدة قانونية معينة تعلو على مصلحة الافراد وتسمو إلى مقام المصلحة العامة وجب على جميع الافراد مراعاة هذه المصلحة وتحقيقها ولايجوز لهم أن يناهظوها باتفاقات خاصة فيما بينهم حتى لو حققت هذه الاتفاقات لهم مصالح فردية فأن المصالح الفردية لاتقوم أمام المصلحة العامة على أعتبار أن مصلحة ما عامة أو فردية تختلف باختلاف النزعة المتغلبة على النظم السائدة هل هي نزعة فردية أو نزعة اشتراكية
وهكذا نجد انه ليس باستطاعتنا أن نضع قاعدة ثابتة تحدد النظام العام تحديداً مطلقاً يتمشى مع كل زمان ومكان لأن النظام العام شيئاً نسبي وكل ما نستطيعه أن نضعه هو معيار المصلحة العامة ولايسعنا هنا الا -أن نورد بعض التطبيقات على سبيل المثال ولانقصد بها حصر كل مسائل النظام العام وهي بعض النتائج التي نص اليها من تطبيق معيار المصلحة العامة كما يفهما جيلنا الحاضر وكما يطبقها القضاء في القطر العربي السوري وقد تتغير هذه التطبيقات فيصبح من النظام العام مالم يكن منه ويصبح مصلحة فردية ما كان قبلاً من النظام العام اذا تغير فهمنا للمصلحة العامة ( بتطور الحياة )
ويتبين هنا بوضوح من مقارنة الحاضر بالماضي فقد كان سابقاً يعتبر مخالفاً للنظام العام ما يعتبر مشروعاً ومثال ذلك كالتأمين على الحياة ونقابات العمال والوساطة في الزواج والتعاقد مع الهتافة والتعهد بعدم المنافسة تعهداً دائماً وسنتولى ايراد بعض التطبيقات :
فالقانون العام ينظم روابط الافراد بالدولة كما ينظم روابط الهيئات العامة بعضها بالبعض الآخر وهذا التنظيم ينظر فيه إلى [ المصلحة العامة ] فلا يجوز للأفراد أن يتفقوا مع ما يتعارض مع هذه المصلحة تحقيقاً لمصالحهم الفردية ويشمل القانون العام القواعد الدستورية والحريات العامة والنظم الادارية والنظام القضائي والنظم المالية للدولة والقوانين الجزائية لذلك مثلا ً : لايجوز للمرشح ان يتنازل لمرشح بمقابل أو بدون مقابل
كما لايجوز لناخب أن يتفق مع مرشحه على أعطائه صوته وكل اتفاق من هذا القبيل يكون باطلاً لمخالفته النظام العام
أما الحريات العامة وموقف النظام العام من الاتفاقات المقيدة لها:
فأن الحرية الشخصية وحرية الاقامة وحرية الزواج وحرية الايصاء وحرية الاجتماع وحرية الدين والمعتقد وحرية التجارة والعمل كلها حريات من النظام العام لايجوز لأحد أن يقيد منها باتفاقات خاصة
كذلك لايجوز لطبيب او محامي أن يتفق مع أحد الممولين على أن هذا يعطيه المال اللازم لانشاء عيادة او مكتب بشرط ان يشترك معه في أرباح مهنته فان مثل هذا الاتفاق هو اتجار بالمهنة ويعتبر ذلك مخالفاً للنظام العام
كما أن النظام القضائي في بلد يحقق في مجموعة (( مصلحة عامة ))
لذلك فأن كثير من احكامه لاتجوز معارضتها باتفاقات فردية فحق كل شخص في التقاضي من النظام العام
كذلك إختصاص المحاكم الموضوعي على اختلاف أنواعها ودرجاتها يعتبر من النظام العام
كذلك قابلية الحكم للطعن بالطرق المقررة قانوناً تعتبر من النظام العام لذلك لايجوز للافراد ان يتفقوا على أن دعوى الاعتراض جائزة في حكم وجاهي
وفي تنفيذ الاحكام والقرارات والاسناد الاجنبية لايجوز الحكم بالتنفيذ الا بعد التحقق من عدة موجبات اهمها أن الحكم لايتضمن مخالفة للنظام العام في سورية
وقد أجمع الفقه والاجتهاد على أن حق الدفاع الممنوح للخصوم من النظام العام واعتبر الاجتهاد القضائي السوري أن القواعد التي تحكم عبء الاثبات ليست من النظام العام
أما القوانين الجزائية وارتباطها : فلا يجوز مخالفة القوانين الجزائية باتقافات خاصة لان ذلك يعد مخالفاً للنظام العام
مثل ذلك ان يتفق شخص مع آخر ارتكاب جريمة
وعن الاحوال الشخصية – فكثير من روابط الاحوال الشخصية يحقق مصلحة عامة ويعتبر من النظام العام مثل الاهلية – علاقة الشخص باسرته والولاية – والوصاية والقوامه كذلك الحقوق والواجبات التي تنشأ عن الابوه تعتبر من النظام العام
كما أن مسائل الحضانة والنفقة تعتبر أيضاً من النظام العام
كما أن المعاملات المالية التي تحقق مصلحة عامة تعتبر من النظام العام
كذلك قواعد التنفيذ واجراءته كثيراً منها يدخل في دائرة النظام العام
كذلك معظم حقوق العمال تعتبر من متعلقات النظام العام
كما أن مبدأ تخمين المأجور إنما اقتضته ضرورات إجتماعية وإقتصادية لذلك فأن أحكامه تعتبر كلها من النظام العام
هذه هي بعض تطبيقات النظام العام على سبيل المثال وليست الحصر
2- الاداب العـامةحسن الاداب )
الاداب العامة ( حسن الاداب ) يقصد بها مجموعة الاسس الاخلاقية التي يقوم عليها نظام المجتمع والتي يرى الناس أنها هي الواجبة الاتباع في علاقاتهم ولذلك لايباح الخروج عليها عن طريق الاتفاقات الخاصة
ولما كانت هذه الفكرة تشمل مجموع المصالح والقواعد الاخلاقية التي يقوم عليها نظام الجماعة فهي تتصل بنظام المجتمع وتمس كيانه ولذلك فأن هذه الفكرة تدخل في فكرة النظام العام بمعناها الواسع ويقال عادة (( النظام العام والاداب ))علماً أنه إذا كان يقصد بالآداب قواعد الاخلاق فليس المقصود منها قواعد الاخلاق بصفة عامة لان نطاق القانون يختلف عن نطاق الاخلاق وهناك من القواعد الاخلاقية ماليس محلاً لتنظيم قانوني فيستقل بنطاقه عن نطاق القانون ثم انه يراعى أن الاداب لاتشتمل على جميع القواعد الاخلاقية التي اندمجت في نطاق القانون عن تقرير جزاء قانوني على مخالفتها ولكنها تشتمل فقط على ما يتصل بالمعيار الآدبي أو الناموس الادبي الذي تحرص الجماعة عليه في العلاقات بين الافراد0
فالجماعة ترى أن من بين القواعد الاخلاقية التي اندمجت في نطاق القواعد القانونية ما لايجوز الخروج عليه فيلتزم به الافراد نظراً لتعلقه بالناموس الادبي الذي يسود الروابط الاجتماعية ولهذا لا يجوز للافراد الاتفاق على عكسه إذ أن قواعده تعتبر قواعد آمره0
وفكرة الاداب فكرة مرنه متغيره هي الاخرى بتغيز الزمان والمكان كما تتأثر بالتقاليد الموروثة والعادات والدين شأنها في ذلك شأن فكرة النظام العام0
فهنالك من المسائل ما كان يعتبر مخالفاً للاداب فيما مضى ولكن لم يعد كذلك في الوقت الحاضر0 كالوساطة في عقد الزواج والحصول على فائدة عن القرض0
ولما كانت فكرة الاداب العامة غير محددة – كماهو الشأن بالنسبة للنظام العام فأنه يترك للقضاء تقدير ما إذا كانت هناك مخالفة للنظام العام والاداب أم لا0
وقد قرر القضاء في هذا الصدد 0 في سورية ومصر ولبنان ، ان كل اتفاق على قيام علاقات جنسية غير مشروعة باطل لمخالفته للآداب العامة 0
وكذلك الشأن بالنسبة للاتفاقات الخاصة باستغلال بيوت الدعارة كما قرر القانون المدني السوري والمدني المصري أن كل إتفاق خاص بمقامرة أو رهان يكون باطلاً لمخالفته الاداب العامة0
وفي التشريع الجزائي السوري نصت المادة 471 من قانون العقوبات السوري0
على أنه (( من تزوج بطريقة شرعية مع علمه ببطلان زواجه بسبب زواج سابق عوقب بالحبس من شهر إلى سنة))0
وعاقبت المادة 469 عقوبات سوري (( بالغرامة المالية إذا عقد أحد رجال الدين زواج قاصر لم يتم الثامنة عشر من عمره دون ان يدون في العقد رضى من له الولاية على القاصر0
وعاقبت المادة 472 من قانون العقوبات السوري – المرآة الزانية بالحبس من 3 اشهر الى سنتين0
وعاقبت المادة 474 من قانون العقوبات السوري الزوج بالحبس من شهر إلى سنه إذا أرتكب جرم الزنا في البيت الزوجي أو إتخذ له خليله جهاراً في أي مكان كان وتنـزل العقوبة نفسها في المرآة الشريك
وشددت المادة 476 من قانون العقوبات السوري في جريمة السفاح وهي جريمة الزنا بين الاصول والفروع0
وكافة هذه النصوص شرعت لمخالفة هذا السلوك آداب واخلاق المجتمع 0
كذلك بيوت الدعارة والبيوت التي تستعمل للقمار او تعاطي المخدرات وحكم إيجارها واستئجار مقراتها ومفروشاتها ولوازمها وكل إتفاق يتعلق باستغلال هذه البيوت يعتبر باطلاً لمخالفته للآداب العامة ولو كانت هذه البيوت قد حصلت على الترخيص الاداري اللازم0
كما أن المشرع السوري قد اعتبر بعض التصرفات مخالفة للاداب العامة وخصصها بنص من قانون العقوبات0
مثل من استحم على مرآى من المارة بوضع مغاير للحشمة ومن احدث ضوضاء تسلب راحة السكان ومن رمى قصداً بحجارة او نحوها من الاجسام الصلبة او الاقذار وسبب أذى للسكان0
من أفلت حيواناً مؤذياً أو اطلق مجنون كان في حراسته 0
كذلك يعد باطلاً اقراض المقامر مالاً حتى يتمكن من المقامرة0
وكذلك حرص القانون السوري على تحريم عقد يكسب الشخص بمقتضاه مالاً من طريق مناف للاداب فمن يتقاضى جزاء القيام بعمل كان عليه القيام به دون اجر ولا يستحق هذا الاجر يكون عقد باطلاً كمن يتعهد برد وديعة أو اعادة مال إقترضه ويأخذ عليه أجر فيكون عقده باطلاً لجهة الاجر0
3- وهنا لابد من العمل على اعتبار ان شرف مهنة المحاماة يجب ان يعتبر من النظام العام 0
نظراً لكون مساهمة المحامي في تنفيذ الخدمة العامة تعطي لمن يمارسها حقوقاً وضمانات فانها أيضاً تلزمه بواجبات فبعض هذه الواجبات تكون امام موكليه والبعض الاخر يكون امام زملائه ونقابته من خلال ممارسة سلوكه العملي ليومي0
فقد أجمعت أغلب قوانين تنظيم المهنة على مبادىء عامة منها:
أ- يجب على المحامي ان يتقيد في جميع إعماله بمبادىء الشرف والاستقامة والنزاهة كون الوكالة هي امانة في عنقه0
ب- يحظر على المحامي شراء الحقوق المتنازع عليها بين موكله والغير0
ج- لايجوز للمحامي ان يقبل الوكالة عن خصم موكله000 الخ0
د- لايجوز للمحامي افشاء سر موكله0
هـ لايجوز للمحامي ان يقيم دعوى شخصية ضد زميله ال بعد الحصول على اذن مسبق مـن
النقابة0
و- يحظر على المحامي السعي لاكتساب الزبائن بوسائل الدعاية التجارية بمافي ذلك من حـط
لكرامة المهنة0
علماً ان هذه التصرفات المشار اليها كلها تستوجب المسائلة المسلكية كونها مخالفة لاداب لمهنة وشرفها0
كما أن المادة 74 من قانون مهنة المحاماة منعت المحامي من زيارة السجناء الا بناء على طلب خطي من الموقوف أو ذويه اذا كان مكلفاً بالدفاع عنه قانوناً كل ذلك بعد الحصول على إذن من رئيس مجلس الفرع أو من ينيبه بذلك0
كما أن المادة 77 من قانون تنظيم مهنة المحاماة نصت في الفقرة آ منها – يعاقب المحامي الذي يقبل الوكالة عن طريق التعامل مع السماسرة بالشطب من الجدول 0
وحيث ان القانون قد حدد لهذه المهنة آداب وإصول لذلك فأنني أطلب من النقابة المركزية كون مهنة المحاماة هي الجناح الثاني للعدالة ان يعتبرو شرف هذه المهنة من النظام العام والاداب وان يلحظوا نصاً في قانون تنظيم مهنة المحاماة الجديد اعتبار شرف مهنة المحاماة وادابها من النظام العام والخروج عليه سبباً موجباً للشطب كما اطلب من النقابة ان يتفقدوا التجاوزات ويتقصونها دون انتظار شكوى من أحد وفي هذا المضمار أريد أن اطرح بعضاً من التصرفات التي لاتليق بمحام يحترم نفسه او يحترم شرف وقدسية مهنته ولو كان الدافع هو الحاجة وهي اشد خطورة على المهنة من قبول الوكالة عن طريق السمسرة ومن هذه :
1- المحامي الذي يتسكع في المشافي يبحث عن حوادث السير0
2- المحامي الذي يداوم في مقاسم الشرطة والامن يبحث عن من يوكله في دعاوى المشاجرة او دعاوى التأمين ويدعي أنه متخصصاً في دعاوي التأمين 0
3- المحامي الذي لايعرف بعضاً من الدعاوي التي اوكلت اليه ولامواعيدها ويحاول ان يتهرب من موكله با ي جواب عندما يسأله عن مصير دعواه0
4- المحامي الذي يماطل في الدعوى وتكون المماطلة في غير مصلحة موكله والمحامي الذي يعمل سمساراً بين المحكمة والموكلين وهذا اشد خطورة من العمل عن طريق السمسرة كونه تخلى عن مهنته واصبح سمساراً0
5- المحامي الذي يهول من شأن الدعوى المعروضة عليه أو الذييتنطح ويدعي أنه يتمكن من إنهاء الدعوى خلال بضعة اشهر ولصالح موكله حتى إذا ظهرت الحقيقة إساء ذلك إلى كل المحامين بل إلى المهنة باكملها0
6- المحامي الذي يبجل الكاتب او حتى الآذن احياناً اكثر من اللازم والذي يقف امام القاضي ذليلاً فيفقد هيبته ويحرج من يكون على مسمعه ويخل بشرف المهنة0علماً ان مهنة المحاماة هي مهنة الفرسان وليست مهنة الاذلاء وضعاف النفوس0
7- المحامي الذي يحمس موكل زميله على عزله ليتولى هو بدلاً منه دون أن يكون هذا الزميل مقصراً في دفوعه اللازمة0
8- المحامي الذي يقبل وكالة في دعوى فيها وكالة لزميل اخر دون أخذ موافقة زميله0
9- والطامة الكبرى في هذه الايام مع الزملاء الذين يداومون وقوفاً في مدخل القصر العدلي يتلقفون الزبون الشارد او يداومون مترددين على ابواب النظارة او بالاتصال اليومي مع مقاسم الشرطة عن حوادث السير وقد إتفقوا مع سماسرة لهم من الشرطة أو من كتاب الدواوين او الاطباء الشرعيين0
ختاماً أيها الأخوة الاعزاء
إن هذه التصرفات مخلة بشرف المهنة وآدابها وسلوكها واعلمكم هنا ان دخلاً بسيطاً مع الكرامة خير من دخل وفير بدونها ورحم الله من قال (( تموت الحرة ولا تأكل من ثديها ))
بل ان نبينا العربي قال (( إطلبوا الحاجات بعزة الانفس فأن الامور تجري بالمقادير ))كما قال عليه السلام (( لاتموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها)) كماقال الفاروق عمر بن الخطاب:
(( حاسبو إنفسكم قبل أن تحاسبو وزنو أنفسكم قبل أن توزنوا فأن أهون عليكم في الحساب غداً أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الاكبر يومئذ تعرضون لاتخفى منكم خافية ))0
لذلك لايسعني أخيراً الا ان اقول 0
إتعظوا يا أولي الالباب
ــا /1/2008 المحــامي
محمود السلميان
المراجـع
د0 سليمان مرقس بند 58-69-210-56-57 مقدمة في دراسة القانون
د0 حسن كيره بند 25 ومابعده – الاحوال الشخصية لغير المسلمين0
د0 توفيق حسن فرج – النظرية العامة للقانون والنظرية العامة للحق
– القانون المدني السوري0
– تاريخ عمر بن الخطاب للامان ابن الجوري
– المدخل الفقهي العام – للاستاذ الزرقا
– قانون العقوبات السوري
– احكام الشريعة الاسلامية للاستاذ الدكتور الشلبي0
– نظرية العقد للاستاذ الزرقا
– مجموعة القواعد القانونية التي اقرتها محكمة النقض0
– القانون 39 لتنظيم مهنة المحاماة الصادر بتاريخ 21/8/1981
اترك تعليقاً