المحكمة الاتحادية وفرصة المشاركة في صناعة التشريع
سلام مكي
إن دستورية القوانين، وعدم مخالفة النص القانوني للدستور، هو هاجس لكل مواطن.. بهذا المعنى، رسّخت المحكمة الاتحادية في أحد قراراتها حالة مهمة يمكن استثمارها بشكل كبير في المشاركة في صناعة القوانين.. وكان رد المحكمة هذا، عندما طلب الخصم رد الدعوى كون ان المدعي لا مصلحة له في إقامتها.. وقانون المرافعات، نص في المادة 6 منه: يشترط في الدعوى أن يكون المدعى به مصلحة معلومة وحالة وممكنة ومحققة ومع ذلك فالمصلحة المحتملة تكفي ان كان هناك ما يدعو إلى التخوف من الحاق الضرر بذوي الشأن ويجوز كذلك الادعاء بحق مؤجل على أن يراعى الأجل عند الحكم به وفي هذه الحالة يتحمل المدعي مصاريف الدعوى. فهل ان وجود يخالف الدستور لا يمس مصلحة المواطن؟ هل ان مطالبة المواطن بعدم دستورية قانون او تعليمات او انظمة يخالف نص المادة 6 من قانون المرافعات؟ ان وجود أي قانون لا بد أن يمس مصالح المواطنين، كونهم الفئة المستهدفة من القانون، وان مخالفة ذلك القانون للدستور، بوصفه القانون الأسمى، يعني تضرر تلك المصالح، وبالتالي فإن مطالبة المحكمة الاتحادية بعدم دستورية ذلك النص القانوني يعني وجود مصلحة أو على الأقل وجود مصلحة محتملة تكفي لأن يطالب المواطن بعدم دستورية أي نص قانوني حتى لو لم يكن ذلك النص القانوني يستهدفه او يستهدف الشريحة التي ينتمي اليها. ولكن بالمقابل، يجب وضع قيود على حق التقاضي، أمام المحكمة الاتحادية بخصوص استخدام هذا الحق، ذلك ان الاطلاق له مضار هو الآخر..
ان فكرة حق المواطن بالمطالبة بعدم دستورية القوانين، هي فرصة تاريخية لأن يشارك المواطن في صناعة القوانين والتشريعات، بشكل مباشر، حيث انه من المعلوم ان من يتولى تشريع وصياغة القوانين هو البرلمان ووفق الآليات التي نص عليها الدستور، ولكن يمكن للمواطن في حال رأى ان هنالك تشريعا او قانونا يخالف كله او بعضه الدستور، ان يرفع دعوى ضد رئيس مجلس النواب اضافة لوظيفته يطالب المحكمة بالحكم بعدم دستورية ذلك النص القانوني، كون ان بقاءه يضر بمصلحته.
ولكن هذا الرأي وضع المواطن أمام مسؤولية وطنية وتاريخية كبيرة، حيث ان منح هذا الحق، يعني ان لا عذر للمواطن أو أي منظمة أو جهة تدافع عن حقوق المواطنين، حين ترى نصاً قانونيا يخالف الدستور أو يعرض الحريات او الحقوق للخطر او يخرق مبدأ المساواة، أن يتولى رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الاتحادية للمطالبة بعدم دستورية ذلك النص، وحتى لو كان للمحكمة رأي آخر، فإن هذا يعني ان المواطن أدى ما عليه من واجبات تجاه مجتمعه ووطنه، وسلك الطريق القانوني السليم للمطالبة بحقوق الأفراد.. أما لو صمت أو اكتفى بالبيانات او المنشورات التي لا تؤدي الى تحقيق الهدف المنشود ، فإن جهوده لا قيمة حقيقية لها.. المحكمة الاتحادية بوصفها الجهة المختصة بالنظر في صحة التشريعات والقوانين، فتحت أبوابها أمام المواطنين كي يتولوا المساهمة والمشاركة في صياغة القوانين وجعلها موافقة للدستور، وهي بهذا ترسخ مبدأ مهما من مبادئ الديمقراطية وهو مشاركة المواطنين في شؤون الحكم، مشاركة مباشرة. الفكرة وحدها لا تكفي، بل لابد من وجود جهات حقوقية أو أفراد مختصين بالقانون، يتولون التثقيف بأهمية أن يشارك الفرد في صناعة القانون، من خلال اللجوء الى المحكمة الاتحادية في حال وجود نص في القوانين يخالف الدستور.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً