استقر الاجتهاد القضائي السوري على أن تكون مشاهدة المحضون أسبوعيا ودورياً، وهذا ما قضت به محكمة النقض السورية في قرار لها جاء فيه ( …. أن الاجتهاد القضائي مُستقر على أن حق كل من الأبوين في رؤية أولادهم الموجودين في كنف الآخر أسبوعيا ودورياً ومن حق القاضي تحديد الكيفية التي تتم بها تلك الرؤية عند إختلاف الأبوين في كيفية تنفيذها…)(1) وفي نفس الإتجاه سار القضاء الجزائري بعد أن سكت المشرع في قانون الأسرة عن تحديد معنى زيارة المحضون وكيفية مُمارستها، فضلاً عن أنه لم يشر إطلاقاً في النص الخاص بالزيارة (2) عن مصلحة المحضون، فقد قضت المحكمة العليا الجزائرية في قرار لها جاء فيه (… متى أوجبت أحكام المادة (64) من قانون الأسرة على أن القاضي حينما يقضي بأسناد الحضانة أن يحُكم بحق الزيادة فأنه من الواجب أن يكون هذا الحق ترتيباً مرناً وفقاً لما تقتضيه حالة الصغر، فمن حق الأب أن يرى أبنائه على الأقل مرة في الإسبوع لتعهده بما يحتاجون إليه والتعاطف معهُم ومن ثم فإن القرار المطعون فيه القاضي بترتيب حق الزيادة للأب مرتين كل شهر يكون قد خرق القانون ومتى ترتب ذلك إستوجب نقض القرار المطعون فيه)(3)
وهنا نتساءل إذا كانت القوانين محل الدراسة والقضاء المقارن قد عدوا مشاهدة المحضون حق لأبوي المحضون، فماذا عن الأجداد هل لهما الحق في مشاهدة حفيدهم المحضون؟ بإعتبار أن صلة الرحم بين المحضون وأجداده يُعد حق طبيعي وشرعي ولكن هل أن هذا الحق كفلهُ القانون؟ أن القوانين محل الدراسة لم تتطرق إلى حق الأجداد في مشاهدتهم لحفيدهم المحضون ، بينما جعل الفقهاء المُسلمون للأب ولغيره من أولياء المحضون الحق في زيارته وتعهده(4) وأيدهم في ذلك جانب من شراح القانون(5) ويرون بدورهم بأن الأجداد من حقهم مشاهدة حفيدهم المحضون ولم يقتصروا في حق المشاهدة على الأجداد أب الأب وأب الأُم، إنما أدخلوا الجدة لأب والجدة لأُم بعد أن أثبتوا لهم هذا الحق أينما كانوا، ولكنهم قيدوا هذا الحق بشرط ألآ وهو عدم وجود أبوي المحضون، سواء كان عدم وجودهم للوفاة أو سفرهم خارج البلاد أو لمرضهم الشديد المانع من مشاهدة ولدهم المحضون، ومعنى ذلك أنهم أسقطوا حق الأجداد في مشاهدة حفيدهم ما دام أبويه موجودين وصالحين لمشاهدة ولدهم المحضون. وأعتقد أن من حق أجداد المحضون، الجد لأب والجد لأم على وجه الخصوص الحق في مشاهدة حفيدهم المحضون فضلاً عن أقربائه من محارمه في حالة عدم وجود الأبوين أو أحادهما إيصالا لصلة الرحم التي هي من أبرز قواعد الإسلام الخُلقي والاجتماعي ويُفترض بالحاضن الذي بيده المحضون أن لا يجعل هذا الحق بمثابة وسيلة للكيد والإساءة والإضرار بالأقارب من محارم المحضون. وزاء سكوت المشرع العراقي في قانون الأحوال الشخصية عن هذه المسألة وعدم النص عليها نقترح للمشرع العراقي من إضافة (ب) في الفقرة ( 11 ) من المادة ( 57 ) من قانون الأحوال الشخصية والتي سبق وأن تم اقتراحها في هذه الدراسة ليكون نصها بالشكل الآتي:
ب– (فإذا كان أحد الأبوين أو كلاهما متوفياً أوغائباً جاز للأقارب المحارم مشاهدة المحضون وفقاً لما تراهُ المحكمة مناسباً) وبهذا المقترح سيكون من حق الأجداد وغيرهما من الأقارب المحارم بالمحضون الحق في مشاهدته عند عدم وجود الأبوين أو أحدهما أو غيابهما وفي ذلك تجديد وتواصل ل صلة الرحم التي أمر الله بها أن توصل ولا تقطع.وبذلك يستوي في حق مشاهدة المحضون الأُم وغيرها مأن أقاربه المحارم كالخالة وأُخت المحضون، ول كنهما يختلفان في مُدة المشاهدة، فلا يكون لغير الأُم الحق في مشاهدته كل إسبوع، إنما يكون له أن الحق في مشاهدته كل شهر مرة(6) وقد أكد القضاء المقارن في العديد من أحكامه على حق الأجداد في مشاهدة أحفادهم المحضونين، ففي قرار لمحكمة التمييز العراقية جاء فيه ( ولدى عطف النظر على الحُكم المميز وجد أنهُ صحيح وموافق لأحكام الشرع والقانون لأنهُ إذا كان أبو الصغار متوفي فيحق لأُمه أن تطلب مشاهدة الصغار بصفتها جدتهم حيث أنهُ يحق لمن لهُ حق الحضانة والضم طلب مشاهدة الصغير لذا قرر تصديقه)(7) وفي قرار أخر لذات المحكمة قضت به بإعطاء الحق في مشاهدة المحضون للجد لأب جاء فيه (ولدى عطف النظر على الحكم المميز وجد أنه صحيح وموافق لأحكام الشرع والقانون ذلك أن من حق الجد لأب مشاهدة حفيده والنظر في تربيته ورعايته وتعليمه عند وفاة أبيه لذا قرر تصديقه)(8) بينما أعطت المحكمة نفسها في قرار آخر الحق في مشاهدة المحضون للجدة لأب جاء فيه (ولدى عطف النظر على الحكم المميز وجد أنه صحيح وموافق لأحكام الشرع والقانون لأن المحكمة وجدت أن من حق الجدة لأب في حال وفاة الأب طلب مشاهدة حفيدها، إذ أن المشاهدة بعد وفاة الأب تقرر لمن له حق منازعة الأُم بالحضانة وهذا ما قضت به محكمة الموضوع لذا تكون الإعتراضات التمييزية لا تنال من صحة الحُكم المميز قرر تصديقه)(9) وهذا ما سار علي ه القضاء السوري من قبل حيث أعطى الحق في مشاهدة المحضون لأبويه ولغيرهما من أوليائه في قرار لمحكمة النقض السورية جاء فيه (… وبما أن إراءة الصغير إلى والديه أو محارم ه لأم يرد عليها نص في قانون الأحوال الشخصية مما ينبغي فيها الرجوع إلى القول الأرجح في المذهب الحنفي عملاً بالمادة (305) أحوال، لذا قررت المحكمة أن تكون الإراءة للأُم والأب في الإسبوع مرة ولغيرهما من الأولياء في السنة مرة)(10)
ويفهم من القرار أعلاه أن القضاء السوري قد أعطى الحق في مشاهدة المحضون لأبويه وأوليائه حتى وان كانوا الأبوين موجودين ولكن مع أختلاف في مُدة المشاهدة وهو موقف محمود من القضاء السوري يُمكن من خلاله توطيد العلاقة بين المحضون وأوليائه دون أن تُقطع صلة الرحم بينهما حتى مع وجود أبوي المحضون. وأما القضاء الجزائري فقد كان موقفهُ مُرتبكاً نوعاً ما نظرًا لإقحام المشرع الجزائري في قانون الأسرة حق المشاهدة أو الزيارة كما سماها ضمن المادة (64) منهُ والتي تناولت ترتيب أصحاب الحق في الحضانة ، إذ خص هؤلاء المذكورين في النص فقط والذين يحق لهم مشاهدة المحضون، لأنه ألأزم قاضي الموضوع عند الحُكم بإثبات الحضانة لأحد منهم فإنهُ يقضي بحق الزيارة للطرف الآخر الذي نازع الحاضن، لذلك جعل القضاء الجزائري الأجداد سواء كانوا من جهة الأب أو جهة الأُم مأن ضمن الأشخاص الذين لهم الحق في مشاهدة حفيدهم المحضون، لأنه غالباً ما تكون لهُ علاقات حميمة ووطيدة معهم، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا الجزائرية في قرار لها جاء فيه (…. أن من حق الأجداد استقبال أحفادهم لزمن مُحدد خلال السنة دون المساس بحقوق الشخص القائم على السُلطة الأبوية وما يتفق مع مصلحة المحضون)(11) وفي قرار آخر لذات المحكمة قضت بحق مشاهدة المحضون للجد لأب جاء فيه (من المقرر شرعاً أنه كما تجب النفقة على الجد لإبنا لابن يكون لهُ حق الزيارة أيضاً ومن ثم فأن قضاة الموضوع لما قضوا بحق الزيارة للجد الذي يُعتبر أصلاً للولد بمنزلة والده المتوفي، كما تجب عليه النفقة يكون لهُ حق الزيأرة طبقاً لأحكام المادة (77) من قانون الأسرة فان القضاة بقضائهم كما فعلوا طبقوا صحيح القانون ومتى كان ذلك إستوجب رفض الطعن(12).
__________________
1- قرار محكمة النقض السورية/ بالعدد 389 / غرفة شرعية/ 1982 والصادر بتاريخ 28/11/1982 مشار إليه عند سعدي أبو حبيب، المرشد في قانون الأحوال الشخصية ، ج 1، تحقيق أديب إستانبولي ، المكتبة القانونية ، ط 3 ، دمشق1997 ، ص 579 .
2- نصت المادة (64) من قانون الأسرة الجزائري الشطر الثاني منها على أن (…. وعلى القاضي عندما يحكم بإسناد الحضانة أن يحكم بحق الزيادة).
3- قرار المحكمة العليا الجزائرية/ بالعدد 59784 /شخصية/ 1990 والصادر بتاريخ 16/4/1990 مشار إليه عند د. تشوار حميد زكية، مصدر سابق، ص223.
4- ينظر: الدسوقي، محمد عرفة الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير، دار الفكر للنشر، بيروت، دون سنة نشر ، ج 2؛ ص 527 ؛ ابن عابدين، محمد أمين عابدين بن عمر عابدين بن عبد العزيز الحنفي، رد المحتار على الدر المختار، دار الفكر للنشر، بيروت 1421 ه ، ج 3، ص 571 ، الشربيني،محمد الشربيني الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة الفاظ المنهاج، ج 3، دار الفكر للنشر ، بيروت ، 1415 ، ج 3، ص 457 ؛ البهوتي، منصور بن يونس بن ادريس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع،ج 5،دار الفكر للنشر، بيروت ، 1402 ، ج 5، ص 50 ؛ النجفي، جواهر الكلام شرح شرائع الإسلام، ج 31 ، دار إحياء التراث العربي للنشر، ط 7، بيروت ، 1418 ه ،ص 292
5- عبيد عزيز محمد المحامي، الحضانة في الشريعة والقانون، طبعة الموصل، 2009 م، ص 54 ؛ د. محمد شتا المحامي، الحضانة والرؤية ، دار للنشر ، ط 2 ، الاسكندرية ، 2008 م، ص 116 ؛ د.محمد عزمي، أحكام الحضانة بين الفقه والقانون، مصر، 1977 م، ص68.
6- فوزي كاظم المياحي، دعوى الحضانة، تطبيقاتها القضائية، دراسة في ضوء الفقه والقانون، مكتبة صباح للنشر، بغداد ، 2013 ، ص 86 ؛ د. أحمد فراج حسين، أحكام الأسرة في الإسلام ، الطلاق وحقوق الأولاد ونفقة الأقارب، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1997 ، ص 303
7- قرار محكمة التمييز العراقية/ بالعدد 1193 / شخصية/ 1976 والصادر بتاريخ 5 /10/1976 القرار منشور في مجموعة الأحكام العدلية، العدد (4)، السنة (7) ، 1976 ،ص11
8- قرار محكمة التمييز الإتحادية/ بالعدد 3331 / شخصية أولى/ 2005 والصادر بتاريخ 2/12/2005مشار إليه عند فوزي كاظم المياحي، صديق المحامي في دعاوى الاحوال الشخصية، مكتبة الصباح للنشر، بغداد، 2011 م، ص 334
9- قرار محكمة التمييز الإتحادية/ بالعدد 3711 / شخصية أولى/ 2008 والصادر بتاريخ17/12/2008 (القرار غير منشور)
10- قرار محكمة النقض السورية/ بالعدد 207 / غرفة شرعية/ 1991 والصادر بتاريخ 15/5/1991مشار إليه عند سعدي أبو حبيب، مصدر سابق، ص 580
11- قرار المحكمة العليا الجزائرية، بالعدد 123051 / شخصية/ 1996 والصادر بتاريخ 8/10/1996 . القرار مشار إليه عند د. تشوار حميدو زكية ، مصلحة المحضون في الفقه الإسلامي والقوانين الوضعية ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط 1 ، 2008 ص 215
12- قرار المحكمة العليا الجزائرية/ باعداد 189181 / شخصية/ 1998 والصادر بتاريخ 21 /4/1998 مشار إليه عند د.تشوار حميدو زكية، المصدر ذاته، ص216
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً