المرأة الفلسطينية تدرجت من قاضي محكمة صلح إلى رئيس هيئة محكمة العدل العليا
بقلم: القاضي فلسطين أبو رومي
محكمة صلح رام الله
يعتبر تولي المرأة الفلسطينية لمرفق القضاء تجربة قضائية ناجحة انبثقت عن سياسات مجلس القضاء الأعلى الرائدة، والتي من خلالها استطاعت دخول القضاء من أوسع أبوابه وذلك لمساهمتها في إعلاء شأنه، وتحقيق النتائج المرجوة من جراء اندماجها في سلك القضاء.
وبالرغم من ذلك، فإن تقلد المرأة لمنصب القاضي كان وما زال محل جدل فقهي بين فقهاء المسلمين وفي التشريعات المتعاقبة، فهناك من عارض تولي المرأة القضاء مطلقاً، وهناك من أجازه بشروط وبحدود، الأمر الذي أثر في تأخير منح المرأة لهذا الحق في كثير من الدول العربية والإسلامية.
وإذا كان الدين الإسلامي الحنيف أنصف المرأة وجعلها نصف المجتمع، فلا يوجد نص في القرآن الكريم يمنع تعيين المرأة في القضاء، كما يقول الله العلي في كتابه العزيز “المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر” حيث أعطى الله عز وجل للمرأة حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء” حيث أعطى حق الإفتاء للسيدة عائشة، وسيدنا عمر بن الخطاب قد أعطى القضاء في السوق لامرأة تفصل فيما ينشب من مشاكل بين التجار.
و تتمثل الرؤى القانونية لتولي المرأة للقضاء في أن القانون الأساسي أقر مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص فيما يخص هذا الموضوع، سيما وأننا نملك منظومة قانونية تمنحنا حقوقا سياسية وقانونية وإدارية تعزز من هذا المبدأ. كما أن الإشكالية لا تكمن في النصوص القانونية؛ لأنه لا يوجد نص قانوني يمنع المرأة من تولي القضاء، وخلا قانون السلطة القضائية من الإشارة إلى أي من النصوص التي تحصر منتسبي المعهد القضائي بالرجال دون النساء.
وفي الوقت الذي تتولي فيه المرأة الفلسطينية منصب رئاسة هيئات قضائية كالسيدة القاضي إيمان ناصر الدين التي تتولى منصب رئاسة هيئة محكمة العدل العليا في رام الله، كان النزاع في الوطن العربي قائم حول شرعية تولي المرأة القضاء أم لا، ولكن بالرغم من النزاعات واختلاف الآراء حدثت طفرة موخراً وهى تعيين ثلاثين قاضية مصرية قمن بتأدية اليمين أمام مجلس القضاء الأعلى، كما وتشير إحصائية إلى تولي المرأة للقضاء في ست دول عربية أخرى هي المغرب والسودان وسورية ولبنان واليمن وتونس.
وعود على بدء تأتي التجربة الفلسطينية في تولى المرأة للقضاء منسجمة مع التجارب العربية وذلك من خلال الدعم المتواصل من قبل القضاء الأردني الشقيق الذي رحب بهذه المبادرة ودعمها من قبل رئيس المعهد القضائي ورئيس المجلس القضاء الأعلى، ولم تتفوق المرأة في المسابقة القضائية وحسب، بل وأبدت تميزها في المساهمة الفاعلة في فصل الكثير من القضايا المتراكمة في المحاكم والتي لاقت قبولا واسعا من قبل قطاعات كبيرة في المجتمع الفلسطيني كالمؤسسات والشركات الفلسطينية وحتى الأفراد والجمعيات.
كما لاقت هذه التجربة الدعم الكافي من قبل القضاة سواء في تدريب القاضيات ودعمهن، أو إشراكهن في إصدار القرارات من خلال إتاحة الفرص لهن في المداولات التي تسبق إصدار الأحكام، وحتى عبر إتاحة الفرص لهن في ترؤس الهيئات القضائية في بعض الأحيان، الأمر الذي انعكس إيجابا على إسهام المرأة الفلسطينية بشكل فعال في دفع عجلة القضاء إلى الأمام، وإعلاء كلمة العدالة في المجتمع الفلسطيني الذي أصبح متقبلا لقرارات المرأة دون أدنى شك في أن رأيها يشكل مفتاح للعدالة.
اترك تعليقاً