المركز القانوني للمؤسسات الخيرية حسب القانون العراقي
المحامية: منال داود العكيدي
عرفت المادة (51) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل المؤسسة انها (شخص معنوي ينشأ بتخصيص مال مدة غير معينة ذي صفة انسانية او دينية او علمية او فنية او رياضية من دون قصد الى أي ربح مادي) . وهذا يعني ان المؤسسة هي شخص معنوي يقصد تقديم خدمة معينة من دون ربح وهذا التعريف يخالطه اشتباه لمراكز قانونية اخرى لنشاطات تتصف بالعمل الخيري او الجمعي .
وتحتل المؤسسات الخيرية ولاسيما في الغرب مكانة كبيرة لما كان لها من اثر واضح في نهضة الدول التي انشات فيها فقد انشئت تحت رعايتها المراكز العلمية والبحثية التي من اسباب التقدم العلمي والتطور الحضاري هناك وابرز مثال على ذلك هي مؤسسة فورد الامريكية التي تعد ثاني اكبر مؤسسة خيرية في الولايات المتحدة والتي اهتمت بعلم السياسة باعتباره احد اهم العلوم الاجتماعية تأثيرا في المجتمع لكن العالم العربي والعراق بالتحديد كان دور تلك المؤسسات محدودا مع ان التشريعات القانونية نصت على كيفية انشائها ومنها القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المواد من 51 – 60 .
ومع ذلك فما زال بعض شراح القانون المدني يرون ان نظام المؤسسات غير معروف في التشريع العراقي اذ يرى بعض شراح القانون ان سبب ذلك يعود الى طبيعة الانظمة التي توالت في حكمها على العراق ذات الطابع الشمولي والمركزي فكانت تحارب كل استقلال اقتصادي او نمو للثروات لدى الاشخاص خارج منظومتها، لان المال قوة وكانت تخشى منه اذا ما وظف للخدمة الاجتماعية لانها ستسحب امتياز تلك الانظمة تجاه المواطنين وما يعزز ذلك الرأي ان مشروع القانون المدني العراقي الذي سعى النظام السابق الى كتابته وتشريعه الغى المواد التي تتعلق بالمؤسسات وقصرها في حكم المادة 79 من المشروع الاشخاص المعنوية على عدة اوصاف ليس من بينها المؤسسات وعلى وفق النص الاتي ( الاشخاص المعنوية اولا: الدولة ثانيا: هيئات الدولة التي يمنحها القانون شخصية معنوية مستقلة عن شخصية الدولة، كالوزارات والمحافظات وامانة العاصمة والبلديات ثالثا: الاوقاف رابعا: كل مجموعة يمنحها القانون الشخصية المعنوية ، كمؤسسات القطاع الاشتراكي والنقابات والتعاونيات والاتحادات والجامعات والشركات والجمعيات) .
ومن الجدير بالذكر ان المشروع اعلاه كان مخطط له ان يصدر في عام 1986 الا انه لم ير النور لغاية الان، وقد يكون من بين الاسباب عدم الاطلاع على هذه الاحكام حتى اصبحت تلك المواد القانونية معطلة لم يعمل بها احد الا ماندر، كذلك ظهور قوانين تنظم العمل الجماعي والخيري مثل قوانين الاوقاف والجمعيات والاحزاب وأخرها قانون المنظمات غير الحكومية رقم 12 لسنة 2010 .
وقد يكون هناك اشتباه بين المؤسسة والجمعية لوجود تشابه في الغرض الذي تسعى اليه كل واحدة منهما، الا ان الجمعية تختلف عن المؤسسة من حيث طبيعة تكوينها لانها لابد وان تكون مؤلفة من من اشخاص عدة ( جماعة) ولايجوز اقامتها من شخص واحد على وفق حكم المادة (50) مدني التي جاء فيها الاتي (1 – الجمعية جماعة ذات صفة دائمة مكونة من عدة اشخاص طبيعية او معنوية لغرض غير الربح المادي.
2 – وينظم التشريع الخاص كيفية انشاء الجمعيات وكيفية حلها) .
ويلاحظ ان القانون ترك امر تنظيمها وتشكيله الى قانون اخر بينما المؤسسة نظم احكامها في صلب القانون المدني واجاز تؤسس من شخص واحد بناء على طلبه وبعد الغاء قانون الجمعيات وصدور قانون المنظمات غير الحكومية رقم 12 لسنة 2010 الذي حل محله نجد ان المنظمة غير الحكومية ايضا تختلف من حيث التكوين لانها لابد وان تتكون مجموعة من الاشخاص على وفق حكم الفقرة (اولا) من المادة (1) من قانون المنظمات غير الحكومية رقم 12 لسنة 2010 التي جاء فيها الاتي (المنظمة غير الحكومية هي مجموعة من الأشخاص الطبيعية أو المعنوية سجلت واكتسبت الشخصية المعنوية وفقاً لأحكام هذا القانون ,تسعى لتحقيق أغراض غير ربحية) فضلا عن الشرط الوارد في المادة (5) من ذات القانوني التي اشترطت في طلب التأسيس ان يكون مقدماً من عدد من المؤسسين لايقل عددهم عن ( ثلاثة اشخاص ) .
وهذا الفرق هو الذي اعطى الامتياز للمؤسسة في امكانية تأسيسها من احد الموسرين او الاثرياء ليكون له وحده فضل الانشاء والتأسيس ويدخل في ميزان اعماله وحسناته ويكون من اعمال البر التي حث عليها الشارع المقدس فضلا عن الرمزية التي يتصف بها هذا النشاط والخلود الدنيوي لمؤسسها، لان المنظمات غير الحكومية يذوب فيها جهد الفرد مع الجماعة على ان ذلك لايفت في عضدهما لان كلاهما له دور في التنمية الاجتماعية يتكامل مع الاخر في الاداء العام وقد افرد القانون المدني العراقي عدة مواد لنظام المؤسسات ومنها ماجاء في المادة (52) مدني التي حددت عدة شروط هي :
-ان يكون انشاء المؤسسة بسند رسمي او بوصية ، ويعتبر هذا السند او هذه الوصية نظاماً للمؤسسة.
-ويجب ان يشتمل على عدة بيانات هي ( الغرض التي انشئت المؤسسة لتحقيقه واسم المؤسسة ومركزها على ان يكون هذا المركز في العراق ، وبيان دقيق للاموال المخصصة لهذا العمل واخيرا تنظيم ادارة المؤسسة) ونجد ان صدر الفقرة (1) من المادة (52) من القانون المدني قد اوجب ان يكون انشاء المؤسسة بسند رسمي او بوصية وهذا النص رتب اثاراً قانونية حيث اجاز انشاءها في حياة المنشئ و تكون بسند رسمي مثلما تكون بعد وفاته بموجب وصية وبما انه يكن يصبح سنداً رسميا فلا يجوز ان يطعن فيه الا بالتزوير لذلك فان مجرد تقديم الطلب الى المحكمة يكون شرط الفقرة (1) من (52) مدني متوفرا فيه ، وهذا الطلب يجب ان يتوفر على الشروط الاخرى الوارد ذكرها في الفقرة (2) من المادة (52) مدني وبعد ان تتحقق المحكمة من الشروط العامة الاخرى مثل الاهلية وعدم مخالفة ما ورد في النظام الداخلي للنظام العام يقرر القاضي تسجيلها في سجل المحكمة واصدار حجة تسمى حجة تسجيل مؤسسة وتكون هذه الحجة بمثابة شهادة تأسيس لها .
و على وفق النموذج الذي سيلحق لقرار تسجيلها وحجة التسجيل .
لقد اصبحت الحاجة ماسة لانشاء المؤسسات الخيرية لسد العجز الحاصل في مجال تقديم الخدمات الانسانية والاجتماعية والعلمية الى المواطنين بسبب ما عانى منه العراق من ظروف صعبة وحروب مدمرة ومن ظروف الارهاب والفساد واالتي مازال يعاني منها ويئن تحت وطأتها لان في العراق الان طبقة من المؤسسين والاثرياء من قدماء النعمة وحديثيها لهم الرغبة في تقديم اعمال تخلد اسماءهم او تحقق غاياتهم في مجال البر و الخير.
وفي نظام المؤسسات مجال واسع وسبيل ميسر جداً لتأسيسها لايتطلب جهداً او وقتاً او اموالا طائلة ويتم من خلالها انشاء المستشفيات التخصصية في معالجة الامراض السرطانية التي فتكت بالشعب العراقي من جراء استخدام الاسلحة الكيمياوية واليورانيوم المنضب و كذلك مراكز البحوث العلمية لمعالجة الاشكالات التي يعاني منها العراق في كل المجالات الزراعية والصناعية والنفطية والموارد المائية وغيرها في مجال العلوم الصرفة فضلا عن العلوم الانسانية، كذلك قيام هذه المؤسسات سيؤدي الى مشاركة المراكز البحثية العلمية والخدمية العالمية في التعاون معها من دون الدخول في الروتين والبيروقراطية الحكومية.
اترك تعليقاً