المسؤلية عن الضرر المعنوي في القانون الإماراتي
من المبادئ المهمة التي نصّ عليها قانون المعاملات المدنية، مبدأ المسؤولية عن الفعل الضار وهو ما عبّر عنه فقهاء المسلمين بعبارة الضمان، ويمكن القول بأنه يعني إلزام الشخص بتعويض المضرور عن الضرر الذي حصل له نتيجة فعله، وهذا التعويض يشمل ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب، وسواءً كان الضرر مادياً أو أدبياً.
والضرر الأدبي هو كل ما يمس الكرامة أو الشعور أو الشرف بما في ذلك الآلام النفسية، وسنتبع في هذه المقالات نهجاً نظرياً وعملياً في آن واحد، وذلك بسرد ملخص دعوى فصلت فيها المحاكم، نورد المبدأ القانوني الذي أرساه الحكم الصادر ومن ثم نشرع في شرح وتحليل ذلكم المبدأ في ايجازٍ غير مخلٍ بالمعنى، وذلك إثراءً للفكر والوعي والثقافة القانونية للقارئ الكريم.
ففي إحدى الدعاوى، أقامت المدعية، وهي موظفة، دعوى على رئيسها المباشر، لاتهامه لها بالتزوير والكذب والاختلاق، وقد تم التحقيق معها عن فحوى تلكم الاتهامات والمخالفات، ونظراً لشيوع تلكم الاتهامات التي ثبت زيفها في محيط عملها فقد سبب لها ذلك الأمر ضرراً أدبياً ومعنوياً. وبعد الانتهاء من سماع الدعوى رأت المحكمة ثبوت الخطأ بحق المدعى عليها وتسببه المباشر في الضرر الذي لحق بالمدعية وقضت لها بالتعويض الجابر لذلك الضرر.
وقرّرت محكمة التمييز في حكمها أن كل إضرار بالغير سواء بفعل إيجابي أو بتقصير يلزم فاعله بالتعويض عن الأضرار، وتقدير صحة وصف الفعل بأنه خطأ أم لا هو مما يخضع لرقابة محكمة التمييز، أما استخلاص الخطأ نفسه الموجب للمسؤولية وما إذا كان ناشئاً عن فعل المباشر للضرر أو وقع من المتسبب فيه وتوافر علاقة سببية بين أي منهما والضرر الذي لحق بالمضرور هو من اختصاص محكمة الموضوع التي نظرت الدعوى دون معقب على حكمها.
لقد نصّ قانون المعاملات المدنية على أن كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بالضمان، وما اصطلح على تسميته قانوناً المسؤولية التقصيرية لا تنشأ إلا بتوافر ثلاثة أركان،
الركن الأول هو الفعل الإيجابي أو السلبي الخاطئ،
والركن الثاني هو الضرر،
والركن الثالث توافر علاقة سببية تربط بين الفعل والضرر، أي لابد أن يثبت أن الضرر الذي لحق بالمضرور كان بسبب الفعل المرتكب، وتقدير الضرر وتحديد التعويض الجابر له هو من المسائل التي تختص بها محكمة الموضوع تستخلصه من الأدلة المطروحة عليها، وليس هناك معيار حسابي لتقدير التعويض عن الأضرار التي لحقت بالمضرور، إذ لم يرد نصّ في القانون يضع معايير معينة لتقدير مبلغ التعويض وأعطى القانون لمحكمة الموضوع السلطة التقديرية الواسعة لتقدير التعويض المناسب مستصحبة الأصل العام، وهو أن التعويض يقدر بمقدار الضرر المباشر الذي لحق بالمضرور وما فاته من كسب.
وقد أورد قانون المعاملات المدنية أمثلة لأنواع من الضرر الأدبي تبيح طلب التعويض عنها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، التعدي على الغير في حريته أو في عرضه أو في شرفه أو في سمعته أو في مركزه الاجتماعي أو في اعتباره المالي، ويعتبر موت المصاب نوعاً من الضرر الأدبي المخول للأزواج والأقربين طلب التعويض عنه، ووفقاً لظاهر النصوص، فإن الألم يعوض عنه وكذا تفويت الجمال لما يحدثه من ألم حسي ومعنوي في نفس المضرور.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً