المسئولية القانونية عن الأخطاء الطبية ،،، بقلم المحامية / اريج حمادة
استنكر عدد كبير من الناشطين والشخصيات السياسية والإعلامية نبأ وفاة مواطن في أحد المستشفيات الحكومية بسبب خطأ طبي ارتكبه أحد الأطباء الوافدين، ما أثار غضبهم واستياءهم، وطالبوا المسؤولين بضرورة فتح تحقيق لمحاسبة الطبيب المخطئ، موجهين اتهامهم لوزارة الصحة بجلب كوادر طبية بمستوى فني ضعيف ما ساهم بارتفاع عدد المتضررين من الأخطاء الطبية وتردي الخدمات الصحية، الأمر الذي يتوجب معه محاسبة المتسبب في ذلك.
الطبيب بطبيعة مهنته يتعامل مع الكيان الإنساني، ما يلزمه أن يتم هذاالتعامل في إطار قواعد فنية يجب مراعاتها في ممارسة مهنة الطب، فمن التزم بها كان في مأمن من العقاب والمسؤولية، أما من انحرف عنها فإنه يعرض نفسه للمساءلة القانونية.
وبسبب قصور في التشريع، فإننا نفتقد وجود قانون متخصص لتنظيم مسألة الأخطاء الطبية والإهمال سواء بالنسبة لنوعية الخطأ أو مدى جسامته، ومسؤولية الأطباء عن أخطائهم ما زالت تثير جدلا قضائيا وفقهيا فيالعديد من الجوانب، لذلك يتم حاليا الاستعانة بثلاثة قوانين (قانون مزاولة مهنة الطب، والقانون الجزائي، والقانون المدني).
إلا أن المادة (4) من القانون رقم 25 لسنة 1981 بشأن مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان والمهن المعاونة لهما، قد ألزمت الطبيب المرخص له بمزاولة مهنة الطب في الكويت بالمحافظة على صحة الإنسان أثناء أداء عمله، وتسخير كل معلوماته وضميره وما تقتضيه آداب المهنة لتحقيق هذا الهدف.
أما المادة (13) من القانون ذاته فقد وضحت الحالات التي يعتبر الطبيب فيها مسؤولا عن الحالة التي يصلها المريض:
1- حالة ارتكاب الطبيب لخطئه نتيجة الجهل بأمور فنية يفترض في كل طبيب الإلمام بها، وترتب على هذا الخطأ الإضرار بصحة المريض.
2- حالة إجراء تجارب أو أبحاث علمية غير معتمدة فنيا على مرضاه وترتب على ذلك الإضرار بهم.
مفهوم الخطأ الطبي
الخطأ بشكل عام هو انتهاج سلوك مخالف للمسلك الصحيح سواء كان ذلك بصورة متعمدة أو لا، أما الخطأ الطبي فقد تم تعريفه من قبل مجموعة من الفقهاء بأنه كل مخالفة أو خروج من الطبيب في سلوكه على القواعد والأصول الطبية المتعارف عليها نظريا وعلميا أثناء تنفيذ العمل الطبي أو إخلاله بالحيطة والحذر التي تفرضهما واجبات المهنة بسبب الإهمال أو قلة الخبرة والكفاءة.
وقد تم تعريف الخطأ الطبي في القانون الإماراتي رقم 10 لسنة 2008 بشأن المسؤولية الطبية في مادته (14): بأنه الخطأ الذي يرجع إلى الجهل بأمور فنية يفترض في كل من يمارس المهنة الإلمام بها، أو كان هذا الخطأ راجعا إلى الإهمال أو عدم بذل العناية اللازمة.
المسؤولية الجزائية عن الخطأ الطبي
وفي حالة وفاة المريض بسبب خطأ طبي ارتكبه الطبيب المعالج، هنا تقوم المسؤولية الجنائية عن جريمة القتل الخطأ وذلك بعد توافر الركن المادي والركن المعنوي، ويتحقق الركن المادي بعد حصول الأثر المترتب عن النشاط الإجرامي وهي حالة إزهاق الروح بسبب سلوكٍ صدَر من الجاني يتضمن التعدي على حياة إنسان، وأن يكون هناك علاقة سببية تربط ما بين هذا السلوك المنحرف والأثر، بحيث لولا ارتكاب هذا السلوك لما تحققت تلك النتيجة، أما بالنسبة للركن المعنوي لجريمة القتل الخطأ فيتحقق عندما يباشر الطبيب نشاطا خطرا دون أن يعلم أن هذا النشاط قد يؤدي إلى وفاة المريض.
وبالتالي، فمن الناحية الجنائية يتم تطبيق نص المادة (154) من قانون الجزاء الكويتي رقم 16 لسنة 1960 والتي تنص على أن (من قتل نفسا خطأ أو تسبب في قتلها من غير قصد بأن كان ذلك ناشئا عن رعونة أو تفريط أو إهمال أو عدم انتباه أو عدم مراعاة للوائح، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تجاوز ثلاثة آلاف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين).
أما في حالة تعرض المريض للأذى الحسي أو النفسي بسبب الخطأ الطبي ففي هذه الحالة نستعين بالمادة (164) من القانون ذاته، حيث نصت على أن (كل من تسبب في جرح أحد أو إلحاق أذى محسوس به من غير قصد، بأن كان ذلك ناشئا عن رعونة أو تفريط أو إهمال أو عدم انتباه أو عدم مراعاة للوائح، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز ألف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين).
وذلك كله طبقا لما نصت عليه المادة (168) من القانون ذاته، حيث اعتبرت كل شخص تعهد في غير الحالات الاضطرارية بإجراء عملية جراحية لشخص آخر أو بعلاجه أو بالقيام بعمل مشروع ينطوي على خطر يهدد الحياة أو الصحة ولم يكن عنده القدر الواجب من الخبرة الفنية أو لم يبذل العناية الواجبة في القيام بعمله، و ترتب على ذلك وفاة المجني عليه أو إصابته بأذى فإنه يعاقب وفقا للأحكام المبينة في المادتين المذكورتين أعلاه رقم (154، 164).
المسؤولية المدنية عن الأخطاء الطبية
أما من الناحية المدنية، فإن المريض المتضرر يستحق تعويضا ماديا نتيجة للضرر الذي وقع عليه، وذلك بناء على ما ورد في المادة (227) من القانون رقم 67 لسنة 1980 بإصدار القانون المدني، حيث اعتبر المشرع كل من أحدث بفعله الخاطئ ضررا بغيره يلتزم بتعويضه سواء كان في إحداثه الضرر مباشرة أو متسببا لذلك يلتزم الشخص بتعويض الضرر الناشئ عن فعله الخاطئ ولو كان غير مميز، أما فيما يخص الضرر الأدبي فإن المتضرر له الحق في الحصول على التعويض عن العمل غير المشروع حتى لو كان هذا الضرر أدبيا وذلك طبقا لما ورد في المادة (231) من القانون ذاته، حيث يشمل الضرر الأدبي كل أذى يلحق بالشخص سواء كان حسيا أو نفسيا نتيجة المساس بحياته أو جسمه، كما يشمل أيضا ما يستشعره الشخص من الحزن والأسى وما يفتقده من عاطفة الحب والحنان نتيجة موت عزيز، وفي حالة وفاة المريض فإن الورثة هم أصحاب الحق في المطالبة بالتعويض المادي، أما التعويض عن الضرر الأدبي الناشئ عن الوفاة فالأزواج والأقارب من الدرجة الأولى فقط هم من يستحقون هذا النوع من التعويض.
و قد حدد المشرع الكويتي في المادة (251) مقدار الدية بمبلغ 10.000 د.ك (عشرة آلاف دينار كويتي) كما أجاز تعديلها بمرسوم قانوني، لتتماشى مع ظروف المجتمع وتطوراته اللاحقة، يتقاسمها الورثة وفقا للأنصبة الشرعية وذلك بناء على المادة (250) ، غير أن المبلغ المذكور يشمل الدية الكاملة، وقد أصدر المشرع مرسوما يحدد حالات الدية وحالات تجزئتها.
مسؤولية الطبيب والمستشفى (علاقة التابع بالمتبوع)
هذا وقد نظمت المادة (240) المسؤولية القانونية في علاقة التابع بالمتبوع، ومثال على ذلك علاقة الطبيب بالمستشفى، حيث يكون المتبوع مسؤولا في مواجهة المتضرر عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى ما كان واقعا منه خلال أدائه لوظيفته أو بسببها، و تقوم رابطة التبعية ولو لم يكن المتبوع حرا في اختيار تابعه، متى ما كان من شأن المهمة المكلف بها التابع أن تثبت للمتبوع سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه.
وبناء عليه فإن المتضرر من حقه الرجوع إلى التابع أو إلى المتبوع أو اثنينهما معا، حيث أن المسؤولية هي مسؤولية تضامنية، ولكن لا يحق للمتضرر الجمع بين تعويضين.
وبذلك نستخلص مما سبق أن مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعِهِ غير المشروعة قائمة، وأن المتبوع يعتبر مسؤولا بالتضامن مع التابع عن الخطأ الذي
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً