أولا: تحديد مدة بدء المسؤولية ونهايتها:
تبدأ مسؤولية الناقل تجاه الراكب في النقل عبر السكك الحديدية منذ لحظة بدء تنفيذ العقد.
ولكن هذه اللحظة هل تكون منذ وقوف الراكب في رصيف المحطة أو تتأخر لحين اتصاله بوسيلة النقل أي القطار، بمعنى آخر: هل يسأل الناقل عن الضرر اللاحق بالمسافر و هو على رصيف محطة القطار أو فقط يسأل عن ما يصيبه من أضرار وهو داخل عربات القطار؟
فثار جدل فقهي مؤداه ضبط بداية تنفيذ العقد ونهايته.
• فذهب جانب من الفقه إلى القول أنه كما هو عليه الحال في النقل عبر السيارات فإن مسؤولية الناقل في النقل عبر السكك الحديدية تبدأ وتترتب على عاتقه بمجرد اتصال(1) الراكب بوسيلة النقل و تنتهي هذه المسؤولية عند فقدان الإتصال المادي ما بين المسافر وأداة النقل وبذلك يكون الناقل في النقل عبر سكك الحديد مسؤولا عن سلامة الراكب عند صعوده القطار واستقلاله أحد العربات، وتنتفي عنه المسؤولية ولا يعتبر مسؤولا تعاقديا عند وجود المسافر في محطة القطار لأن عقد النقل لم يبدأ تنفيذه بعد.
كما لا يعتبر مسؤولا كذلك عند نزوله من القطار وأثناء تواجده في المحطة. وبذلك تنتفي مسؤوليته عن أي ضرر يصيب المسافر قبل مغادرة المحطة وبعد نزوله وفقدان الإتصال المادي ما بينه وما بين القطار.
فأصحاب هذا الرأي يضيقون من الوقت الذي تسري فيه مسؤولية الناقل بحيث لا يخضع لمسؤولية الناقل التعاقدية الضرر الحاصل للراكب في فترة دخوله رصيف المحطة المعد لوقوف القطار لأن العقد لم يبتديء بتنفيذه بعد لعدم اتصال الراكب بواسطة النقل. كما لا يخضع لمسؤولية الناقل الضرر الذي يحدث للراكب في الفترة الممتدة بين نزوله من القطار وأثناء سيره للخروج من رصيف المحطة فلا يختلف بدأ سريان المسؤولية في النقل عبر السيارات عنه في النقل عبر سكك الحديد.
• بينما ذهب الجانب الآخر منهم للقول أنه: يوجد فرق ما بين النقل بالسيارات والنقل بالسكك الحديدية.
حيث أنه و بالنسبة للنقل عبر السكك الحديدية فإن الناقل يسأل عن ما يصيب الراكب من أضرار منذ وصوله رصيف المحطة أي بمجرد وقوف المسافر في المحطة المخصصة(2) يشترط أن تكون لديه تذكرة صحيحة وبذلك يكون مستعدا لركوب القطار، فإذا أصيب الراكب بأي ضرر أثناء انتظاره القطار تترتب مسؤولية الناقل التعاقدية من قبل اتصاله بأداة النقل وتنتهي هذه المسؤولية عند خروجه تماما ومغادرته المحطة ووصوله سالما إلى جهته المقصودة عند النقل و بعد أن يسلم تذكرة النقل إلا إذا كان قد سبق وسلمها إلى من هو مسؤول عن ذلك فإذا سقط المسافر مثلا بعد نزوله عن القطار داخل رصيف المحطة وأصيب بأي ضرر كان الناقل مسؤولا عن ذلك حتى بعد فقدان الصلة أو الإتصال المادي ما بين الراكب والقطار.
ومن الجدير أن نشير إلى أن: الناقل لا يكون مسؤولا إذا ما تخلف المسافر عن النزول من عربات القطار بعد نزول جميع الركاب أو لبقائه في محطة القطار بعد مغادرة جميع المسافرين لها.
وأصابه ضرر في هذه الفترة وذلك لانتهاء تنفيذ العقد بانتهاء الفترة التي كان من المفروض خروجه ومغادرته رصيف المحطة، غير أن الأمر يختلف بالنسبة للمسافر الذي يصل متأخرا إلى محطة القطار ليستقل القطار بدون تذكرة، فباعتبار نيته للحصول على واحدة منها بقصد السفر فإن هذا الشخص يعتبر متعاقدا منذ لحظة ركوبه القطار أي بمجرد اتصاله المادي بأداة النقل. ففي هذه اللحظة يبدأ تنفيذ العقد بالنسبة إليه.
ونخلص بذلك أن أصحاب هذا الرأي يوسعون في الفترة التي تبتديء فيها مسؤولية الناقل تجاه الراكب فيعتبر الناقل مسؤولا عن سلامة الراكب بمجرد وقوف المسافر في محطة القطار بقصد الركوب والسفر وتستمر عند استقلاله القطار وصعوده أحد العربات و تشمل كذلك فترة نزوله وبقائه بعد تمام الرحلة في المحطة حتى تنتهي عند مغارته لمحطة القطار تماما.
أما بالنسبة لموقف القضاء: بداية كان القضاء الفرنسي يعتبر الناقل مسؤولا منذ وجود المسافر داخل القطار أما إذا حصل له أي ضرر قبل دخوله القطار فإنه لا يعد مسؤولا عن ذلك تعاقديا.
غير أن ذلك لم يدم طويلا حيث وسع القضاء في الفترة التي تبدأ فيها المسؤولية في النقل عبر السكك الحديدية.
حيث جعلها تبدأ منذ دخول الراكب لسياج المحطة(1) أي قبل أن تطأ قدمه القطار أي في أية نقطة من نقط السير المفروض أن يسافر فيها. غير أنه اشترط في ذلك أن يحوز الراكب تذكرة نقل صحيحة.
وعليه فقد قضت محكمة النقض الفرنسية في حكم لها بتاريخ: 01/06/1976 بمسؤولية الناقل عن الضرر الذي تعرض له مسافر عند سقوطه بين الرصيف والقطار الذي كان قد تحرك.
أما عن انتهاء مسؤولية الناقل فاعتبر القضاء أنها تنتهي عند وصول المسافر سالما إلى جهة الوصول. ومبارحته للمحطة تماما.
حيث قضت محكمة النقض الفرنسية(1) بمسؤولية الناقل عن سلامة الراكب عندما سقط أحد المسافرين بعد أن سلم تذكرة النقل في سلم المحطة الموجود عند باب الخروج.
أما إذا بقي المسافر في رصيف المحطة لغرض آخر لا يتعلق بتنفيذ عقد النقل فمسؤولية الناقل تنتهي في هذه الحالة ولا تتأخر لحين خروجه من رصيف المحطة ولا يعتبر الناقل ضامنا لسلامته لمكوثه في المحطة مدة تتجاوز ما يكفي لخروج جميع الركاب.
وعن موقف المشرع الجزائري من سريان المسؤولية في النقل عبر السكك الحديدية فإن نص المادة 64 من القانون التجاري قد حدد بدء مسؤولية الناقل تجاه الراكب من تكلفه به و قد أورد هذا النص عاما يشمل نوعي النقل بالسيارات وبالسكك الحديدية.
ونجد في هذا الصدد. قرار(2) المحكمة العليا بتاريخ: 30/03/1983 في قضية رفعتها سيدة إثر موت زوجها في محطة القطار. حيث اعتبرت المحكمة مسؤولية ناقل الأشخاص عن ضمان سلامة المسافر موجب قانونا حسب المادتين 62 و 63 من القانون التجاري.
حيث نص القرار على أنه: ” إذا كان من السائد فقها وقضاء أن العقد شريعة المتعاقدين فإن ذلك الأمر ليس مطلقا في عقد نقل الأشخاص الذي أوجب فيه القانون على الناقل ضمان سلامة المسافر وحمله المسؤولية المترتبة عن إخلاله بذلك الإلتزام وفي هذا السياق اعتبر كل شرط يرمي إلى الإعفاء من تلك المسؤولية مخالفا للنظام العام. غير أنه أجاز التخلص منها كليا أو جزئيا عن طريق إثبات خطأ المسافر أو القوة القاهرة”.
وقد جاء في مذكرة النقض بأن الناقل بالسكك الحديدية ملزم بسلامة المنقولين حتى خروجهم من المحطة وأن رجوع بعض المسافرين إلى عربات القطار بعد النزول منها أمر معتاد ويمكنه تفاديه عن طريق الإعتناء الكامل من طرف حارس المحطة الذي عليه ألا يعطي إشارة انطلاق القطار إلا بعد التأكد من نزول كل المسافرين وغلق أبواب القطار مما يجعل الناقل مسؤولا عن أي ضرر يحدث للراكب في المحطة باعتبار أن مسؤوليته تترتب منذ وجود المسافر في المحطة إلى غاية خروجه منها ومبارحته لها تماما.
فالقضاء الجزائري اعتبر الناقل عبر السكك الحديدية مسؤولا عن المسافر منذ دخوله وليس فقط بمجرد صعوده عربات القطار.
اترك تعليقاً