المسؤولية المترتبة عن خرق القانون الدولي الإنساني
يجب على الدول الالتزام باحترام القانون الإنساني والعمل على احترامه من قبل الأطراف الآخرين وهو التزام عام تضمنته المادة الأولى المشتركة للاتفاقيات الأربع وكذلك المادة الأولى من البروتوكول الأول . ويشمل هذا الالتزام جميع الأطراف المتعاقدة طوال ارتباطها بنصوص القانون الإنساني جميعها ويكون الاحترام ذاتياً . ونصت اتفاقية ((جنيف)) في مادة مشتركة على نشر أحكامها على نطاق واسع في السلم كما في الحرب وعلى كافة الأطراف المساهمة في نشر ثقافة القانون الإنساني في نطاق نشر ثقافة حقوق الإنسان ، وقد تضمنت اتفاقيات ((جنيف)) بعض الآليات الكفيلة بضمان احترام قواعد هذا القانون ومنها :
نظام الدول الحامية : الدول الحامية عموماً هي تلك التي تتولى رعاية مصالح ما ومصالح رعايا هذه الدولة لدى الدولة الأخرى بموافقة هاتين الدولتين . تقضي الاتفاقيات الأربع بان أحكامها تطبق بمساعدة الدول الحامية المكلفة برعاية مصالح أطراف النزاع وتحت مراقبة الدول الحامية .
دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر : للجنة دور خاص أثناء القيام بمهام المساعدة والحماية القانونية لأنها على اتصال بالضحايا وبأطراف النزاع ، وعبر مندوبيها تلفت نظر السلطات المختصة إلى أي انتهاك يقع ، وتقوم بالدور الوقائي اللازم حتى لا تتكرر الانتهاكات وبما أن النظامين الأساسيين لها وللحركة العالمية للصليب الأحمر والهلال الأحمر يسمحان لها بتلقي أي شكوى حول انتهاكات ما للقانون الإنساني فانهما تقومان بالمساعي اللازمة لدى السلطات المعنية وهي مساعٍ سرية مبدئياً ، لكن قد تخرج إلى حيز العلن وفق الشروط المحددة .
التحقيق : نصت الاتفاقيات على إجراء تحقيق بطلب من أحد أطراف النزاع بسبب أي انتهاك . ويقوم بالتحقيق خبراء مختصون ، ويجب إعداد أولئك الأشخاص وقت السلم ، بمساعدة الجمعيات الوطنية ، حتى يكونوا على أهبة لتقديم المشورة للسلطات وإعلامها بجوانب تطبيق قانون النزاعات المسلحة . وإذا تم لدولة ما تكوين مثل أولئك الأشخاص فان عليها إرسال قائمة الأسماء إلى اللجنة الدولية حتى تكون تحت تصرف الأطراف المتعاقدة الأخرى عند الحاجة . ويقوم المستشارون القانونيون لدى القوات المسلحة بتقديم المشورة للقادة العسكريين حسب الدرجة الملاءمة بشأن تطبيق أحكام الاتفاقيات والبروتوكول والتعليم المناسب الذي يُلقن للقوات المسلحة .
اللجنة الدولية لتقصي الحقائق : حرصاً على تلافي نقائص الوسائل المذكورة في الاتفاقيات الأربع ، خاصة بعد تجارب واقع العلاقات بين أطراف النزاع ، حول المؤتمر الديبلوماسي بعث جهاز تحقيق بموجب نص قانوني . وفي المادة 90 من البروتوكول الأول المتعلقة باللجنة المذكورة تكون مهمة هذه الأخيرة :
ــ التحقيق في أي عمل يوصف بأنه خرق أو انتهاك جسيم بمقتضى الاتفاقيات والبروتوكول .
ــ تسهيل العودة إلى الالتزام بأحكام الاتفاقيات والبروتوكول بفضل المساعي الحميدة التي تبذلها لجنة تقصي الحقائق .
وهذه اللجنة مفتوحة للدول فحسب وليست هيئة قضائية وانما هي جهاز دائم محايد وغير سياسي ، وتتكون من خمسة عشر عضواً على أساس التمثيل الجغرافي العادل وينتخب الأعضاء لمدة خمس سنوات . وبرغم كل هذه الهيئات والأجهزة إلا أن الانتهاكات ظلت مستمرة لقواعد هذا القانون في ظل غياب استمر لفترات طويلة لأي نظام فعال للملاحقة والمحاكمة عن انتهاك قواعده ، ذلك أن القانون الدولي الإنساني عانى لفترة طويلة من نقص شلَّ من فاعليته ، فان هناك انتهاكات جسيمة يعتبرها هذا القانون جرائم حرب دولية من حيث الوصف ويُسأل عنها الدول والأفراد مرتكبوها معاً (بغض النظر عن صفاتهم الوظيفية) ولكن دون وجود مرجع قضائي جزائي يحكم فيها مما يجعلها خاضعة للقضاء الوطني وحده (إذا التزمت الدول باستصدار تشريعات تنشئ مثل هذا القضاء المختص ) أو بلا عقوبة جزائية فعلية البتة ، إلا إذا وقع مرتكبوها في قبضة العدو (وعندئذ يصبح هذا العدو خصماً وحكماً) ، أو في قبضة جهة تسمح قوانينها بمعاقبة مجرمي الحرب هؤلاء بغض النظر عن جنسياتهم وعن كونها طرفاً في النزاع المسلَّح المعني أم لا (مثل بلجيكا قبل تعديل قوانينها مؤخراً) . وهكذا فان عدم وجود محكمة جنائية دولية تتولى محاكمة الأشخاص المتهمين بانتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني وارتكاب أبشع الجرائم الدولية واكثرها فظاعة وخطورة كان عائقاً حقيقياً يحول دون الالتزام الجدي والفعّال بقواعد هذا القانون . فما فائدة كل نصوص القانون ومبادئه وقواعده إن لم تُعزز بمؤيد جزائي يكفل الاحترام الحقيقي له سواء عن طريق الردع السابق أو القمع اللاحق ؟
اترك تعليقاً