إن حق الدفاع الشرعى ليس منحة من أحد، بل هو حق متأصل فى كل إنسان يملك الركون إليه متى توافرت شرائطه، وهو لم يشرع لمعاقبة معتد على اعتدائه، وإنما شرع لرد العدوان.
أما بالنسبة لرجال الشرطة، فإن دراسة حق الدفاع الشرعى يجب ألا تتم بمعزل عن المبادئ المتعلقة بحدود استعمال القوة والسلاح. فبالنظر إلى ما يلابس استعمال القوة والسلاح من خطر عظيم وما يمكن أن يرتبه الاستعمال الخاطئ لهما من وقوع ضحايا أبرياء، حرصت التشريعات الوطنية والوثائق الدولية على تحديد القواعد المتعلقة باستعمالهما، وعندما أولى القانون رجال الشرطة بحمايته ومنحهم حق استخدام القوة لم يهدف من وراء ذلك تقرير حماية شخصية لهم أو امتيازاً لصالحهم، وإنما قصد بذلك إعلاء قاعدة الحماية الجماعية والتى لا تتأتى إلا بحماية أشخاص ممثليها لحظة أداء أعمالهم.
فاستخدام القوة من رجال الشرطة، يكون لأداء الواجب أو للدفاع عن النفس، وإن توجه الشرطة إزاء استخدام القوة والسلاح، بصفة عامة، لا يتم إلا فى حالة وجود خطر تنهض على وجوده شواهد واقعة كافية وأسس مادية تبرر نشأة الاعتقاد بوجوده، فحيث لا يتوافر الخطر ـ وهو عنصر لازم فى استعمال مثل هذا الحق ـ يفقد العمل الشرطى المصحوب باستعمال القوة أساس تبريره ومسوغ إجرائه، واستخدام السلاح يجب أن يتم وفقاً لقواعد التدرج الواردة فى نظم وتعلميات الشرطة، وأن يكون بالقدر الضروري، أى أن يكون متناسباً مع حجم الخطر، وهو ما يطلق عليه مبدأ التناسب، وكل عنف غير متناسب مع حجم الخطر يكون محلاً للعقاب، وبالتالى يكون إطلاق النيران على المتظاهرين الذين لا يحملون أسلحة غير متناسب وتنتفى معه شروط قيام حالة الدفاع الشرعي، وطبقاً للمعايير الدولية السارية، والتى تجد انعكاساً لها فى العديد من التشريعات الوطنية الحديثة، فإن حدود وضوابط استخدام الشرطة للسلاح تتميز بالصرامة الشديدة ولا يكون اللجوء إليها إلا فى حالات محددة على سبيل الحصر، إذا توافرت مبررات مشروعة لذلك، هذا وقد أقرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان فى أحد أحكامها الحديثة استخدام ضابط الشرطة السلاح النارى ضد مهاجميه من المتظاهرين، فقط إذا كان هناك خطر حال محدق بحياته وسلامته الشخصية، شريطة ألا تكون هناك وسائل أخرى لتجنب ذلك الخطر،
ومن اللافت للنظر أن القانون رقم 109 لسنة 1971 بشأن هيئة الشرطة قد قيد حق رجل الشرطة فى استخدام السلاح وأورد الحالات التى يمكن فيها استخدامه، بمراعاة قواعد التدرج والتناسب السالف ذكرها، أما فى أحوال التجمهر والتظاهر فإن إطلاق النار على المتظاهرين لتفرقتهم يجب أن يسبقه حزمة من الإجراءات تضمنها قانون الشرطة والقرارات الوزارية المتعلقة به، ويجب تحرى الدقة بشأنه، لأنه قد يسفر عن عواقب وخيمة، ولذلك فمن اللازم صدور القرار بإطلاق النار من أعلى القيادات فى جهاز الشرطة، فضلاً عن ذلك، فإن حق الدفاع الشرعى عن النفس لا يجوز أصلاً أن يصل إلى حد القتل العمد، ولو كان هو الوسيلة الوحيدة لدفع الاعتداء، إلا فى الأحوال الخاصة التى نصت عليها المادة 249 من قانون العقوبات، وذلك بقصد دفع أمور محددة هى فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا الخوف سبب معقول أو إتيان امرأة كرهاً أو هتك عرض إنسان بالقوة أو اختطاف إنسان.
وفى مجال المظاهرات فلا يتصور قيام حق الدفاع الشرعى لرجال الشرطة ـ الذى يصل إلى حد القتل ـ إلا من خلال الحالة الأولى وهى إتيان فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا الخوف سبب معقول، فإذا ثبت أن المظاهرات كانت سلمية لم يحمل خلالها المتظاهرون السلاح أو يقوموا بعدوان يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة فلا يكون هناك مجال للتذرع بحالة الدفاع الشرعي.
كما ينتفى حق الدفاع الشرعى إذا كان قد تم التدبير والتخطيط مسبقاً لتعد أو هجوم على المتظاهرين. هذا وقد فصلت بعض الوثائق الدولية حدود وضوابط استخدام رجال الشرطة للقوة والأسلحة النارية، وإقترحت السبل لتقييد هذا الاستخدام. فعلى سبيل المثال توضح المادة الثانية من المبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب رجال الشرطة لعام 1990 سبل ووسائل تقييد استخدام الأسلحة النارية والحد من الإصابات، وتلزمهم المادة الرابعة من ذات الوثيقة بأن يكون استخدام القوة والأسلحة النارية هو آخر وسيلة متاحة.
كما تحدد المادة الخامسة من ذات الوثيقة ظروف وأحوال استخدام القوة والأسلحة النارية، وفقاً لقاعدتى التناسب والتدرج، وتراعى فى ذلك الجانب الإنسانى المتعلق باستخدام هذا الحق، فتنص على أنه فى الحالات التى لا مناص فيها من الاستخدام المشروع للقوة أو الأسلحة النارية، يتعين على رجل الشرطة مراعاة ما يليأ) ممارسة ضبط النفس فى استخدام القوة والتصرف بطريقة تتناسب مع خطورة الجرم والهدف المشروع المراد تحقيقه، (ب) تقليل الضرر والإصابة، واحترام وصون حياة الإنسان، (ج) التكفل بتقديم المساعدة والإسعافات الطبية فى أقرب وقت ممكن إلى الشخص المصاب أو المتضرر، (د) التكفل بإشعار الأقرباء أو الأصدقاء المقربين للشخص المصاب أو المتضرر، فى أقرب وقت ممكن. وهذا هو الإطار الشامل الواجب توافره قبل الحديث عن منح المزيد من الصلاحيات لرجل الشرطة فى مواجة المتظاهرين. وختاما نود أن نؤكد أن تناول مسألة قانونية على هذا القدر الكبير من الأهمية لا يمكن أن يتم فى صفحة أو صفحتين أو جلسة أو جلستين، بل وفقا لدراسات قانونية واجتماعية متعمقة، تسترشد بأعلى المعايير الوطنية والدولية، توضع تحت بصر متخذى القرار، كما أن التصدى لفكرة حدود وضوابط حق رجل الشرطة فى الدفاع الشرعى يجب ألا تتم بمعزل عن الظروف الراهنة التى تمر بها مصر والقواعد التى تحكمها.
المستشار / عادل ماجد
اترك تعليقاً