تتلخص هذه النظرية في أنه إذا ضرب عدة اشخاص شخصاً ولم يكن بينهم اتفاق سابق على ارتكاب الجريمة ولم تعرف ضربة مَن مِن الأشخاص قتلت المجنى عليه أو افضت إلى موته أو احدثت به عاهة مستديمة، فينبغي على جميع الأشخاص شركاء لفاعل مجهول من بينهم اخذاً بنظرية القدر المتيقن لأن الاشتراك هو القدر المتيقن من جانب كل منهم(1). لم ينص قانون العقوبات العراقي على نظرية القدر المتيقن وبذلك تكون هذه النظرية لا سند لها من حكم القانون(2)، ولكنها تستمد عناصرها من مبادئ العدالة وروح القانون ومن مبدأ إن الشك يفسر لصالح المتهم عند جهالة دوره في ارتكاب الجريمة وتخفيض العقوبة المفروضة عليه إلى الحد الذي يقضي به الحق وتتقبله العدالة(3).
ولهذا فأن القضاء العراقي والمصري يطبقها في الكثير من أحكامه. وقد بينت محكمة التمييز في العراق متطلبات هذه النظرية عندما قضت بأنه (وجد أنه لهذه النظرية متطلبات أولها: أن تكون الحادثة الواقعة طارئة آنية. وثانيهما: أن يأخذ الطرف المدان صفة تعدد الاشخاص. وثالثهما: ان يطلق المدانون جميعهم عيارات نارية في خضم تلك الواقعة او المنازعة على المجنى عليه وهو شخص واحد. ورابعهما أن يصاب المجنى عليه بطلق ناري واحد في جسمه دون ان يعرف مَن مِن اولئك الأشخاص قد أوقع به أصابته. والمطلب الخامس والأخير أن لا يثبت وقوع اصابة أخرى في جسم القتيل حصيلة طلق ناري غير اصابته بالطلق القاتل، ولا بد من توفر هذه المتطلبات الخمسة كاملة حتى يصار إلى تطبيق نظرية القدر المتيقن في عرف من ناصرها فإن تخلف أي واحد من المتطلبات المذكورة آنفاً يهدر كيانها. ومن خلال تلك المتطلبات مجتمعة يصح القول بأن لا حضور لهذه النظرية إذا كانت الجريمة المرتكبة مشفوعة بالظرف المشدد وهو سبق الاصرار والترصد لأن الجناة في هذه الحالة يجب مساءلتهم جميعاً عن جريمة القتل المرتكبة ولا فرق بين من اصاب منهم القتيل ومن لم يصبه)(4).
وفي قرار آخر قضت بأن (نظرية القدر المتيقن لا يكون لها حضور في التطبيقات القضائية عند توفر الادلة على محدث الاصابة القاتلة)(5). ومن الجدير بالذكر أن الوصف القانوني لجريمة القتل العمد عند قيام نظرية القدر المتيقن يتحول من جناية قتل عمد وفق المادة (405) عقوبات إلى الشروع فيها وفق المادة (405/31) منه، ومن الاعتداء المفضي إلى الموت وفق المادة (410) عقوبات والعاهة المستديمة وفق المادة (412) عقوبات إلى الايذاء المنصوص عليه في المادة (413) عقوبات(6). يمكن القول إن هذه النظرية يمكن ان يكون لها حضوراً في الجريمة المرتكبة حال المفاجأة بالزنى، إذ إن الجريمة هنا ترتكب في الحال مما ينفي وجود الاتفاق أو الاشتراك في ارتكابها. ولما كانت هذه النظرية تتطلب تعدد الفاعلين، لذلك سنفترض الحالات التالية مع بيان مدى الاستفادة من العذر المخفف في كل حالة.
الحالة الأولى:
قد يحصل أن يتفاجأ شخص بتلبس زوجته بالزنى مع عشيقها، وكان بصحبة أخيها، فاطلق كل من الزوج والأخ عياراً نارياً واحداً أو اكثر على المجنى عليها وعشيقها، فأصاب عيارا واحداً الزوجة فقتلها واصاب عياراً اخرا العشيق فقتله. ولعدم معرفة عيار مَن مِن المتهمين احدث الوفاة للمجنى عليها او للعشيق فيكون كل منهما شارعاً في جناية القتل العمد إذ ان القدر المتيقن في حق كل منهما هو الشروع بالقتل. وفي هذا السياق قضت محكمة التمييز في العراق في قضية اتهم فيها (ع) باشتراكه مع آخرين بقتل المجنى عليهما (ن) و (غ) باطلاقه النار عليهما من بندقيته، بأنه (وجد ان التحقيق الجاري والتقارير الطبية ان كلاً من المجنى عليهما قد اصيب باطلاقة نارية واحدة اودت بحياته ولم يتعين مطلق الطلقة التي اصابت كلا منهما ولذلك فتتوجه المسؤولية الجنائية إلى المتهم (ع) الذي ثبت اطلاقه النار عن فعل الشروع القتل القصدي لعدم وجود اتفاق او اشتراك بينه وبين المتهمين. لذا قرر اعادة القضية إلى محكمتها… بغية ادانة المتهم وفق المادة (212/60)عقوبات بغدادي والحكم عليه بموجبها)(7). وبالنظر لتوفر الصفة المطلوبة في كل من الفاعلين في الفرض المتقدم، لذلك نعتقد باستفادتهما من العذر المخفف ويسألان عن جريمتهما بموجب المادة (409) عقوبات وبدلالة المادة (31) منه. أما إذا قام الفاعلان- الزوج والأخ- بالاعتداء على الزوجة وعشيقها اعتداءاً افضى إلى موت احدهما او كليهما او احدث به عاهة مستديمة، وثبت ان الوفاة او العاهة المستديمة راجعة إلى ضربة او جرح واحد في حال المفاجأة بالزنى وتعذر معرفة ضربة مَن مِن الفاعلين هي التي افضت إلى موت المجنى عليها او عشيقها او احدثت به العاهة المستديمة، لذلك نعتقد ان الفاعلين يسألان عن جريمة الايذاء العمد إذ هو القدر المتيقن في حقهما. وفي هذا السياق قضت محكمة النقض المصرية بأن (اعتداء المتهمين على مجنى عليه ووفاته، وثبوت حدوث اصابتين في رأسه وعدم معرفة محدث الاصابة التي أدت إلى الوفاة، فأن معاقبة المتهمين بجنحة الضرب اخذاً بالقدر المتيقن في حقهما يكون الحكم سليما ولا مخالفة فيه للقانون)(8).
الحالة الثانية :
في هذه الحالة يكون مع الزوج او المحرم –كفاعل- شخص أجنبي عن المجنى عليها، كما لو كان صديقه. ففي جريمة القتل فأن الفرضيات لا تختلف عن الحالة الأولى ولكن هنا الزوج أو المحرم يستفيد من العذر المخفف لتوفر الصفة المطلوبة فيه ويُسأل عن جريمته بمقتضى أحكام المادة (409/31) كما سبق ذكره. أما الصديق –وهو أجنبي عن المجنى عليها- ولا تتوفر فيه صفة القرابة او النسب فلا يستفيد من العذر المخفف، وبالتالي نعتقد أنه يُسأل عن جريمة شروع في قتل عمد بمقتضى المادة (405/31) عقوبات. ويلاحظ اختلاف عقوبة كل من الفاعلين، وهي نتيجة احدثها توفر العذر المخفف. أما فيما يخص جريمة الاعتداء المفضي إلى موت أو إلى عاهة مستديمة فهي لا تختلف عن الحالة الأولى ايضا الا في مدى الاستفادة من العذر المخفف. فالزوج أو المحرم يستفيد منه لتوفر الصفة المطلوبة فيه أما صديقه وهو الأجنبي عن المجنى عليها فلا يمكن القول باستفادته من العذر المخفف إذ انه ليس زوجاً ولا محرماً.
_____________________________
[1]- ينظر د. رؤوف عبيد، مبادئ القسم العام في التشريع العقابي، ط3، دار الفكر العربي، القاهرة، 1966، ص366.
2- ينظر عبد الستار محمد البزركان، نظرية القدر المتيقن هل لها سند من حكم القانون، مجلة القضاء، مرجع سابق، ع2، 1990، ص19.
3- ينظر علي السماك، نظرية القدر المتيقن، مجلة القضاء، نقابة المحامين في العراق، ع1 و2 و 3 و4، س36، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1981، ص457.
4- القرار رقم 178/هيئة عامة/99 في 12/5/1999. اشار اليه علي محمد ابراهيم الكرباسي، مرجع سابق، ع81، 2001، ص14.
5-القرار رقم 12/3/موسعة ثانية /86/87 في 30/8/1986 . مجلة القضاء ، نقابة المحامين في العراق، ع1، س42، مطبعة الشعب بغداد، 1987، ص228.
6- ينظر علي السماك، نظرية القدر المتيقن، مرجع سابق، ص464.
7- القرار رقم 378/جنايات/65 في 24/5/1965. اشار إليه د. عباس الحسني وكامل السامرائي، مرجع سابق، المجلد الأول، ص388.
8- الطعن رقم 1189 لسنة 25 ق جلسة 6/2/1956. اشار إليه حسن الفكهاني وعبد المنعم حسني، الموسوعة الذهبية للقواعد القانونية، الاصدار الجنائي، ج6، الدار العربية للموسوعات، القاهرة، 1981، ص828.
المؤلف : قاسم تركي عواد الجنابي
الكتاب أو المصدر : المفاجأة بالزنى عنصر استفزاز في القتل والايذاء
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً