_ أولاً : الوضع في قانون العقوبات الاداري الألماني :
القانون الألماني من أهم وأسبق القوانين استعانة بنظام الجزاءات الادارية كبديل للجزاءات الجنائية التقليدية ، وقد مر هذا النظام بالعديد من المراحل الى صدور القانون OWIG وأدخلت عليه تعديلات وحددت المادة الأولى منه الجريمة الادارية بأنها ” عمل غير مشروع يؤاخذ عليه ، يتكون من فعل منصوص عليه في قانون يعاقب على ارتكابه بغرامة ادارية ، والجريمة المعاقب عليها بغرامة ادارية هي جريمة تتكون من فعل منصوص عليه في قانون يعاقب على ارتكابها بغرامة ادارية وحتى ولو وقعت على شكل لا يؤدي لاستهجان فاعلها ” .
اذن أخذ المشرع الألماني بالمعيار الشكلي فاعتبر أن الجريمة الجنائية سلوك غير مشروع معاقب عليه بالحبس أو الغرامة ، أما الجريمة الادارية فهي معاقب عليها بغرامة ادارية . وقد رأى البعض أن المشرع الألماني لم يضمن النص السابق الوسائل التي ستعينه مستقبلاً في تحديد ما يستوجب أن يعد خرقاً جنائياً أو ادارياً ، فهو واجه ما هو موجود في تشريعات قائمة ولم يشير الى ما يستجد من أفعال مما يثير التساؤل حول مدى حاجتها لتدخل جنائي أم اداري .
ومع ذلك فان فعل المشرع الألماني في تحديد الجريمة الادارية شكلياً متقارب مع المشرع الايطالي لصعوبة تحديد الجريمة الادارية تحديد موضوعي لأنه من الصعب توقع المصالح المفترض ظهورها في المستقبل . وقد أعد المشرع الايطالي قائمة أحصى بها الجرائم التي تقرر لها جزاءات ادارية مالية مثل الضوضاء والسكر العلني واهمال مراقبة الحيوانات الخطيرة والعديد من الجرائم البيئية والاقتصادية وقد تأثر بعض المشرعين في الدول الأوروبية بنظام المشرع الألماني وقد قضت المحكمة الدستورية الألمانية بأنه لا مانع من تطبيق نظام الحد من العقاب والاستعانة بقانون العقوبات الاداري طالما أن هذا لا يمس مبدأ الفصل بين السلطات والالتزام بمبدأ التناسب بعناصره المختلفة .
_ ثانياً : الوضع في قانون العقوبات الاداري الايطالي :
استعان المشرع الايطالي منذ فترة بالجزاءات الادارية كبديل عن الجزاءات الجنائية في بعض الحالات مثل المخالفات المرورية وقد حدد المشرع الايطالي الجريمة الادارية بأنها ” لا تكون جريمة وتخضع لجزاء اداري بدفع مبلغ من النقود كل الاعتداءات المقرر لها عقوبة الغرامة أو الغرامة البوليسية ” . اذ ينطبق نظام الحد من العقاب وقانون العقوبات الاداري الايطالي على كل جريمة معاقباً عليها بعقوبة وحيدة وهى الغرامة سواء كانت هذه الجريمة مخالفة أم جنحة وبذلك وضع المشرع الايطالي معياراً شكلياً لتحديد الجرائم التي يتم رفع صفة التجريم عنها ونقلها بالتالي من حيز قانون العقوبات الى حيز قانون العقوبات الاداري وتخضع لجزاء اداري يتمثل في دفع مبلغ من النقود .
ولا يختلف موقف المشرع الايطالي عن موقف المشرع الألماني في تحديده للجريمة الادارية ، فالمشرعان حددا الجريمة الادارية بالنسبة لما هو موجود بالفعل وليس بالنسبة لما قد يستجد من أفعال لاحقة في المجتمع قد تحتاج لحماية ادارية . وعلى الرغم من وجود بعض الأفعال التي لا ينطبق عليها المعيار الشكلي السابق أن يكون معاقباً عليه بالغرامة فقط لأنه معاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية فضلاً عن الغرامة الا أن المشرع الايطالي قد رفع صفة التجريم الجنائي عنها صراحة وأدخلها في حيز قانون العقوبات الاداري واعتبرها جرائم ادارية وهذه الجرائم الخاصة بالباعة الجائلين ، واشغال الطرق ، وايذاء حيوان وبعض الجرائم الأخرى التي وردت في قوانين خاصة مثل القيادة بدون رخصة أو بدون تأمين اجباري .
وكذلك فقد توسع في تطبيق قانون العقوبات الاداري على بعض الجرائم المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية ، كما استبعد بعض الجرائم التي ينطبق عليها المعيار الشكلي من نظام الحد من العقاب وبقيت في حيز قانون العقوبات الجنائي مثل الاجهاض وجرائم الانتخاب والأسلحة وذلك لما لها من أضرار مؤثرة . كما استثنى بعض الجرائم المعاقب عليها بالغرامة فقط من نظام الحد من العقاب كالانتهاكات المالية المنصوص عليها في التشريع المالي . ويستخلص من ذلك أن الجرائم الادارية المعاقب عليها بجزاءات ادارية وفقاً للمعيار الشكلي هى الجرائم التي يعاقب عليها المشرع الايطالي بجزاء مالي الا ما استثنى بنص خاص على ما ذكرنا .
اترك تعليقاً