الغير في حجز ما للمدين لدى الغير يفترض فيه شرط جوهري وهو أن تكون المنقولات المادية التي سيوقع عليها الحجز في حيازة من يعتبر من الغير، ومن ثم فإنه ينبغي تحديد الضابط الذي يعتد به حتى يكون حائز المنقولات التي يراد حجزها من الغير طبقا للمادة 667من ق إ م د، ومنه نستطيع أن نتبين ما إذا كان طريق الحجز الواجب إتباعه هو حجز المنقول لدى المدين أو حجز المنقول لدى الغير، باعتبار أن الخطأ في إتباع الطريق الواجب إتباعه يؤدي إلى بطلان الحجز(1)
الفرع الأول: المعايير الفقهية حول تحديد معنى الغير
بهذا الخصوص لم يضع القانون معيار لتحديد معنى الغير، ومنه كانت الصعوبة واختلف الفقه حول ذلك (2)، وجاء بمعايير متنوعة سنعرض البعض منها، ثم نحدد المعيار المختار.
المعيار الأول: الغير هو من له حيازة مستقلة عن حيازة المدين، وتعتبر الحيازة مستقلة إذا كانت شخصية الحائز القانونية مستقلة عن شخصية المدين، وتطبيقا لذلك لا يعتبر من الغير الحائز إذا كان يرتبط بالمدين برابطة التبعية كالعامل، وعلى العكس يعد من الغير الوكيل والمدين والحارس والمودع لديه، وقد أخذ على هذا المعيار عدم الوضوح حول فكرة إستقلالية شخصية الحائز عن شخصية المدين وٕاستغراق الثانية للأولى (3)، للاعتبار الوصي والنائب من الغير رغم وجود خلط بين شخصيتهم وشخصية من يمثلونه (4).
المعيار الثاني :الغير هو من له شخصية مستقلة وسلطات خاصة Pouvoir(5) ،propre et indépendant وتكون هذه السيطرة مستندة إلى نص في القانون أو عقد بين المدين والحائز، هذا المعيار يتفق مع محتوى معيار السيطرة المادية على الشيء، حيث إذا كان المدين لا يستطيع السيطرة على الشيء إلا عن طريق الحائز، وجب سلوك طريق حجز ما للمدين لدى الغير، وتطبيقا لذلك يعد من الغير الحارس لتمتعه بسلطات مستقلة على الأموال التي بين يديه، والوصي الذي يحوز أموال القاصر، والموثق والمحضر الذي يحوز بعض أموال المتعاملين معه.
المعيار الثالث: وجوب الالتجاء إلى القضاء حيث يذهب هذا الرأي إلى أن الغير والشخص الذي لا يستطيع المدين المحجوز عليه إسترداد حيازة المنقولات منه إلا بعد رفع دعوى قضائية، أما إذا كان المدين يستطيع إسترداد الحيازة دون حاجة للالتجاء إلى القضاء، فإن الحائز لا يعتبر غير، ويؤخذ على هذا الراي أنه يقحم فكرة اللجوء إلى القضاء في غير محلها (6)
المعيار الرابع : ويتضمن الرأي المرجح (7) ، حيث يذهب بالقول أن المحجوز لديه الغير هو ما تتوافر فيه ثلاثة شروط مجتمعة لا يكفي توافر أحدها وهي:
*أن تكون له شخصية مستقلة عن شخصية المدين.
* أن تكون له سلطات خاصة ومستقلة على المنقول الذي بحوزته.
*أن يكون مصدر هذه السلطات نص في القانون أو عقد بين المدين والحائز.
وعليه إذا توفرت هذه الشروط أعتبر الحائز من الغير، وبالتالي فإن طريق الحجز الذي ينبغي إتباعه هو حجز ما للمدين لدى الغير.
الفرع الثاني: تعريف الغير المحجوز لديه وبعض تطبيقات حجز ماللمدين لدى الغير.
أولا: تعريف الغير المحجوز لديه :
عرفه البعض من الفقه بأنه كل شخص مدين للمحجوز عليه ولا علاقة له بالنزاع القائم بين الحاجز والمحجوز عليه، ولا يهم أن يكون مدينا بدين أو بتسليم مال، وعرفه آخرون بأنه كل شخص ليست له مصلحة شخصية بموضوع الحق المراد اقتضاؤه ولا يعود عليه نفع ولا ضرر من إجراء التنفيذ، ولكن من واجبه أن يشترك مع المدين في وفاء الحق بسبب ما لديه من صفة أو من وظيفة أو صلة بالخصوم (8)، وبناء على هذين التعريفين أنه يشترط في الشخص لكي يعد من الغير في إجراءات التنفيذ الشروط التالية:
الشرط الأول: ألا يكون طرفا في الحق في التنفيذ، بمعنى ألا يكون هو طالب التنفيذ أو المنفذ ضده أو ممثلهما، أو خلفهما العام أو الخاص، كما لا يعد غير من يجوز التنفيذ في مواجهته كالكفيل العيني أو الشخصي(9).
الشرط الثاني: أن يكون ملزما بالاشتراك في إجراءات التنفيذ بما له من صلة قانونية تربطه بمال المنفذ ضده الذي يجري التنفيذ عليه (10)، وعلى ذلك يعد من الغير من لا تربطه صلة بالمال محل الحجز، ولكنه بالرغم من ذلك يشترك في اجراءات التنفيذ أداء المهام وظيفته كالمحضر ومحافظ البيع (11).
الشرط الثالث: أن لا تكون له مصلحة شخصية في اقتضاء الحق أو عدم اقتضاءه، ولا يتأثر بالنتيجة التي ينتهي إليها التنفيذ(12)، وتطبيقا لذلك يعد من الغير المستأجر والمودع لديه و الشريك والحارس والوكيل، هؤلاء جميعا ملزمون بالتنفيذ بإعتبار أنه لا توجد لديهم أية مصلحة في إتمامه لمصلحة الدائن(13).
ثانيا: بعض التطبيقات العملية في حجز مال المدين لدى الغير ونذكر منها ما يلي:
أ- الحجز على أموال فاقدي الأهلية أو ناقصها تحت يد الولي أو الوصي أو القيم، الراي الغالب هو حجزها وفقا لإجراءات حجز ماللمدين لدى الغير(14).
ب- الأسهم والسندات التي لحاملها أو القابلة للتظهير، بما أن هذه الأسهم والسندات تنتقل ملكيتها دون علم المدين، فهي تأخذ حكم المنقول المادي، ويحجز عليها بطريق حجز ما للمدين لدى الغير إذا كانت في حيازة الغير(15) .
ج- الحجز على الأموال المعروضة في معرض عام، الرأي الراجح أن الحجز الواجب إتباعه في هذه الحالة حجز المنقول لدى المدين لأن السيطرة المباشرة للمعروضات وحيازتها تكون للعارض، لأن دور هيئة المعارض يقتصر على توفير المكان والإعلان عن الأشياء المعروضة فقط (16).
د- الحجز تحت يد البنك: إذا أودع المدين مبلغا من المال لدى أحد البنوك فطريق الحجز الواجب إتباعه هو حجز ما للمدين لدى الغير، غير أن الجدل ثار حول طبيعة الحجز على الأموال التي تحتويها الخزائن التي يخصصها البنك للعميل الذي يحتفظ بمفاتيحها ولا يعلم البنك شيئا عن محتوياتها، هل هو حجز المنقول لدى المدين أم حجز ما للمدين لدى الغير؟، هذه المسألة أثارت خلافا فقهيا (17)، يرجع بالضرورة إلى إختلافهم في تحديد الغير، أي أن البعض اعتبر البنك في مركز الغير لأنه هو الحائز الفعل ي للخزائن، بينما ذهب البعض الآخر إلى أن البنك لا يعد من الغير لأنه يحوز الخزينة فقط دون الأموال التي تحتويها، وعليه فإن طريق الحجز الذي يجب إتباعه هو حجز المنقول لدى المدين (18)، وعلى هذا إستقر غالبية الفقه في فرنسا أو في مصر معتمدا في ذلك على أن البنك لا يتمتع بسلطات خاصة ومستقلة على ما تحتويه الخزائن (19) .
ه- حصة الشريك في شركة فإن ملكيتها لا تنتقل بدون علم المدين وعليه يحجز عليها بطريق حجز ما للمدين لدى الغير(20).
____________
1- عزمي عبد الفتاح: قواعد التنفيذ الجبري في قانون المرافعات المصري، دار النهضة العربية، القاهرة 2001 ، ص 593.
2- علي الشحات الحديدي: الحجز على الأموال الموجودة في الخزائن الخاصة لدى البنوك، مجلة الأمن والقانون، تصدرها كلية شرطة دبي الإما رات العربية المتحدة، السنة التاسعة، العدد 2 يوليو 2001 ، ص 361.
3- طلعت محمد دويدار: طرق التنفيذ القضائي منشأة المعارف الإسكندرية )الطبعة بدون تاريخ)، ص 340.
4- عزمي عبد الفتاح: المرجع السابق، ص 579هذا الراي يؤيده غالبية الفقه الفرنسي والفقه المصري، أشار إلى ذلك: عزمي عبد الفتاح:المرجع السابق، ص 580 ، وكذلك
jeanVincent et jacques Prévault :voies d’exécution et procédures de distribution، 19eme éditionDalloz،delta 1999،P 99.
ورجحه الأستاذ علي الشحات الحديدي في مقاله السابق، ص 364 ، وأخذ به الإجتهاد الفقهي والقضائي الإيطالي حسب إشارة الأستاذ يوسف ناعس: ” حجز ما لمدين لدى الغير” مجلة المحامون، نقابة المحامين، الجمهورية العربية السورية، العدد الخامس، السنة الثالثة والستون، ماي 1998 ، ص 468
5- علي الشحات الحديدي: المرجع السابق، ص 364 ،وكذلك طرق التنفيذ القضائي منشأة المعارف الإسكندرية )الطبعة بدون تاريخ )ص 345.
6- وهو ما رجحه الأستاذين عزمي عبد الفتاح في مرجعه السابق ص 589 ، وعلي الشحات في مقاله السابق ص 364
7- أنظر: يوسف ناعس: المرجع السابق، ص 468 ، جمال مكناس: أصول التنفيذ في المواد المدنية والتجارية، منشورات جامعة دمشق، مطابع مؤسسة الوحدة، دمشق 2003 ، ص 201 ، مروك نصر الدين : طرق التنفيذ في المواد المدنية، دار هومة للطباعة والنشر، الجزا ئر 2005 ، ص 163 ، ومحمد حسنين: طرق التنفيذ في قانون الإجراءات المدنية الجزا ئري، ديوان المطبوعات الجامعية، الج ا زئر 1982، ص 110
8- عزمي عبد الفتاح: المرجع السابق، ص 156
9- أحمد السيد صاوي: التنفيذ الجبري في المواد المدنية والتجارية ، دار النهضة العربية، القاهرة 2005 ،، ص 166
10- طلعت محمد دويدار: طرق التنفيذ القضائي منشأة المعارف الإسكندرية )الطبعة بدون تاريخ) ، ص 346.
11- بو شهدان عبد العالي: إجراءات التنفيذ وفق قانون الإج راءات المدنية الجزا ئري،(بدون دار الطبع وتاريخه)، ص 57.
12- عزمي عبد الفتاح: المرجع السابق، ص 157
13- عمارة بلغيث : التنفيذ الجبري وٕاشكالاته، دارسة تحليلية مقارنة لطرق التنفيذ وٕاجراءاته ومنازعاته، دار العلوم، الحجار عنابة 2004 ، ص 46 ، ومروك نصر الدين، المرجع السابق، ص 52.
14- بإعتبار أن هناك أ ري يذهب إلى أن الولي أو الوصي ليس إلا الممثل القانوني لعديم الأهلية أو ناقصها في حيازته لأمواله، ومن ثم يحجز عليها بإجراءات حجز المنقول لدى المدين، أشار إليه طلعت محمد دويدار في مرجعه السابق، ص 348.
15- مروك نصر الدين: المرجع السابق، ص 165
16- السيد صاوي: المرجع السابق، ص 221
17- إنقسم الفقه إلى إتجاهين، ذهب الأول بالقول أن طريق الحجز الذي يجب إتباعه هو حجز ما للمدين لدى الغير مستندا في ذلك على من له الحيازة الفعلية للشيء عند تحديد معنى الغير، بينما ذهب الإتجاه الثاني إلى أن الطريق الواجب إتباعه في مثل هذه الحالة
هو طريق حجز المنقول لدى المدين معتمدا في ذلك على عدم توفر البنك على سلطات خاصة ومستقلة على هذه الأموا ل، ولمزيد من الإطلاع أنظر علي الشحات الحديدي: الحجز على الأموال الموجودة في الخ ا زئن الخاصة لدى البنوك، مجلة الأمن والقانون، تصدرها كلية شرطة دبي الإما رات العربية المتحدة، السنة التاسعة، العدد 2 يوليو 2001 ، ، ص 359
18- طلعت محمد دويدار : المرجع السابق، ص 352
19- السيد صاوي: المرجع السابق، ص 220
20- مروك نصر الدين: المرجع السابق، ص165
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً