المفهوم القانوني لجريمة الفصل العنصري
كان القانون الدولي التقليدي يعد موضوع حقوق الإنسان من الشؤون الداخلية التي لا يجوز الخوض فيها على المستوى الدولي وبطبيعة الحال فان هذا الموقف لم يكن طبيعيا ذلك ان الإنسان هو غاية كل تنظيم دولي ومن هذا المنطلق انصبت اهتمامات تطور القانون الدولي لتشمل الفرد بالرعاية والحماية باعتباره من أهم موضوعاته وقد جاءت العديد من المعاهدات والاتفاقات الدولية لحماية الأقليات الدينية من العنصرية وكان الهدف من تلك المعاهدات الالتزام بتطبيق العدالة والمساواة في معاملة هذه الأقليات .
ولم يكن التمييز العنصري وليد العصور الحديثة وإنما هو قديم قدم المجتمعات الانسانية، وهو لا يزال موجودا يتمظهر باشكال عديدة ويتمثل في التمييز الطبقي في المجتمعات الطبقية السابقة والحالية، ولكنه برز بشكل واضح إزاء الأقليات حيث أخذ مظاهر مختلفة عبر الفترات الزمنية المتعاقبة بدءا من الرق بشكل عام ثم اتخذ شكل اضطهاد الأقليات في الفترات التاريخية القريبة أو البعيدة أو إبادتها حتى وصل إلى نشأة الأنظمة العنصرية التي تقوم على التمييز أو الفصل العنصري معا وابرزها النازية الألمانية والعنصريات الأوروبية البيضاء في جنوب إفريقيا، وروديسيا، وناميبيا .
وقد ظهر التمييز العنصري كمفهوم سياسي في الثلاثينيات من القرن الماضي ويراد منه : ( إظهار نقاء وتفوق العرق الجرماني على بقية الأعراق ).
كما فعل النازيون من التمييز بين الأجناس المقيمين على أرض الدولة الألمانية ثم تحول بعد ذلك إلى جنوب إفريقيا عام 1945م . ظهر أول تجريم للعنصرية في النظام الأساسي للمحكمة العسكرية الدولية نورمبرج عام1945 في المادة السادسة التي طبقتها المحاكم الدولية الخاصة أثناء محاكمة مجرمي الحرب العالمية الثانية، ثم جاء ميثاق الأمم المتحدة ليؤكد كرامة الإنسان والمساواة بين الشعوب حيث جاء في ديباجة الميثاق : ( أن شعوب الأمم المتحدة تؤكد إيمانها بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره ..) .
كما نصت المادة الأولى من الفقرة الثانية من الميثاق على أن (من مقاصد الأمم المتحدة تعزيز احترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية بين الرجال والنساء)، كما تعهد أعضاء الأمم المتحدة بموجب المادتين ( 55-56 ) من الميثاق باتخاذ الإجراءات المشتركة أو المنفردة بالتعاون مع المنظمة للدعوة إلى الاحترام العالمي ومراعاة الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية للمجتمع دون من تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ثم توالت أعمال الأمم المتحدة بعد ذلك وتوجت بعدة اتفاقات دولية لحقوق الإنسان، ومن أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 / شباط / 1948 الذي تضمن قائمة بالحقوق السياسية والمدنية للإنسان حيث نصت المادة الأولى على انه: (يولد جميع الناس أحرار ومتساوين في الكرامة والحقوق.وهم قد وهبوا عقلا وضميرا وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء ) كما ذكرت المادة الثانية من الاعلان على ان (لكل إنسان حق التمتع بكافة الحريات والحقوق الواردة في هذا الإعلان دون تمييز كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو أي وضع آخر من دون أي تفرقة بين الرجال والنساء ).
وقد حددت وثيقة الحقوق المدنية والسياسية والمعترف بها في المواد ( 3-21 ) الحقوق الانسانية وتتضمن هذه الحقوق (حق كل إنسان في الحياة والحرية وسلامة شخصه وحقه ألا يخضع للعبودية أو الاسترقاق وحقه في ألا يعرض للتعذيب أو العقوبة القاسية المهنية المنافية للكرامة الإنسانية ..).
إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو أول وثيقة عالمية تعترف بالقيمة الإنسانية للنوع البشري في نطاق التقدم الحضاري وقد أصبحت مصدرا لدساتير وتشريعات الكثير من الدول في انحاء العالم. إن مبدأ الاعتراف بقيمة الفرد في النظم القانونية لم يعد محصورا فقط في نطاق الشؤون الداخلية، وإنما أصبح مبدءاً عالميا يدخل في نطاق القيم الأساسية التي يحميها المجتمع الدولي باعتباره وسيلة للتقدم الحضاري والإنساني، ومن هنا جاءت جريمة الفصل العنصري لتكون مؤشرا للاتجاه العالمي نحو تأثيم وتجريم انتهاكات حقوق الإنسان على المستوى الدولي وظهر اهتمام المجتمع الدولي بهذه الجريمة من خلال الاتفاقات والإعلانات الدولية التي صدرت لمحاربة هذه الجريمة .
وتعد جريمة الفصل العنصري من الجرائم الدولية الموجهة ضد الإنسانية و مثل هذه الجريمة تنتج عنها مسؤولية مزدوجة المسؤولية الأولى تقع تبعتها على الدولة التي تقع الجريمة على إقليمها أو في نطاق ولايتها بسبب تقاعسها عن القيام بالالتزامات المنصوص عليها في هذه الاتفاقيات أو وقوع الجريمة نتيجة لسياستها أو بإيعاز منها، والمسؤولية الثانية تقع تبعاتها على الأفراد الطبيعيين الذين يقدمون على ارتكاب أحد الأفعال التي تكون هذه الجريمة، أو يشاركون في ارتكابها بالتحريض أو التواطؤ أو التشجيع من الدولة.
وقد نصت المادة الثالثة من الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري على المسؤولية الدولية التي تقع على الأفراد وأعضاء المنظمات وممثلي الدولة، كما نصت المادة ( 25 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على المسؤولية الجنائية الدولية التي تقع على الأفراد الطبيعيين من دون سواهم وهذا ما يؤكد المسؤولية المشتركة في هذه الجريمة بين الأفراد والدول التي تقع في أراضيها.
وقد عرفت الفقرة ( 2/ ح) من المادة ( 7 ) من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية جريمة الفصل العنصري على انه ( أية أفعال لا إنسانية تماثل في طابعها الأفعال المشار إليها في الفقرة ( 1 ) وترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أية جماعة أو جماعات عرقية أخرى وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام).
ولابد لقيام هذه الجريمة توافر عدة شروط هي : أن يرتكب المتهم فعلا لا إنسانيا ضد شخص أو أكثر وأن يكون ذلك الفعل من الأفعال المشار إليها في الفقرة (1) من المادة (7) من النظام الأساسي للمحكمة ، وأن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت طبيعة ذلك الفعل ، كما يجب أن يرتكب التصرف في إطار نظام مؤسس قائم على القمع والسيطرة بصورة منهجية من جانب جماعة عرقية ضد جماعة أو جماعات عرقية أخرى .
ويجب أن ينوي المتهم من خلال سلوكه الإبقاء على ذلك النظام ، ويجب ان يكون التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين ، واخيرا أن يعلم المتهم أن التصرف جزء من هجوم واسع النطاق او منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين، أو أن ينوي أن يكون هذا التصرف جزءا من ذلك الهجوم .
المحامية: ورود فخري
اترك تعليقاً