سحب القرار الإداري
يعرف الفقه الفرنسي القديم وعلى راسهم الاستاذ دي لوبادير سحب القرار الإداري: بأنه محو القرارات المعيبة بأثر رجعي عن طريق مصدره وبمعنى اخر ان هذا التعريف ينكر ما للسلطة الرئاسية من حق سحب القرارات المعيبة التي تصدر مـن السلطة الادنى , فهو يقصر الحق في السـحب على السلطة مصدره القرار أي ما يعرف بالتظلم الولائي فقط , وقد كان هذا هو الاتجاه الغالب فــي الفقه والقضاء الفرنسي, في حين يتجه الفقه الفرنسي المعاصر إلى تعريف سحب القرار الاداري على انه : إعدام للقرار ومحو آثاره بأثر رجعي عن طريق مصدره أو من السلطة الرئاسية .
ومن الأمور المسلم بها قانونا, أن المشرع قـد أعطى الجهة الادارية مصدرة القرار الحق في ســحب هذا القرار طبقا للإجراءات والقواعد التي يحددها القانون فـي هذا الشأن, إذا رأت أن هــذا القرار مخالف للقانون أو انه غير ملائم للظروف التي صدر فـي ظلها, وذلك يعد تطبيقا لمبدأ الســلطة التقديرية التي منحها المشـرع للإدارة وتحقيقا لمبدأ المشروعية ، ومن جهة اخرى فإن المشرع لم يمنح الجهة الادارية الحق فــي سحب ما تصدره مــن قرارات, إلا من اجل منحها فرصه لتصحيح الأوضاع المخالفة للقانون ورد تصرفاتها إلى نطاق المشروعية وتحقيق الصالح العام.
وقد اختلفت الآراء الفقهية التي قيل بها لتبرير حــق الادارة في سحب قراراتها المعيبة فردوها إلي عــــده نظريات منها :نظرية المصلحة الاجتماعية ، اذ إن المستقر في القضاء الإداري أن سحب القرارات, قــد شــرع لتمكين الجهة الإدارية مـــن تصحيح خطأ وقعت فيه, ويقتضي ذلك أن يكون القرار المراد سحبه قد صدر مخالفا للقانون , أما إذا قام القرار الإداري عــــلى أسس صحيحة مستوفيا شروطه القانونية فانه يمتنع على جهة الادارة سحبه, لانتفاء العلة التي مـــــن اجلها شرعت قواعد السحب وذلك احتراما للقرار واستقرارا للأوضاع وتحقيقا للصالح العـــــام وتذهب طائفة من الاراء الفقهية الى ان تبرير حق الادارة في سحب القرار الاداري يعود الى نظرية احترام مبدأ المشروعية ويتزعم هذا الاتجاه العميد ديجي فيذهب الى أن الأساس القانوني لحق الادارة في سحب قراراتها المعيبة هـــو مبدأ المشروعية .
وبناء على هـذا المبدأ فانه يجب على الادارة أن تلتزم فـــي إصدار قراراتها باحترام مبدأ المشروعية , وان يكون هــــذا المبدأ هو المهيمن على كل تصرفاتها, فإذا هـــي خالفته بالخروج عليه وجب عليها الرجوع فـــــي قراراتها المخالفة للقانون . ومن استقراء الاحكام القضائية التي صدرت بهذا الشان يتبين إن القضاء مستقر علـــى مبدأ ضرورة اســتقرار الأوضاع والمركز القانونية للإفراد, مع الوضع في الاعتبار ضرورة عدم إهمال مبدأ المشروعية واحترام القانون , فوضع ميعاد للطعن فـــــي القرار المعيب أو التظلم منه يعد بلا شك توفيقاً بين الاعتبارات المختلفة.
وبما ان القاعدة العامة تقضي بعـــدم رجعية القرارات الإدارية , فالأصل آثار القرار الإداري السليم تمتد إلى المستقبل ولا تنصرف إلـــى الماضي . وذلك حماية للمراكز القانونية التي كانت قائمة قبل صدور القرار وبناء على ذلك فأن الفقه والقضاء مستقر فـي مصر وفرنسا على انه لا يجوز ســحب القرارات الإدارية السليمة, وذلك تأسيسا علـى مبدأ عـدم رجعيه القرارات الإدارية وكذلك ضرورة اســتقرار الأوضاع والمراكز القانونية الناشـئة عــن تـلك القرارات . ولكن هناك استثناءات أجازها الفقه والقضاء في هذا الشأن .
وهــذه الاستثناءات هــي جواز سحب القرارات التأديبية , فلجهة الادارة الحق فــي سـحبها فـــي أي وقت على أسـاس أنها لا تولد حقوقاً أو مزايا للغير ولا للادارة , إلا فــي حالات استثنائية نادرة وفي هذه الحالة تتقيد سلطة الادارة في مباشرة سلطتها في السحب بالمواعيد المقررة قانونا في هذا الخصوص ، فضلا عن القرارات المتعلقة بقرارات فصل الموظفين , فقد اســتقر القضاء الإداري في شانها على حق الجهة الادارية فـــي سحبها في أي وقت, تأسيسا على إن مثل هذه القرارات لا تولد حقوقا أو مزايا للغير ، كما انه يجوز سحب القرار الإداري السليم في حالة أخرى , وهي الحالة التي لا يترتب فيها على القرار الإداري أي حقوق مكتسبة للإفراد ، ففــي هــذه الحالة لا يتوقع أن يصاب الافراد بأي ضرر مـــن جراء سحب القرار فتنتفي بالتالي العلة مـن عــدم أجازة السحب.
أن الادارة إذا مارست اختصاصا حــدده القانون من دون ان يترك لها أي حرية في التقدير, فانه يكون لها أن ترجع في قراراتها كلما أخطأت في تطبيق القانون, ومن دون التقيد بالمدة المحددة للسحب وعلى العكس من ذلك, فانها إذا مارست اختصاصا تقديريا فانه لا يجوز لها أن ترجع في قرارها المعيب إلا خلال المدة المحددة في القانون . اما بالنسبة لسحب القرار التأديبي السليم لتوقيع جزاء اشد من الجزاء الصادر به القرار
فمن المسلم به إن قانون التأديب لا يعرف مبدأ لا جريمة إلا بنص, لذلك فان السلطة الإدارية والتي لها اختصاص تأديبي, لهــا سلطة تقديرية فــي اختيار الجزاء الذي تراه مناسبا للمخالفة التي تم ارتكابها بواسطة احد عمالها . وهذه السلطة التقديرية التي تتمتع بها الادارة فـي مجال اختيار الجزاء المناسب للخطأ المرتكب, قد تم التأكيد عليها بواسطة القضاء الإداري فقد أكد مجلس الدولة الفرنسي في حكمة الصادر فـي 11/7/1984 على أن الجزاء الذي تراه السلطة الإدارية مناسبا للعقاب علـى مخالفة تــم ارتكابها من قبل احد موظفيها, لا يمكن أن يكون محل منازعة أمام القضاء .
اما بالنسبة لسحب القرار غير المشروع – وهو ذلك القرار المعيب بعيب مـن العيوب التي يترتب عليها الحكم بإلغائه عن طريق القضاء , وهــي عيــوب الاختصاص والشـكل والمحل وعـيب الانحراف بالسلطة وهي العيوب المعروفة بأوجه الطعن في القرارات الادارية غير المشروعة – فان القضاء والفقه استقرا على ضرورة تغلــيب مبـــدأ اسـتقرار الأوضاع والمراكــز القانـــونية للافراد علـــى مبــدأ المشروعية واحترام القانون ,ويفترض هـــذا المبدأ ضرورة وضـع ميعاد لســحب القرارات المعيبة وبفوات ذلك الميعاد تتحصن تلك القرارات مـــن السحب والإلغاء, وذلك بالفعل ما قرره كلا مـن مجلس الدولة الفرنسـي والمصري, حــيث حدد المجلس الفرنسـي ذلك الميعاد بشـهرين, وحدده المجلس المصري بستين يوماً, بعدها يصبح القرار حصيناً ضد السحب أو الإلغاء.
المحامية: ورود فخري
اترك تعليقاً