المفهوم القانوني للتفويض التشريعي
أ/ عبد الله كامل محادين
يلجأ البرلمان أحيانا باعتباره صاحب الحق الأصيل في التشريع إلى تفويض بعض اختصاصاته إلى السلطة التنفيذية وذلك لكي تتمكن من مواجهة بعض المشاكل والأزمات التي تحتاج الى حلول سريعة وحاسمة والتي لاتناسبها تلك الإجراءات الطويلة والمتبعة عادة عند سن القوانين.
فالتفويض التشريعي تبرره الاعتبارات العملية، وأكدت الدساتير الفرنسية التي أعقبت الثورة اختصاص البرلمان وحده بمهمة اصدار القوانين وأغفلت النص على جواز التفويض التشريعي ولكن هذا الموقف من المشرع لم يمنع الحكومة من اللجوء إلى البرلمان للحصول على تفويض في ممارسة بعض الاختصاصات التشريعية وخاصة في مجال الضرائب والرسوم.
وقد ترتب على هذا حدوث خلاف فقهي حول امكانية التفويض التشريعي رغم سكوت المشرع، ولقد حاول دستور سنة 1946 وضع حد لهذا الخلاف فنص على أن “الجمعية الوطنية هي وحدها التي تضع القوانين ولا تملك أن تفوض هذا الحق”، إلا أن ذلك لم يمنع استمرار الحكومة في اللجوء إلى البرلمان وطلب الحصول على تفويض للتدخل في المجال التشريعي وكان البرلمان يوافق على هذا الطلب في معظم الأحوال، وهكذا استمرت اللوائح التفويضية في الظهور رغم الحظر الدستوري، وكان يطلق عليها في البداية المراسيم بقوانين ومما ساعد على استمرار السلطة التنفيذية في اصدار هذه المراسيم ماذهب اليه مجلس الدولة الفرنسي في تفسيره للمادة السابقة بأنها تخص فقط الاعمال التشريعية بطبيعتها.
وبناء على ذلك فإنه باستثناء المسائل التي نص المشرع الدستوري على ضرورة معالجتها بقانون يمكن للبرلمان أن يمد اختصاصات رئيس الدولة ويوسع من سلطاته اللائحية وذلك بنقل بعض المواد مؤقتا من النطاق التشريعي الى النطاق اللائحي.
ولقد حسم دستور الجمهورية الخامسة الفرنسي الصادر عام 1958 هذا الوضع فقرر أن “للحكومة في سبيل تنفيذ برنامجها أن تطلب من البرلمان أن يأذن لها في أن تتخذ بواسطة أوامر وخلال مدة محددة اجراءات تدخل عادة في نطاق القانون وتصدر هذه الأوامر من مجلس الوزراء بعد أخذ رأي مجلس الدولة ويعمل بها من تاريخ نشرها غير أنها تصبح ملغاة إذا لم يودع مشروع قانون التصديق عليها لدى البرلمان قبل نهاية المدة المحددة في قانون التفويض.
وفي مصر جاء دستور 1923 خاليا من نص يجيز التفويض التشريعي ومع ذلك على نحو ماحدث في فرنسا لم يتردد البرلمان تحت وطأة الضرورة والاعتبارات العملية في تفويض الحكومة لبعض اختصاصاته، ولكن دستور سنة 1956 والدساتير التي بعده اجازت مبدأ التفويض التشريعي والتي نصت على أنه ” لرئيس الجمهورية في الاحوال الاستثنائية بناء على تفويض من مجس الشعب أن يصدر قرارات لها قوة القوانين ويجب أن يكون التفويض لمدة محددة وأن يعين موضوع هذه القرارات والاسس التي تقوم عليها”.
ولقد أخذ المشرع السوري في الدساتير المتعاقبة بالتفويض التشريعي اذ منح السلطة التنفيذية حق اصدار المراسيم واللوائح في حالات الضرورة والظروف الاستثنائية.
لذا فإن ماتصدره السلطة التنفيذية من لوائح يعتبر الوسيلة الرئيسية لقيام الإدارة بمباشرة نشاطها الإداري وتمثل في ذات الوقت مصدرا لقواعد القانون في مختلف المجالات، وبما أن هذه اللوائح قد تضر بحقوق الافراد فيجب احاطتها بقدر كبير من الضمانات حماية لحقوق الافراد ومن ابرز هذه الضمانات ضمانة الطعن القضائي.
اترك تعليقاً