إن تعريف الجرائم الماسة بالسكينة العامة من خلال تعريف الفقهاء لجرائم الخطر لما يتناسب مع طبيعتها واستقلاليتها ونموذجها القانوني وعليه فقد عرف الفقه الإيطالي جرائم الخطر delits de mise peril بأنها الجرائم التي يكون فيها التعديل الخارجي متتماً للجريمة ويحمل في طياته القدرة والإمكانية على تحقيق الضرر(1). إن هذا التعريف يظهر لنا ان هناك ثمة اتفاق أو تقارب ما بين الجرائم موضوع الدراسة وجرائم الخطر إذ ينجم عنهما تغيير أو تعديل في العالم الخارجي، وهذا التعديل أو التغيير يمثل الوضع الذي يحتمل معه تحقيق الفقد أو النقص، وهذا الوضع يعد تعديلاً أو تغييراً في العالم الخارجي. أما الفقه الفرنسي فقد عرف جريمة الخطر delits de mise en denger بأنها (الجريمة التي تمثل الضرر المحتمل فيها إنقاص أو حرمان أو تدمير أو ابادة لمحل الجريمة من الناحية المادية) ان هذا التعريف لجريمة الخطر يبين وبشكل واضح أن هنالك ثمة اتفاق بين الجرائم الماسة بالسكينة العامة وجرائم الخطر، لان عناصرهما متماثلة، إذ أن هذه الاركان تشكل الضرر المحتمل.
ويلاحظ على التعريفيين السابقين بأنه لا خلاف بينهما من حيث ان التغيير أو التعديل الذي يحدث في العالم الخارجي من جراء السلوك الإجرامي يتساوى مع النقصان أو الحرمان أو التدمير أو الإبادة لمحل الجريمة من الناحية المادية ذلك ان الضرر المحتمل لا يمكن إنكار وجوده مطلقاً، والدليل على وجوده ان المشرع سماه بالخطر أو الضرر المحتمل ، فإطلاق اسم الضرر المحتمل على شيء أو الخطر على شيء إنما يدل على وجوده وذلك نتيجة لوجود مجموعة من الآثار الدالة عليه التي تنذر باحتمال وقوع الضرر. وعليه فان الجرائم الماسة بالسكينة العامة كجرائم الخطر تفترض نتيجة تمثل الآثار المنذرة باحتمال وقوع الضرر. وعرفها الفقه الفرنسي أيضا بأنه (الجريمة التي يتضمن عنصريها المادي والمعنوي أفعال سيئة والتي تقع نتيجتها الحقيقية قبل البدء في التنفيذ). ان هذا التعريف يقر بوجود نتيجة حقيقة في جرائم الخطر التي لا يمكن ان ينجم عنها ضرر أو خطر، غير ان هذا الخطر قد تحقق وتم مسبقاً أي انه كان مندمجاً مع السلوك الإجرامي، وبهذا يتفق مع الجرائم الماسة بالسكينة العامة. كما عرف جريمة الخطر بأنها (الجريمة التي يحرم فيها السلوك الخطر دون معرفة ما إذا كان سيترتب على ذلك السلوك نتائج ضارة وواقعية أم لا ، أي هي الجريمة التي تحقق النتيجة الضارة) فهذا التعريف يظهر لنا بان جريمة الخطر تتحقق بغض النظر عن تحقق النتيجة الإجرامية المترتبة على السلوك الإجرامي أو أية نتيجة إجرامية أخرى ويشترط في ذلك عدم تحقق الضرر فهو شرط ضروري لوجود الخطر أو المبرر له. بعبارة أخرى ان لكل جريمة نتيجة أما تكون ضرراً وأما تكون خطراً، فإذا كانت النتيجة ضرراً فإننا نكون أمام جرائم ضرر تقدم فيها الضرر، وإذا كانت النتيجة خطراً فإننا نكون أمام جرائم خطر لا يشترط فيها الضرر، إذ بدون الضرر أو الخطر لا توجد جريمة أصلاً، لان كل منهما يمثل تهديداً للحق أو المصلحة محل الحماية الجنائية.
وبناء على ذلك فان الجرائم الماسة بالسكينة العامة تجرم بغض النظر عما إذا كان سيترتب عليها نتائج ضارة أم لا . وقد ذهب البعض إلى القول بان جرائم الخطر هي: (تلك التي تتضمن تجريم حالة خطرة أو فعل خطر بصرف النظر عن إمكان وجود نتائج خطرة)(2). يلاحظ بان هذا التعريف يقتضي عدم اشتراط الخطر كعنصر في جرائم الخطر، ولكن هذا القول مبنى على أساس خاطئ لأنه لو افترض الأمر كذلك لما صح إطلاق مصطلح، جرائم الخطر عليها. ولكننا نرى بان هذا التعريف يمكن ان ينصرف الى تجريم أي تصرف خطير بغض النظر عما ستترتب عليه نتائج ضارة فعلية أم لا. بمعنى انه قصد تجريم السلوك الخطر قبل وقوع الضرر، وذلك لحماية المجتمع لان المشرع اعتبر بعض التصرفات الخطرة من قبيل الجرائم المستقلة والتامة وهو ما يعبر عنها بـ(الجرائم المستترة)(3) والتي يمكن ان يصدق عليها وصف جرائم الخطر وعليه فان هذا الرأي قد يجعل من الجرائم الماسة بالسكينة العامة وجرائم الخطر وجهان لعملة واحدة، إذ إن المقصود من تجريمها هو منع كل التصرفات التي يمكن ان يصدق عليها وصف جرائم الخطر وهذا من باب إطلاق باب السبب وإرادة المسبب.
وهكذا يظهر لنا بصورة جلية بان الخطر في جرائم الخطر وفي الجرائم الماسة بالسكينة العامة قد يكون اقل وضوحاً وبروزاً مما عليه في جرائم الخطر إذ انه خطر كامن أو مستتر لأنه لا ينتظر ظهوره وحتى يتم العقاب عليها وإنما يتم ذلك بمجرد وقوعها(4) بعبارة أخرى ان المشرع يعاقب مرتكب الجرائم الماسة بالسكينة العامة لمجرد ارتكاب السلوك وبغض النظر عن النتيجة المترتبة عليه. وعليه فان هذه الجرائم يجرم فيها مجرد ارتكاب السلوك الخطر لمنع ارتكاب جريمة محتملة، والعنصر المادي يتم فيها بمجرد التعبير عن الإرادة الآثمة وظهور ذلك التعبير الى العالم الخارجي، ولمجرد العمل التحضيري لها، ولذا فان هذه الجرائم قد تكيف بأنها من جرائم الاكتمال السابق(5). يلاحظ بان معظم التعاريف السابقة لا تظهر فروق واضحة بين جرائم الخطر والجرائم محل الدراسة وذلك لتوافر الخطر في معظمها لان علة التجريم هو خطر الإضرار بالمصلحة محل الحماية، لذلك فإننا قررنا بان الجرائم موضوع الدراسة جزء من جرائم الخطر وينطبق عليها اغلب مبادئها العامة. وبناءً على ما تقدم يمكننا تعريف الجرائم الماسة بالسكينة العامة بأنها الافعال المنذرة باحتمال تعريض المصالح القانونية العامة غير المحددة أو المعينة للخطر، سواء كانت تلك المصالح بشرية أم مالية. فهذا التعريف يتضمن السلوك غير المشروع الذي يشكل خطراً على مصالح قانونية غير محددة وغير معينة بمعنى إنها مصالح جماعية تحمى جنائياً ويشتمل على معايير الخطر، فضلاً عن النتيجة المنذرة باحتمال وقوع الضرر بتلك المصالح.
________________
[1]-Rocco،citpar.Freij(m): Linfraction،These dactyl;Paris،1945،p.193.
2- نقلا عن عبد الباسط محمد سيف الحكيمي ، النظرية العامة للجرائم ذات الخطر العام، اطروحة دكتوراه، جامعة بغداد، 2002، ص67.
3- نقلا عن عبد الباسط الحكيمي، المصدر ذاته، ص66.
4- نقلا عن عبد الباسط الحكيمي، المصدر السابق، ص68.
5- د. مأمون سلامه، الأحكام العامة في جرائم امن الدولة من جهة الخارج ومن جهة الداخل، دار النهضة العربية، 1997، ص19.
المؤلف : ندى صالح هادي الجبوري
الكتاب أو المصدر : الجرائم الماسة بالسكينة العامة
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً