الدولة ناقصة السيادة
على خلاف فقهاء القانون الدستوري يذهب فقهاء القانون الدولي العام في تصنيف الدول على اساس معيار السيادة ،واستنادا الى هذا المعيار تقسم الدول الى نوعين : الدول كاملة السيادة والدول ناقصة السيادة .
ويمكن تعريف النوع الاول بانها الدول التي تملك مباشرة جميع الاختصاصات التي تقرها قواعد القانون الدولي العام اذ ان الدولة ذات السيادة الكاملة تتصرف بحرية في شؤونها الداخلية والخارجية بدون تدخل او اشراف من دولة اخرى وبناء عليه فان الدولة التي تمتلك سيادة كاملة هي الدول التي تتمتع باستقلال تام في مباشرة كل شؤونها من دون خضوعها لتاثير او رقابة او هيمنة او توجيه من قبل دولة او منظمة دولية فتتمتع بكل حقوقها وتلتزم بجميع واجباتها الدولية فهي لاتخضع لاية سلطة سوى تلك القواعد التي يقررها القانون الدولي العام من قيود على حريتها في التصرف او انها تخضع للالتزامات التي تفرضها معاهدات دولية التزمت بها الدولة بمحض ارادتها .
وفيما يتعلق بمظاهر استقلال الدولة الداخلي فهي تبدو واضحة مثلا في حرية اختيار الحاكم واختيار شكل الحكم المناسب من قبل الشعب والحرية في كتابة الدستور بما يتوافق مع ايديولوجيتها وما يستتبع ذلك من قوانين ولوائح وقرارات تضمن تحقيق اهداف ومصالح الشعب في الحاضر والمستقبل . وتبدو مظاهر الاستقلال الخارجي للدولة كاملة السيادة في حرية اقامة علاقات دولية مع اشخاص القانون الدولي ( دول و منظمات دولية …) والتي تبدأ بحرية الانتماء الى المنظمات الدولية وحرية الاشتراك في انشطتها المتعددة وكذلك حرية الانسحاب منها ومن ناحية اخرى فان من مظاهر الاستقلال الخارجي الاخرى هي الحرية في اعلان الحرب او وقفها وعقد الهدنة والانضمام للتحالفات الدولية او الانسحاب منها حسب ماتمليه عليها مصالحها العليا .
ويذهب بعض الفقهاء الى ان جميع الدول التي اصبحت اعضاء في منظمة الامم المتحدة تعتبر دولاً كاملة السيادة وذلك استنادا الى الفقرة الاولى من المادة الثانية من ميثاق الامم المتحدة والتي نصت على ان ( الهيأة تقوم على مبدأ السيادة بين اعضائها ) ولكن الواقع العملي جعل من مفهوم السيادة اكثر مرونة لاسيما ان الدول الكبرى نفسها التي وضعت الميثاق تعتبر من اشد الدول خرقا لسيادة الدول الاخرى .
اما النوع الثاني من الدول فهي الدول ناقصة السيادة وهي تلك الدول التي لاتتمتع بكل اختصاصات الدولة ذات السيادة الكاملة نظرا لتبعيتها الى دولة اخرى حيث تباشر الاخيرة اختصاصاتها الخارجية والداخلية وفي هذه الحالة فان الدولة ناقصة السيادة تكون خاضعة لاشراف دولة اخرى او منظمة دولية تشاركها في ممارسة بعض شؤونها الداخلية او الخارجية او كليهما معا وبطبيعة الحال فان ممارسة الدولة الاجنبية او المنظمة الدولية لبعض شؤون تلك الدولة يكون بناء على وجود علاقة قانونية بين الدولة ناقصة السيادة وبين دولة اخرى او منظمة دولية تحد من سيادتها داخليا او خارجيا سواء كان ذلك برضاها ام انعدامه .
وقد عرف القانون الدولي العام عدة انواع من الدول ناقصة السيادة منها : الدول التابعة والتبعية (هي نظام قانوني تنشأ بموجبه رابطة بين دولتين حيث تباشر الدولة المتبوعة بعض او كل اختصاصات الدولة التابعة الدولية والداخلية ) ولا توجد في الوقت الحضر امثلة على هذا النوع من النظام ولكن هناك امثلة تاريخية منها انه بمقتضى اتفاقية لندن لعام 1840 تم وضع مصر في مركز دولة تابعة للامبراطورية العثمانية حتى عام 1914 .
النوع الثاني من الدول ناقصة السيادة هي الدول الموضوعة تحت الحماية والتي هي (علاقة قانونية تنتج عن معاهدة دولية بمقتضاها تضع الدولة نفسها تحت حماية وكنف دولة اخرى اكثر منها قوة على ان تلتزم الدولة الحامية بالدفاع عن الدولة المحمية وفي مقابل ذلك يكون للدولة الحامية حق الاشراف على الشؤون الخارجية للدولة المحمية والتدخل في ادارة اقليمها) وهناك نوعان من الحماية وهما الحماية الدولية التي تقوم بين دولتين تنتميان الى حضارة واحدة وجوار واحد ومن امثلتها الحماية المقرة لفرنسا على امارة موناكو .
اما النوع الثاني من الحماية فيطلق عليها الحماية الاستعمارية وهي التي تفرض بالقوة على الدولة المحمية عن طريق معاهدة حماية تبرم بين الدولتين لاضفاء شيء من الشرعية عليها ومن الامثلة الشهيرة لهذه الحماية تلك التي اعلنتها بريطانيا في اواخر القرن التاسع عشر على امارات ومشايخ الخليج العربي وامارات شرقي جنوب الجزيرة العربية (عمان وقطر والبحرين ومحميات عدن ) .
اما النوع الثالث من الدول ناقصة السيادة فهي الدول الموضوعة تحت الانتداب وظهر هذا النظام بعد الحرب العالمية الاولى ليطبق على الاقاليم والمستعمرات التي انسلخت عن الامبراطورية العثمانية والمانيا بفعل الحرب العالمية الاولى.
وقد قسمت المادة 22 من عهد عصبة الامم هذا الانتداب الى ثلاثة انواع : وهي الانتداب من درجة A ويشمل الدول التي انفصلت عن الامبراطورية العثمانية والتي بلغت مرحلة من التطور بحيث يمكن الاعتراف بها كامم مؤقتة شرط ان تسترشد في ادارة شؤونها بنصائح ومساعدة الدول المنتدبة ومن امثلة هذه الدول العراق وشرق الاردن وفلسطين .
اما النوع الثاني فهو الانتداب من الدرجة B وهي الدول الاقل تقدما من النوع الاول وشمل هذا النوع شعوب افريقيا الوسطى.
والنوع الثالث من الانتداب هو من الدرجة C ويشمل الاقاليم الواقعة جنوب غرب افريقيا وبعض جزر المحيط الهادي وهذا النوع يقترب من نظام الضم حيث عدت هذه الدول جزءا من اقاليم الدول المنتدبة اما بسبب ضآلة مساحتها او بعدها عن مراكز التحضر او قلة تعدادها السكاني .
وهناك دول ناقصة السيادة وضع لها نظام خاص اطلق عليه نظام الوصاية الدولي والتي تصدى لها ميثاق الامم المتحدة في الفصل الثاني عشر منه فقد حددت المادة السابعة والسبعون الاقاليم التي يجوز وضعها تحت نظام الوصاية الدولي
وتتكون من ثلاث فئات هي :
-الاقاليم التي كانت موضوعة تحت الانتداب .
-والاقاليم التي اقتطعت من دول الاعداء نتيجة الحرب العالمية الثانية واخيرا الاقاليم التي وضعتها دولة مسؤولة عن ارادتها وبمحض ارادتها تحت نظام الوصاية .
-واخيرا الدول الموضوعة تحت الحياد الدائم والحياد هو الوضع الذي تمتنع بموجبه دولة ما عن المشاركة في الحرب ومن التحيز لاية دولة .
وهو على نوعين : حياد مؤقت وهو الذي تعلنه احدى الدول عندما تكون هناك حرب قائمة بين دول اخرى.
والنوع الثاني هو الحياد الدائم والذي بموجبه تلتزم الدولة بشكل دائمي واستنادا الى معاهدة دولية بعد ممارسة اختصاصات الحرب عند قيامها بين دول اخرى مقابل ضمان سلامتها ومن امثلته سويسرا والنمسا.
المحامية: منال داود العكيدي
اترك تعليقاً