الرهن الحيازي الوارد على العقار في التشريع الجزائري
مقدمة :
المفروض أن يقوم المدين بوفاء حق الدائن اختيارا ،فإن امتنع عن ذلك أو تأخر كان للدائن أن يقتضي حقه جبرا عنه ، عن طريق التنفيد الجبري على أموال المدين، فجميع أموال المدين ضامنة لحقوق دائنه.
غير أن الضمان العام لا يكفي لتأمين حق الدائن إذ يظل الدائن معرضا لعدم كفاية أموال المدين للوفاء بحقه و مزاحمة الدائنين الآخرين له في استيفاءه لحقه من هذه الأموال. لهذا كان لابد من وجود تأمين خاص لحق الدائن لجانب الضمان العام(1) .
و قد اتخدت التأمينات الخاصة لحق الدائن إحدى الصورتين فقد تكون تأمينات شخصية Sûretés Personnelles و قد تكون عينية Sûretés Réelles التي بموجبها يتقدم الدائن الذي ينتفع بها على الدائن العادي و بالإضافة لحق التقدم Droit de préférence له أيضا حق التبع Doit de suite و قد كان ظهور التأمينات العينية متأخر عن التأمينات الشخصية و يرجع ذلك لأن التأمينات العينية تقوم في أساسها على العقار الذي كان ملك للأسرة جميعها حيث كان يمثل الثروة الحقيقية و يمثل الأسرة رئيسها فهو وحده الذي يحوز العقار و لا يملكه أما بقية أفراد الأسرة فكانوا يلجؤون للتأمينات الشخصية و يساعدهم على ذلك قيام روابط الأسرة و التضامن فيما بين أفرادها فكان النظام الاجتماعي للقبيلة السبيل المهيئ لهيمنة التأمينات الشخصية لما يوفر من تضامن و تكافل.
وقد كانت الحقوق العينية في القانون الروماني القديم مقصورة على الملكية فلم يكن في وسع المدين إذ أراد تقديم تامين عيني للدائن على مال له إلا نقل ملكية المال لهذا الأخير على أن يتعهد الدائن بإعادة نقل ملكية هذا المال عند وفاء المدين بالدين و إلا قام بيعه و استيفاء حقه من ثمنه دون مقاسمة باقي الدائنين(2) .
وبعدما تفطن الرومان إلى عيوب التصرف التأميني هذا فكروا في وسيلة أخرى أقل خطورة على المدين و هي رهن الحيازة حيث يكون بمقتضاه للدائن حيازة المال موضوع التأمين و تبقى ملكية للمدين ،و شاع استعماله على العقار و على المنقول ،و لم يكن في بداية ظهوره يخول للدائن سوى حق حبس المرهون لحين الوفاء مما يشكل أداة ضغط على إرادة المدين دون حق البيع عند حلول أجل الدين و عدم الوفاء .
(1) د/عبد الناصر توفيق العطار – التأمينات العينية – دار الفكر العربي – 1980 – ص 1
(2) د/محمود جمال الدين زكي – التأمينات الشخصية و العينية – دار الكتاب الحديث – الطبعة الثالثة لسنة 1979 بند 72 – ص 146
وحرم بند تملك الدائن العين المرهونة في حالة عدم الوفاء عند حلول الدين و استبدل ببند آخر يجيز للدائن إذا لم يف المدين بالدين شراء العين المرهونة بثمن عادل ،ليتم في النهاية أدراج بند آخر بحيز للدائن عند عدم الوفاء حق بيع العين المرهونة و استيفاء حقه من ثمنها بالإضافة إلى حق الدائن المرتهن حياز يا في استرداد الحيازة إذا سلبها منه المدين أو الغير.
و من ذلك فان الرهن الحيازي بعبر عن مرحلة قديمة حيث كانت العقلية القانونية لا تتصور رهن الدائن لشيء دون انتقال حيازته .و قد كان المقرض من يمنح جزافا دخل العقار المرهون و كان المدين يخصص دخل عقاره لدفع فوائد الدين و كان يخفي في معظم الأحوال فوائد ربوية أعلى من الفوائد المعتادة في عقد القرض .و كان يعرف في القانون الفرنسي القديم Le mort-gage أي الرهن الميت إذ كان الدائن المرتهن حياريا يقبض ثمار الرهن و لا يخصمها من الدين و كان دخل العقار المرهون مخصص للوفاء بالفوائد فقط مهما كان مقدار هذا الدخل ، أما في القانون الفرنسي الحالي فان الدائن يلتزم بخصم الفوائد ثم الأصل من دخل العقار و لم يعد بترك دخل العقار جزافا للدائن و يسمى باسم Le vif –gage أي الرهن الحي(1).
و قد نظم القانون المدني الجزائري الرهن الحيازي و أفرد للرهن الحيازي الوارد على العقار أحكاما خاصة به في ثلاث مواد تحت عنوانLe nantissement immobilier الرهن العقاري حيث يخضع في أحكامه إلى الأحكام العامة للرهن الحيازي من جهة و في بعض أحكامه لأحكام الرهن الرسمي.
و من هذا الجانب تظهر أهمية دراسة الرهن الحيازي العقاري و هي التسمية التي سنعتمدها في دراسة هذا الموضوع و ذلك للبحث في بعض الإشكاليات القانونية المترتبة على التنظيم المزدوج له فإلى أي مدى وفق المشرع الجزائري في تنظيم أحكامه ؟
سنكتفي في بحثنا لهذا الموضوع بالتركيز على التشريع الجزائري مع مقارنته قدر الإمكان مع بعض التشريعات الأخرى كالتشريع المصري و الفرنسي لما لهما من ارتباط تاريخي بتشريعنا وذلك بالتطرق لدراسة مضمونه و آثاره والتنفيذ عليه وانقضاءه
و قسمنا بحثناهذا إلى فصلين إثنين :
الفصل الأول :
ندرس فيه مفهوم الرهن الحيازي العقاري و تكوين عقد الرهن و نتناول فيه أركانه و شروط نفاذه.
الفصل الثاني :
ندرس فيه ما يرتبه الرهن الحيازي العقاري من آثار بين المتعاقدين و في مواجهة الغير و التنفيذ على العقار و انقضاء الرهن.
(1) Henri Et Léon Mazeaud et Jean(M) et François(C) – leçon de droit civil – Tome 3 – 1er volume – sûretés ,publicité foncière .Edition Montchrestien .Paris – 1968 page 176
خطة البحث
الفصل الأول : إنشاء الرهن الحيازي العقاري
المبحث الأول : مفهوم الرهن الحيازي العقاري
المطلب الأول : تعريف الرهن الحيازي العقاري و طبيعته القانونية
الفرع الأول : تعريف الرهن الحيازي العقاري
الفرع الثاني : الطبيعة القانونية للرهن الحيازي العقاري
المطلب الثاني : خصائص الرهن الحيازي العقاري
الفرع الأول : خصائصه بإعتباره حقا
الفرع الثاني : خصائصه بإعتباره عقدا
المبحث الثاني : تكوين الرهن الحيازي العقاري
المطلب الأول : أركان الرهن الحيازي العقاري
الفرع الأول : أطراف عقد الرهن الحيازي العقاري
الفرع الثاني : العقار المرهون
الفرع الثالث : الدين المضمون
المطلب الثاني : نفاذ الرهن الحيازي العقاري
الفرع الأول : الرسمية كخطوة أولية لقيد الرهن
الفرع الثاني : القيد
الفرع الثالث :الحيازة
الفصل الثاني : آثار الرهن الحيازي العقاري و انقضائه
المبحث الأول : آثار الرهن الحيازي العقاري
المطلب الأول : آثار الرهن الحيازي العقاري فيما بين المتعاقدين
الفرع الأول : التزامات المدين الراهن
الفرع الثاني : التزامات الدائن المرتهن
المطلب الثاني : آثار الرهن الحيازي العقاري بالنسبة للغير
الفرع الأول : الحق في الحبس
الفرع الثاني : حق الأفضلية
الفرع الثالث : حق التتبع
المبحث الثاني : التنفيذ على العقار المرهون حيازيا و انقضائه
المطلب الأول : التنفيذ على العقار المرهون حيازيا
الفرع الأول : بطلان شرط التملك عند عدم الوفاء و شرط البيع دون إجراءات
الفرع الثاني : إجراءات التنفيذ على العقار المرهون حيازيا
المطلب الثاني : انقضاء الرهن الحيازي العقاري
الفرع الأول : انقضاء الرهن الحيازي العقاري بصفة تبعية
الفرع الثاني : انقضاء الرهن الحيازي العقاري بصفة أصلية
تحديد و تقسيم:
نص المشرع الجزائري على الأحكام المشتركة لعقد الرهن الحيازي في المواد من 948 إلى 965 و أفرد بالنسبة للرهن الحيازي العقاري المواد من 966 إلى 968 من القانون المدني محيلا في بعض مواده إلى أحكام الرهن الرسمي.
لذلك سنتناول بالدراسة في هذا الفصل مفهوم الرهن الحيازي الوارد على العقار و تكوينه في المبحثين الآتيين :
• المبحث الأول: مفهوم الرهن الحيازي العقاري
• المبحث الثاني:تكوين الرهن الحيازي العقاري
المبحث الأول: مفهوم الرهن الحيازي العقاري :
أورد المشرع الجزائري بعض النصوص المتعلقة بالرهن الحيازي العقاري دون أن يعرف أو يحدد طبيعته بخلاف بعض التشريعات الأخرى(1) و ترك ذلك لاجتهاد الفقهاء.
و سنتناول بالدراسة تحت عنوان المبحث الأول : تعريف الرهن الحيازي العقاري و خصائصه في المطلبين التاليين :
• المطلب الأول: تعريف الرهن الحيازي العقاري و طبيعته القانونية.
• المطلب الثاني: خصائص الرهن الحيازي العقاري.
المطلب الأول : تعريف الرهن الحيازي العقاري طبيعته القانونية:
أورد المشرع الجزائري نصا واحدا عرف بموجبه الرهن الحيازي جاعلا منه مفهوما عاما على كل أنواع الرهن الحيازي(2) فلم يخص الرهن الحيازي العقاري بتعريف و لم يحدد طبيعته لذلك سنخصه بالدراسة في :
• الفرع الأول: تعريف الرهن الحيازي العقاري.
• الفرع الثاني:طبيعة الرهن الحيازي العقاري.
الفرع الأول: تعريف الرهن الحيازي العقاري.
نصت المادة 948 (3) من القانون المدني الجزائري على أن «الرهن الحيازي عقد يتلزم به شخص ضمانا لدين عليه أو على غيره ،أن يسلم إلى الدائن أو إلى أجنبي يعينه المتعاقدان شيئا يرتب عليه الدائن حقا عينيا يخوله حبس الشيء إلى أن يستوفي الدين و أن يتقدم الدائنين العاديين و التالين له في المرتبة في أن يتقاضى حقه من ثمن هذا الشيء في أي يد يكون».
و لعبارة الرهن ثلاث معان فقد يكون المقصود منه العقد الذي ينشأ عنه الحق العيني للمرتهن و قد يقصد منه الحق نفسه المتولد عن الرهن و قد يقصد منه الشيء المرهون الضامن للدين,
و الملاحظ أن المشرع الجزائري عند تعريفه للرهن الحيازي بأنه عقدا يكون بذلك قد غلّب فكرة العقد على فكرة الحق الذي ينشأ عن العقد.
(1) عرف المشرع اللبناني الرهن الحيازي العقاري في المادة 101 من قانون الملكية العقارية بأنه«عقد يضع بموجبه المديون عقارا في يد دائنه أو في يد عدل و يخول الدائن حق حبس العقار إلى يدفع له دينه تماما ،و إذا لم يدفع الدين فله الحق بملاحقته نزع ملكية المديون بالطرق القانونية»
(2) يلاحظ أن مقابل الرهن الحيازي في التشريع الفرنسي يسمى Nantissement فإذا ورد على عقار يسمى antichrèse و إذا ورد على منقول يسمى Gage تنص المادة 2027 مدني فرنسي.
«Le Nantissement d’une chose mobilière s’appelle gage, celui d’une chose immobilière s’appelle antichrèse »
(3) و تقابلها المادة 1096 من القانون المدني المصري
و قد يقال ردا على هذه الملاحظة أن كلمة«الرهن» في القانون تطلق على عقد الرهن كما تطلق على حق الرهن كما تطلق على الرهن نفسه أو على الشيء المرهون. و لكننا عندما نتكلم عن الرهن إنما ينصرف القصد إلى حق الرهن و ليس للعقد المنشئ له .و تستوحى هذه الملاحظة من عنوان الكتاب الرابع«الحقوق العينية التبعية» ،لذلك كان من الأولى تعريف الرهن الحيازي باعتباره حقاعلى أنه«حق عيني تبعي يقوم على نقل حيازة المال الذي يترتب عليه إلى الدائن المرتهن الذي يستطيع بمقتضاه حبس هذا المال حتى استيفاء حقه و تكون الأولوية على ثمنه في أي يد يكون ،فتخلي الراهن عن حيازة المال المرهون هي جوهر هذا الرهن و لذلك يطلق عليه اسم الرهن الحيازي»(1)
و الملاحظ في التشريع الجزائري أن التسليم لا يعتبر ركنا في العقد بل هو مجرد التزام يتولد من العقد بعد تمامه في ذمة المدين كون أن العقد ينعقد بمجرد تبادل الإيجاب والقبول دون حاجة إلى التسليم(2) حيث تنص المادة 948 من القانون المدني«الرهن الحيازي عقد يلزم به الشخص … أن يسلم إلى الدائن … شيئا ». وفي ذلك يتفق التشريع الجزائري مع التشريع المصري الجديد حيث كان القانون المدني المصري قبل تعديله يعتبر الرهن الحيازي عقد عينيا(3).
ولأن الضمان في الرهن الحيازي يقتضي تسليم الراهن الشيء المرهون لدائنه المرتهن فإن المشرع الجزائري بموجب المادة 966 من القانون المدني قد ألزم الراهن في الرهن الحيازي الوارد على العقار بأن يسلم العقار المرهون إلى الدائن الدائن المرتهن أو إلى شخص يرتضيه المتعاقدان
و ذلك لنفاذه في حق الغير و ليترتب الحق العيني الذي يعطي للدائن المرتهن حق حبس العقار المرهون إلى غاية استيفاء دينه تماما ،و حق التقدم على غيره من الدائنين العاديين و الداتئين التالين في المرتبة في استفاء حقه من ثمن المرهون في أي يد يكون.
و بناءا علي كل ما سبق و استنادا للتعريف الوارد بالمادة 948 من القانون المدني نعرف الرهن الحيازي الوارد على العقار بأنه حق عيني على عقار يضعه المدين في يد دائنه أو في يد شخص يتفق عليه المتعاقدان، ضمانا للوفاء بدين الدائن و يخول هذا الأخير حق حبس العقار إلى أن يدفع له دينه كاملا، وفي حال عدم الدفع حق له التنفيذ على العقار بالطرق القانونية و استيفاء دينه من ثمنه بالأفضليــة على غيره من الدائنين العاديين و الدائنين التاليين له في المرتبة في أي يد يكون(4) .
(1)- د/- محمود جلال الدين زكي : نفس المرجع السابق – ص 359
(1) بخلاف المشرع الفرنسي الذي يعتبر التسليم ركنا في العقد
(2) – د/- عبد الرزاق أحمد السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني –الجزء 10 في التأمينات الشخصية و العينية – دار النهضة العربية – القاهرة –الطبعة الثانية – 1994 ص 859
(3)« L’antichrèse est un nantissement immobilier. Le constituant se dessaisit, au profit du créancier de l’immeuble qu’il lui donne en garentie, et c’est le créancier qui perçoit les fruits avec obligation de les imputer d’abord sur les intérêts de la créance, puis sur le capital ». H.Mazeaud – J. Mazeaud – F.Chabas – Op.cit-p174.
الفرع الثـــاني: الطبيــعة القانونيــة للرهن الحيــازي العقاري:
يعتبر الرهن الحيازي العقاري نوع من الضمان الذي يهدف إلى تأمين الدائن من خطر عدم الوفاء بالدين بحبس العقار إلى حين استيفاء الدين، فتخوله في حال امتناع المدين أو عجزه عن الوفاء بالمطالبة ببيع العقار المرهون بالطرق القانونية و استيفاء دينه من ثمنه بالأفضلية على غيره من الدائنين العاديين و التالين له في المرتبة و هو ما تشير له المادة 948 من القانون المدني.
لذلك يعتبر من عقود الضمان(1) و هو عقد ضمان عيني على العقار المرهون و يفترض دائما وجود دين يضمنه سواء كان هذا الدين سابقا لعقد الرهن أو معاصرا له، و هو لا يوجد مستقلا، بل يتبع دائما نشوء الدين المضمون به، بحيث يكون هناك تقابل بين نشوء الدين و نشوء الرهن فيجعل كلا منهما سببا للآخر.
المطلب الثــــاني: خصائــص الرهن الحيـــازي العقــاري:
انطلاقا من أن الرهن يطلق على حق الرهن كمـا يطلق على العقد فنبين خصائصه باعتباره حقا ثم باعتباره عقدا في الفرعين التاليين:
• الفرع الأول: خصائصه باعتباره حقا.
• الفرع الثاني: خصائصه باعتباره عقدا.
الفرع الأول: خصائص الرهن الحيـازي العقاري باعتباره حقا:
يتميـز الرهن الحيازي العقاري باعتباره حقا بالخصائص التالية:
أولا: ينشأ الرهن الحيازي الوارد على العقار بواسطة عقد مثله مثل باقي أنواع الرهن الحيازي مثل
الرهن الرسمي. ولا ينشأ بنص القانون كالامتياز و لا بحكم قضائي كحق التخص.
ثانيـا: يعتبر حق عيني عقاري لأنه يخول الدائن سلطة مباشرة على العقار المرهون فيخوله الحق في حبسه إلى أن يدفع له دينه. كما يستطيع في حال عدم الدفع التنفيذ عليه و آستيفاء دينه من ثمنه بالأفضلية على غيره من الدائنين العاديين و الدائنين المرتهنين التالين له في المرتبه في أي بد يكون (2) .
و هو كغيره من الحقوق العينية العقارية طبقا للمادة 966 من القانون المدني يخضع للقيد في السجل العقاري، و لا يكون نافذا إلا من تاريخ هذا القيد، و على هذا فإن الحقوق العينية المكتسبة على العقار المرهون و المسجلة قبل تسجيل الرهن تكون ملزمة للدائن المرتهن.
ثالثا: هو حق عيني تبعي ذلك أنه يوجد لضمان حق آخر هو الدين المضمون به فيقوم بقيام هذا الدين و يتبعه في وجوده و عدمه فيبطل ببطلانه و ينقضي بانقضائه . فإذا تقرر بطلان الدين المضمون بطل الرهن تبعا لذلك، و إذا انقضى الدين المضمون بالوفاء أو بغيره انقضى الرهن تبعا له.
(1)-آ/حسن عبد اللطيف حمدان: لتأمينات العينية- الطبقة الأولى –الدار الجامعية بيروت بند 96- صفحة 142
(2) أ/حسن عبد اللطيف حمدان – نفس المرجع السابق ص 1135 بند 90
و قد أحال المشرع الجزائري بمقتضى المادة 950 على المادة 893 من القانون المدني المتعلقة بالرهن الرسمي و التي تنص على أنه «لا ينفصل الرهن عن الدين المضمون بل يكون تابعا له في صحته و في انقضاضه ما لم ينص القانون على خلاف ذلك».
و بذلك يجوز للراهن أن يتمسك في مواجهة المرتهن بكل الدفوع التى تؤثر في وجود الحق المضمون، و إذا كان الراهن غير المدين أي الكفيل العيني جاز له فوق تمسكه تجاه المرتهن بالدفوع التى تؤثر في صحة الرهن كنقص الأهلية، أو عيوب الرضا أن يتمسك بها للمدين من الدفوع المتعلقة بالدين ولو نزل عنه المدين (1) .
هذا و إن الإلتزام الأصلي الذي يضعه الرهن الحيازي يصح أن يكون محله كما هو الغالب مبلغ من النقود، و لكن يصح أيضا أن يكون محله التزام بعمل أو الإمتناع عن عمل أو نقل حق عيني.
كما يصح أن يكون الإلتزام الأصلي مقرونا بأجل أو معلق على شرط و عند ذلك يكون الرهن الحيازي ذاته مقرونا بنفس الأجل أو معلق على نفس الشرط (2) .
وقد يضمن الرهن الحيازي التزاما أصليا و هو التزام مستقبلي أو احتمالي كالالتزام الناتج عن فتح اعتماد. وقد نصت المادة 891 من القانون المدني و التي تنطبق على الرهن الحيازي بموجب المادة 950 من نفس القانون « يجوز أن يترتب الرهن ضمانا لدين معلق على شرط أو دين مستقبلي أو دين احتمالي كما يجوز أن يترتب ضمانا لاعتماد مفتوح أو لفتح حساب جار على أن يتحدد في عقد الرهن مبلغ الدين المضمون أو الحد الأقصى الذي ينتهي إليه هذا الدين».
و يتخذ الرهن صفة الدين المضمون فإذا كان الدين تجاريا اعتبر الرهن تجاريا أيضا و في هذه الحالة تكون المنازعات الخاصة به من اختصاص القسم التجاري بالمحكمة (3).
رابعا: يعتبر كذلك حق لا يتجزأ مع أن المشرع الجزائري لم ينص بشأن الرهن الحيازي على ذلك لا صراحة و لا بالإحالة على أحكام الرهن الرسمي (4) إلا أنه لا يوجد ما يمنع تطبيقها على الرهن الحيازي عموما ما في ذلك الرهن الحيازي العقاري.
لأن عدم التجزئة مرتبط بالضمان وهي خاصة تقررت لصالح الدائن المرتهن لتدعيم الإئتمان.
و عدم التجزئة يعني أن كل جزء من العقار المرهون ضامن لكل الدين، و أن كل جزء من الدين مضمون بالعقار كله، غير أن عدم قابلية الرهن للتجزئة قد تستبعد باتفاق الأفراد على تجزئة الرهن، وفي حال عدم وجود الإتفاق يفترض أن الأطراف أرادوا عدم التجزئة.
(1) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري – نفس المرجع السابق ص 864
(2) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري – نفس الموضع
(3) أ/حسن عبد اللطيف حمدان –نفس المرجع السابق –ص 136
(4) في القانون المصري أحالت المادة 1098على أحكام المادة 1041 المتعلقة بعدم تجزئة الرهن الرسمي ، وفي القانون المدني الفرنسي نصت المادة 2083 على عدم التجزئة صراحة
و بما أن القاعدة تقررت لمصلحة فإنه يجوز للدائن المرتهن بعد انعقاد الرهن أن يتنازل عن حقه في عدم تجزئة الرهن.
و إذا مات المدين الراهن فليس لأحد الورثة أن يدعي أن الجزء من العقار الذي ورثه قد تخلص من الدين، و إذا مات الدائن المرتهن فليس لأحد ورثته أن يسلم العقار المرهون إلى المدين الراهن بدعوى أنه قد استوفى حصته ما دام أن باقي الورثة لم يستوفوا حصصهم (1).
الفرع الثاني: خصائص الرهن الحيازي العقاري باعتباره عقــدا:
يتميز الرهن الحيازي العقاري بوصفه عقدا بالخصائص التــالية:
أولا: أنه يعتبر عقد شكلي أو رسمي يلزم توثيقه ذلك أن المادة 12 من قانون التوثيق الصادر بموجب الأمر 70-91 تنص بأن العقود التي تتضمن نقل حقوق عقارية يجب تحت طائلة البطلان أن تحرر في شكل رسمي. و لم يفرق قانون التوثيق بين نقل الحقوق العقارية الأصلية و التبعية ففي الحالتين يلزم التوثيق(2).
بينما الرهن الحيازي العقاري في القانون المصري هو عقد رضا ئي لا يشترط لانعقاده شكل خاص(3)
و يعتبر التسليم أثر للعقد لا شرط لانعقاده.و هو في القانون الفرنسي(4).و اللبناني عقد عيني يشترط لانعقاده أن يتم تسليم العقار المرهون للدائن طوال فترة العقد.
ثانيـا: أنه عقد ضمان عيني فهو من عقود الضمان لكونه يسعى لضمان استيفاء الدائن المرتهن لحقه من دخل العقار المرهون.
ثالثا:عقد ملزم لمجانبين(5). حيث يلتزم الدائن المرتهن بالمحافظة على العقار المرهون و استثماره و رده عند انقضاء الرهن، و تقديم حساب عن ذلك، أما المدين الراهن فيلتزم بتسليم العقار المرهون إلى الدائن المرتهن.
رابعا: أنه عقد بمقابل لأن الراهن لا يتبرع بالرهن بل يقدمه في مقابل ما يحصل عليه من مال أو أجل و لأن الدائن المرتهن لا يقرض المدين أو يمنحه أجل إلا مقابل الرهن الذي يوفر له الضمان.
(1) أ/حسن عبد اللطيف حمدان –نفس المرجع السابق –ص 137
(2) د/-محمد حسنين –الوجيز في التأمينات الشخصية و العينية في القانون المدني الجزائري – المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائري –سنة 1986-ص 101
(3) د/ محمد جمال الدين زكي –نفس المرجع السابق ص 359
(4) H.Mezeaud. J.Mazeaud .F Chabas . op.cit.p 176
(5) أما القوانين التي تعتبر التسليم ركن في العقد فإن العقد يعتبر ملزم لجانب واحد.
المبحث الثانـــي:تكويــن الرهن الحيــازي العقاري:
يخضع الرهن الحيازي العقاري باعتباره عقد للمبادئ العامــة في نظرية العقد من ضرورة توافر تراضي طرفيه و محل و سبب التزام كليهما.
و يتضمن تكوين الرهن الحيازي العقاري على الأركان التي يقوم عليها من أطراف عقد الرهن و العقار المرهون و هو المحل الذي ينصب عليه العقد و الإلتزام المضمون الذي من أجله أنشئ الرهن و لا يكفي أن ينشأ الرهن الحيازي العقاري صحيحا بين المدين الراهن و الدائن المرتهن بل يجب أن يكون نافذا في مواجهة الغير للإحتجاج به.
و سندرس ذلك في المطلبين الآتيين:
المطلب الأول: أركان الرهن الحيازي العقاري.
المطلب الثاني: نفاذ الرهن الحيازي العقاري.
المطلب الأول: أركان الرهن الحيازي العقاري:
من خصائص الرهن الحيازي العقاري أنه ينشأ عن عقد لذلك وجب توافر أركانه. و بذلك نصت المادة 948 من القانون المدني على أن الرهن الحيازي هو عقد.و نصت المادة 949 من نفس القانون على انه لا يجوز أن يكون محلا للرهن الحيازي إلا ما يمكن بيعه استقلالا بالمزاد العلني.
و أحالت المادة 950 من القانون المدني إلى أحكام الرهن الرسمي فيما يخص الإلتزام المضمون بالرهن و هو السبب في العقد.
و سنأتي على شرح ذلك تباعا في الفروع التالية:
الفرع الأول: أطراف عقد الرهن الحيازي العقاري.
الفرع الثـاني:العقار المرهون.
الفرع الثالث: الدين المضمون.
الفرع الأول: أطراف عقد الرهن الحيازي العقاري:
تنص المادة 948 من القانون المدني على ما يأتي«الرهن الحيازي عقد يلتزم به شخص ضمانا لدين عليه أو على غيره…». و بذلك فإن طرفا العقد هما الراهن و المرتهن و هذا الأخير هو دائن يريد بالرهن ضمان الوفاء بحقه أما الراهن فقد يكون مدينا أو قد يكون كفيلا عينيا.
و لا داعي للخوض في ركن الرضا و ما يستلزمه من تطابق الإرادتين ،وخلوهما من العيوب حيث يطبق في شأنها القواعد العامة.
و المهم هو أن يكون الراهن مالكا للعقار المرهون و أن يكون أهلا للتصرف فيه هذان الشرطان لم ينص عليهما المشرع الجزائري عندما عالج أحكام الرهن الحيازي لاصراحة و لا بالإحالة على أحكام الرهن الرسمي.فقد نص في المادة 884 من القانون المدني على ما يلي «يجوز أن يكون الراهن هو المدين نفسه أو شخصا آخر يقدم رهن لمصلحة المدين.
و في كلتا الحالتين يجب أن يكون الراهن مالكا للعقار المرهون و اهلا للتصرف فيه»
فهل يعني ذلك أن الراهن في الرهن الحيازي للعقار لا يتقيد بشرطي الملكية و الأهليـــة؟
إن القول بهذا يؤدي لعدم انسجام الرهن بالأهداف التى يرمي إليها من حماية مصلحة الدائن المرتهن من تصرفات الراهن. و على المشرع أن يتدارك ذلك بالنص عليهما أو بالإحالة لأحكام المادة 884 من القانون المدني، لكن لا يمنع عدم النص على شرطي امتلاك الراهن للشيء المرهون و توافر الأهلية اللازمة من تطبيق نص المادة المادة 884 مدني المتعلقة بالرهن الرسمي عن طريق القياس.
وسنتناول بالدراسة الأهلية تحت عنوان هذا الفرع و ما يطرأ عليها و نرجئ دراسة شرط الملكية إلى الفرع الثاني.
أولاً: الأهلية(1):
قبل أن نتطرق لأهلية المتعاقدين نشير أولا أن الأهلية مراتب: أهلية إدارة، أهلية تصرف و أهلية تبرع. فكل تصرف في أصل الشيء هو من أعمال التصرف، و كل تصرف في ثمارالشيء هو من أعمال الإدارة.
و التصرف له معنيان إما نعني به التصرفات الدائرة بين النفع و الضرر، أو التصرفات الضارة ضررا محضا أي يقصد به التبرع. و أن من توفرت فيه أهلية الإدارة قد لا يكون له غيرها، و من كانت له أهلية التصرف كانت له أهلية الإدارة. و على هذا قد يتطلب القانون أهلية في الراهن لا يتطلبها في المرتهن وأهلية يتطلبها في الراهن غير المدين دون أن يشترطها في المدين الراهن.
1 –أهلية الراهن : في أغلب الأحيان يكون هو نفسه المدين الذي يرهن عقاره رهن حيازة تأمينا لقرض حصل عليه أو لأي التزام آخر ثبت في ذمته وقد يكون الراهن غير المدين الذي يرهن عقاره ضمانا لالتزام ليس في ذمته هو بل في ذمة شخص آخر يقوم مقامه و يسمى في هذه الحالة الكفيل العيني.
أ-أهلية المدين الراهن: يعتبر الرهن الحيازي عملا من أعمال التصرف لذلك يجب أن يكون الراهن أهلا للتصرف في المال المرهون، و بالنسبة للمدين الراهن يعتبر الرهن الحيازي العقاري تصرفا دائرا بين النفع و الضرر إذ أن المدين الراهن لا يتبرع برهن عقاره بل يبغي من وراء رهنه الحصول على موعد أو مد أجل الدين أو بوجه عام ضمان التزامه و على ذلك يجب أن يكون بالغا سن الرشد غير محجوز عليه(2).
(1) تكتمل الأهلية طبقا للمادة 40 من القانون المدني ببلوغ سن الرشد المحدد يتسعة عشر سنة كاملة مع التمتع بالقوى العقلية و عدم الحجر.
(2)- د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري- نفس المرج السابق- ص 882
و بذلك فإن العقد الذي يبرمه الصبي غير المميز و من في حكمه كالمجنون و المعتوه(1) يكون باطلا بطلانا مطلقا. أما العقد الذي يبرمه الصبي المميز أو من كان سفيها أو ذا غفلة (2) يكون قابلا للإبطال.
و يعود الحق في طلب الإبطال إلى الراهن بعد اكتمال أهليته أو لممثله الشرعي قبل ذلك أو لورثته من بعده،ويسقط الحق في إبطال الرهن الحيازي العقاري بالتقادم فيصبح الرهن صحيحا بأثر رجعي من وقت نشوئه و يحتج به على من كسب حقا عينيا على العقار المرهون كدائن مرتهن آخر كسب حقه بعد نفاذ الرهن الأول ولو كان ذلك قبل تمام التقادم (3)
و حق الإبطال مقرر لمصلحة الراهن فلا يحق للمرتهن التمسك به إلا أنه يمكن لدائن المدين الراهن التمسك بالبطلان النسبي عن طريق الدعوى غير المباشرة.
و ليس للقاصر المأذون له بالإدارة أن يرهن لأن له مجرد أعمال الإدارة أما القاصر المأذون له بالتجارة فإن الرهن الصادر عنه يعتبر صحيحا و نافذا. ذلك أن أعمال القاصر المميز المأذون له بإدارة أمواله تكون ممارسته للأعمال الإدارية المحضة صحيحة أما ممارسته لأعمال التصرف قابلة للإبطال و ممارسته للأعمال التبرعية باطلا بطلانا مطلقا(4).
ب- أهلية الكفيل العيني: في هذه الحالة ينعقد الرهن الحيازي بين الدائن المرتهن و المدين الراهن الذي هو كفيل عيني و إلى جانبهما يوجد المدين هذا الأخير ليس طرفا في عقد الرهن بل طرفاه هما الدائن المرتهن و الراهن أي الكفيل العيني و ما المدين إلا شخص أجنبي عن الرهن الحيازي العقاري و قد ثبث في ذمته الدين الأصلي الذي يضمنه العقار المرهون.
و بذلك فإن الرهن الحيازي العقاري بالنسبة للكفيل العيني تختلف الأهلية المطلوبة فيه باختلاف نوع التصرف الذي قام به، فإذا كان بالمقابل فلا يطلب منه إلا التمتع بأهلية التصرف، أما إذا كانت كفالته تبرعية فيجب أن تكون للمدين أهلية التبرع. لأن التصرف هنا من التصرفات الضارة ضررا محضا(5)، ومن ثمه إذا كان الكفيل العيني قاصرا، مميز، أو غير مميز، أو كان محجور عليه ولولسفه أو غفلة و رهن ماله ككفيل عيني كان الرهن باطلا لا قابلا للإبطال.
(1)- تنص المادة 42 من القانون المدني بعد التعديل الأخير للقانون المدني بموجب القانون 05-10 المؤرخ في 20 يونيو سنة 2005 المعدل و المتمم للأمر 75/58 المتضمن القانون المدني المعدل و المتمم«لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقدا التمييز لصغر في السن، أو عته، أو جنون».
يعتبر غير مميز من لم يبلغ ثلاث عشرة سنة حيث أصبح سن التميز 13 سنة بدلا من 16 سنة.
(2)- تنص المادة 43 من القانون المدني دائما بعد التعديل الجديد للقانون المدني بنفس القانون«كل من بلغ سن التمييز و لم بيلغ سن الرشد و كل من بلغ سن الرشد و كان سفيها أو ذا غفلة يكون ناقص الأهلية وفقا لما يقرره القانون» و الملاحظ أن بعد التعديل صحح المشرع الخطأ الذي كان واردا بالنص القديم حيث كان يستعمل المشرع لفظ معتوه و قرر أنه ينقص الأهلية بينما العته يعدم الأهلية و حسنا فعل فالأصح هو لفظ ذا الغفلة مع الإشارة أن النص الفرنسي صحيح لإستعماله لفظ «Frappé d’imbécillité»
(3) د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري- نفس المرج السابق- ص883
(4) أ/العربي بن قسمية – نظام الرهن الحيازي الوارد على الديون العادية في التشريع الجزائري- بحث لنيل شهادة الماجستير في القانون – جامعة الجزائر كلية الحقوق – السنة الجامعية 2000-2001 – ص 26
(5) أ /حسين عبد اللطيف حمدان – نفس المرجع السابق – ص 149 وعبد الرزاق أحمد السنهوري – نفس المرجع السابق ص883
2-أهلية الدائن المرتهن: لا تختلف الأهلية في المرتهن عن الأهلية المطلوبة في الراهن، ذلك لأن الرهن الحيازي يرتب على المرتهن التزاما بصيانة العقار المرهون و المحافظة عليه و بإدارته و استثماره وخصم الغلة من الدين المضمون طبقا للمادبين 955 و 956 و 968 من القانون المدني، و هو ما يـفترض فيه أن يكون أهلا للتصرف أي بالغا سن الرشد غير محجور عليه لأن الرهن الحيازي فيه معنى استيفاء الدين(1) .
و من ثمه يكون الرهن الحيازي العقاري بالنسبة للدائن المرتهن عقدا دائرا بين النفع و الضرر. و عليه إذا كان الدائن المرتهن ناقص الأهلية كالصبي المميز فإن الرهن يكون قابلا للإبطال بناءا طلبه بعد بلوغه سن الرشد أو بناءا على طلب ممثله الشرعي أو ورثته من بعده.
أما إذا كان الدائن المرتهن عديم الأهلية كالمجنون و المعتوه والصغيرغير المميز فإن الرهن يكون باطلا بطلانا مطلقا.
و يستوي في ذلك أن يكون الدائن المرتهن قد تعاقد مع المدين الراهن أو تعاقد مع راهن غير المدين أي تعاقد مع الكفيل العيني.
ثانيــاً: النيــابة :
طبقا للقواعد العامة فإن من يقوم بعمل لحساب نفسه يجب أن تتوفر فيه الأهلية للقيام بهذا العمل و انه إن قام به لحساب غيره يجب أن تكون له السلطة و الولاية للقيام به. و النيابة قد تكون بحكم القانون و قد تكون اتفاقية
1-النيابة القانونية: فإذا كان المدين الراهن قاصرا غير مميز و من في حكمه كالمجنون و المعتوه و القاصر المميز و من في حكمه كالمحجور عليه لسفه أو غفلة(23) يجوز أن ينوب عنهما الولي أو الوصي أو القيم في ابرام عقد الرهن باعتباره تصرفا دائرا بين النفع و الضرر.
أما إذا كان الرهن الذي يعقده الولي أو الوصي أو القيم بالنيابة عن القاصر أو المحجوز عليه ضمانا لدين على غير القاصر أو المحجور عليه أي بأعتبار هذا الأخير كفيلا عينيا فإن الرهن يقع باطلا بطلانا مطلقا ولو كان بإذن المحكمة، فليس للمحكمة أن تأذن به لأن الرهن في هذه الحالة يعتبر من أعمال التبرع و النائب لا يستطيع التبرع بمال من هو تحت ولايته.
حيث أن المادة 88/1 من قانون الأسرة تنص على أن الولي يجب أن يكون حريصا على مال من هو تحت ولايته و ليس من الحرص إنشاء رهن لضمان دين الغير أي على سبيل التبرع.
(1) د/ محمود جمال الدين زكي –نفس المرجع السابق ص 367 و أيضا أ /حسين عبد اللطيف حمدان نفس المرجع السابق ص 154 و د/عبد الرزاق أحمد السنهوري – نفس المرجع السابق ص 873
(2) تنص المادة 44 من القانون المدني على أنه«يخضع فاقدوا الأهلية أو ناقصوها ،بحسب الأحوال لأحكام الولاية ،أو الوصاية ،أو القوامة ، ضد الشروط ووفقا للقواعد المقررة في القانون»
و تشترط الفقرة الثانية من نفس المادة طلب الإذن من القضاء في التصرفات الدائرة بين النفع و الضرر التي يعقدها الولي كالبيع و الإيجار و أن يراعي القاضي في هذا الإذن حالة الضرورة و المصلحة حسب المادة 80 من قانون الأسرة فإن كان القانون يشترط الإذن و في حالة الضرورة في بعض التصرفات المحددة حصرا في المادة 88 في فقرتها الثانية من قانون الأسرة فإنه من باب أولى أن لا تصح الكفالة العينية التي يعقدها الولي على مال القاصر أو المحجور عليه(1).
2- الوكالـــة: يجوز أن يعقد الشخص رهنا حيازيا على العقار بواسطة نائب اتفاقي على أن تكون الوكالة خاصة، سواء كانت صادرة عن الراهن أو المرتهن و ذلك طبقا للمادة 574 من القانون المدني في فقرتها الأولى تنص على أنه «لا بد من وكالة خاصة في كل عمل ليس من أعمال الإدارة لا سيما في البيع والرهن و…» و بذلك تكون هذه المادة قد أخرجت الرهن من أعمال الإدارة و كيفته على أنه من أعمال التصرف.
و إذا كانت الوكالة صادرة عن كفيل عيني يجب أن تكون الوكالة وكالة خاصة لعمل من أعمال التبرع يبين فيها المال المرهون بيانا كافيا نافيا للجهالة. بأن يكون التوكيل الخاص الصادر من الكفيل العيني مذكورا فيه العقار المراد رهنه و الدين الذي يرهن العقار ضمانا للوفاء به.و إلا كان التوكيل باطلا لأن الوكيل يقوم بعمل من أعمال التبرع.
ثالثـاً: إجازة عقد الرهن الحيازي العقاري:
سبقت الإشارة إلى أن عقد الرهن الحيازي العقاري يعتبر من العقود الدائرة بين النفع و الضرر بالنسبة للمدين الراهن و الدائن المرتهن و على ذلك يجب توافر أهلية التصرف. فإن كان أحدهما أو كلاهما قاصرا فيكون العقد صحيحا لكن يكون قابلا للإبطال و يبقى كذلك مهددا بالإبطال حتى ترد عليه الإجازة. كما يمكن أن يزول التهديد بالإبطال بسقوط الحق في ذلك بالتقادم المسقط الذي نصت عليه المادة 101 من القانون المدني(2) و هي 5 سنوات. و يكون الحق في الإجازة للأشخاص التالية:
1-القاصر عند البلوغ و لوكيل عنه بوكالة خاصة طبقا للمادة 100 من القانون المدني(3).
2- الولي أو الوفي أو الجد طبقا للمادة 83 من قانون الأسرة أما بالنسبة للجد فلم تشر إليه المادة لكن يستفاد من نص المادة 92 من نفس القانون التي تنص على أنه «يجوز للأب أو الجد تعيين وصي لولده القاصر» و بما أن للولي حق الإجازة بنص المادة 83 الذي قد يقع تعيينه من الجد فإنه من باب أولى أن يثبث هذا الحق للجد.
(1) أنظر في ذلك أ/إبراهيم بن غانم – نظام الرهن الحيازي الوارد على المنقول في التشريع المدني و التجاري الجزائري –بحث لنيل شهادة الماجستير في العقود و المسؤولية – جامعة الجزائر – معهد العلوم القانونية و الإدارية جانفي 1985 – صفحة 21 و أ/العربي بن قسمية – نفس المرجع السابق – ص 29-30 – هامش رقم 7
(2) وفقا للتعديل الأخير للقانون المدني القانون 05-10 المؤرخ في 20يونيو 2005 المعدل و المتمم للأمر 75/58 في 26 سبتمبر 1975 عدلت المادة 101 من القانون المدني لتصبح مدة التقادم 5 سنوات بدلا من 10 سنوات حيث كان يعاب على المدة السابقة طوال هذه المدة التي يضر بالدائن الذي يظل تصرفه مهدد طول هذه المدة مع الإشارة أن المشرع المصري حددها ب3 سنوات في المادة 140 مدني مصري
(3) تنص المادة 100 من القانون المدني الجزائري على أنه«يزول حق إبطال العقد بالإجازة الصريحة أو الضمنية تستند الإجازة إلى التاريخ الذي تم فيه العقد ،دون إخلال بحقوق الغير»
رابعـاً : المنع من التصرف:
قد يكون المنع من التصرف مصدره القانون و ذلك ما نصت عليه المادة 244 من القانون التجاري التي تمنع التاجر بمقتضاها في حالة توقفه عن الدفع وشهر افلاسه إدارة أو التصرف في أمواله و قد حددت المادة 247 من القانون التجاري الأعمال التي تهدف إلى الإضعاف من الضمان العام لمجموعة الدائنين و جعلها غير سارية في حقهم و من بينها تقرير حقوق الرهن على بعض أمواله.
ولا يقتصر الأمر على شخص التاجر بل يشمل أيضا غير التاجر مثلما نصت عليه المواد 191 و 196 في فقرتها الأولى من القانون المدني التي جعلت تصرفات الأشخاص المعسرين غير سارية في اتجاه مجموعة الدائنين متى كانت قد أبرمت في فترة الإعسار.
أما كون المنع من التصرف مصدره الاتفاق أو الإرادة المنفردة فإن المشرع الجزائري على عكس التشريعات العربية(1) التي أقرت شرط المنع من التصرف بشرط أن يكون له باعث مشروع أو مقصور على مدة معقولة و يثير سكوت المشرع على مثل هذا الشرط غموضا لا يفهم منه إن كان يأخد بهذا الشرط أم لا. و يرى في هذا الشأن الأستاذ أحمد وحيد الدين سوار أن إغفال النص على هذا الموضوع و السكوت عليه يفيد بأن المشرع يريد الأخذ بما انتهى إليه الفقه الإسلامي الذي يقر هذا الشرط(2).
و السؤال الذي يطرح هو: ما هو أثر المنع في أهلية الراهن، هل يؤدي لاعتبار الراهن عديم الأهلية، فيقع الرهن الذي قرره باطلا؟
لا يترتب على ذلك زوال التصرف و إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كان عليها قبل العقد، بل هو نوع من عدم نفاذ التصرف في حق جماعة الدائنين مع بقائه صحيحا بين المفلس و من تصرف إليه. فتوقف التاجر عن الدفع أو شهر إفلاسه لا يؤثر في أهليته في إبرام الرهن و لا يجعل الرهن باطلا، إنما يجعله غير نافذ في حق جماعة الدائنين(3).
فالمنع من التصرف سواء كان مصدره الإتفاق أو القانون لا يؤثر في أهلية المالك لأن الذي يؤثر في الأهلية هو العارض الذي يؤثر في التمييز فيعدمه أو ينقص منه، و عوارض الأهلية حددها القانون في الجنون و العته و السفه و الغفلة، أما المنع من التصرف فليس بعارض يعيب الشخص في تمييزه فيؤثر في أهليته لأن الشخص يكون كامل الأهلية فتنشأ ظروف تفرض منعه من التصرف بمال يملكه. ثم لو فرضنا أنه يؤثر في أهلية المالك فمعنى ذلك أنه يمكن أن ينوب عنه نائب يباشر عنه حقه الممنوع و هذا يهدد الحكمة من قيام هذا الشرط(4).
(1) نصت المادة 823 مدني المصري«إذا تضمن العقد أو الوصية شرط يقضي بمنع التصرف في مال فلا يصح هذا الشرط ما لم يكن مبنيا على باعث مشروع أو مقصور على مدة معقولة»
(2) أشار لهذا الرأي أ/إبراهيم بن غانم – نفس المرجع السابق – ص 28
(3) أ/حسين عبد اللطيف حمدان – نفس المرجع السابق – ص 87
(4) أ/حسين عبد اللطيف حمدان – نفس الموضع
الفرع الثاني: العقار(1) المرهون:
العقار و هو محل الرهن الحيازي و في ذلك تنص المادة 949 (2) من القانون المدني«لا يكون محلا للرهن الحيازي إلا ما يمكن بيعه استقلالا بالمزاد العلني من منقول أو عقار» و يلاحظ على هذا النص أن المشرع إقتصر فيه على ذكر شرط واحد وهوأن يكون الشئ المرهون مما يمكن بيعه استقلالا بالمزاد العلني و لم يتطرق إلى شرطي التعيين الكافي للعقار و الملكية أسوة بالرهن الرسمي.
و لمزيد من التفصيل سنتعرض بالدراسة إلى للشروط التالية:
أولاً: يجب أن يكون العقار قابلا للبيع:
و مفاد هذا الشرط ألا يكون خارجا من دائرة التعامل بحكم القانون طبقا للمادة 682 من القانون المدني، و على ذلك لا يمكن رهن العقار المصنف ضمن الأملاك العامة لأنه لا يمكن التصرف فيه.و الحكمة من اشتراط كون العقار قابلا للبيع بالمزاد العلني هو تمكين الدائن المرتهن في حال عدم الوفاء بالدين في بيع العقار المرهون و استيفاء دينه من ثمنه(3).
فإذا كان العقار غير جائز التعامل فيه فإنه يتعذر التنفيذ عليه و بيعه بالمزاد العلني فتتعطل بذلك الغاية من الرهن.
و لذلك لا يجوز إنشاء الرهن على العقارات التي لا تقبل البيع كالعقارات التابعة لأملاك الدولة أو العقارات الموقوفة. و لما كانت قابلية العقار المرهون للبيع بالمزاد العلني شرط في المال المرهون فإن إنشاء الرهن على العقارات بالتخصيص(4) غير جائز، و ذلك برهنها مستقلة عن العقار الذي خصصت له، أما إذا كان هذا العقار غير مرهون جاز للمالك أن يفصل العقارات بالتخصيص و يرهنها مستقلة رهن حيازي.و إذا كان العقار الأصلي قد رهن رسميا و رهن العقار بالتخصيص رهنا حيازيا كان لمرتهن العقار رهنا رسميا أن يتتبع العقار بالتخصيص مالم يتسلمه المرتهن.
ثانيـاً: يجب أن يكون العقار معينا تعينا كافيا:
لم يرد ضمن أحكام الرهن الحيازي نص على وجوب تعيين العقار المرهون كنص المادة 886 من القانون المدني المتعلقة بالرهن الرسمي، حيث جاء في المادة 886 «… و يجب أن يكون العقار المرهون…معينا بالذات تعيينا دقيقا…». و هذا الحكم يقرر مبدأ تخصيص الرهن من حيث العقار المرهون، و الهدف من تقرير التخصيص هو القضاء على الرهن العام الذي يرد على أموال المدين برهن كل عقاراته لكن مع تخصيص كلا منها. فيذكر في عقد الرهن الحيازي كل عقار يرهنه بالذات(5) .
(1) عرف المشرع الجزائري العقار بنص المادة 683/1 قانون مدني«كل شيء مستقر بحيزه و ثابت فيه و لا يمكن نقله معه دون تلف فهو عقار ، و كل ما عدا ذلك من شيء فهو منقول»
(2) تقابلها المادة 1097 من القانون المدني المصري
(3) أ/ حسين عبد الطيف حميدان – نفس المرجع السابق ص 156
(4) عرف المشرع الجزائري العقار بالتخصيص بنص المادة 683/2 قانون مدني«غير أن المنقول الذي يضعه صاحبه في عقار يملكه ،رصدا على خدمة هذا العقار أو استغلاله يعتبر عقارا بالتخصيص»
(5) أ/ محمدي سليمان – مجموعة محاضرات ألقيت على طلبة الليسانس – السنة الثالثة كلية الحقوق و العلوم الإدارية –بن عكنون- الجزائر السنة الدراسية 2000- 2001
و تعيين العقار يجب أن يكون دقيقا من حيث طبيعته و موقعه و في ذلك تنص المادة 93 في فقرتها الخامسة من المرسوم 63-76 المتعلق بتأسيس السجل العقاري اشترطت تعيين العقار طبقا للمادة 66 من نفس المرسوم التي نصت على مايلي «كل عقد أو قرار قضائـي موضوع إشهار في محافظة عقارية يجب أن يبين فيه بالنسبة لكل عقار يعينه النوع و البلدية التي تقع فيها و تعيين القسم و رقم المخطط و المكان المذكور…».
و إذا أغفل أحد البيانات و لم يمنع هذا من اعتبار العقار معينا تعينا دقيقا فلا أثر لهذا الإغفال، إذ الفكرة بتعيين العقار. و التعيين هو من طبيعة الرهن الحيازي لأن الرهن لا ينفذ في حق الغير إلا بتسليم العقار المرهون و بقيده في السجل العقاري طبقا لنص المادة 966 من القانون المدني.
و يشمل رهن العقار رهنا حيازيا ملحقاته و ثماره كذلك استنادا إلى أن تسليم الشيء المرهون تسري عليه أحكام تسليم الشئ المبيع طبقا للمادة 951 في فقرتها الثانية من القانون المدني، و تسليم الشيء المبيع يشمل تسلم ملحقاته و هي كل ما أعد بصفته دائمة لاستعمال هذا الشئ.
و يأخذ على المشرع الجزائري عدم النص عليها في أحكام الرهن الحيازي(1) أو الإحالة على نص المادة 887 من القانون المدني المتعلقة بالرهن الرسمي و التي تنص على «يشمل الرهن ملحقات العقارالمرهون التي تعتبر عقارا و يشمل بوجه خاص حقوق الإرتفاق و العقارات بالتخصص و كافة التحسينات و الإنشاءات التي تعود بالمنفعة على المالك، ما لم يتفق على غير ذلك مع عدم الإخلال بامتياز المبالغ المستحقة للمقاولين و المهندسين المعماريين المنصوص عليه في المادة 997 » و لكننا نرى أنه ليس هناك ما يمنع من تطبيقها على الرهن الحيازي العقاري.
ففيما يتعلق بالملحقات فإنه يشملها الرهن الحيازي العقاري وتكون مرهونة رهنا حيازيا كالعقارالأصلي و يجب تسليمها للدائن المرتهن رهنا حيازيا. و يقصد بشمول الرهن لملحقات العقار المرهون أن الدائن عند اتخاذ إجراءات التنفيذ على العقار فإنه ينفذ أيضا على ملحقاته و يستوفي حقه من ثمن العقار و من ثمن الملحقات. و لقد أعطى المشرع أمثلة لما يعتبر من ملحقات العقار في نص المادة 887 من القانون المدني و منها العقارات بالتخصيص، حقوق الإرتفاق، التحسينات و المنشآت، و يلاحظ أن الملحقات المشار إليها في هذا النص ليست واردة على سبيل الحصر كما أن هذا النص ليس من النظام العام فيجوز للمتعاقدين استبعاد البعض منها أو كلها من ضمان الدائن، و إذا وجد اتفاق من هذا القبيل فالإتفاق هو الذي يطبق و إن لم يوجد طبق نص المادة 887 من القانون المدني(2) و يعتبر من ملحقات العقار .
اترك تعليقاً