المفهوم القانوني للزواج المدني ونموذج وصيغة لعقد زواج مدني
الزواج
حثّتْ جميع الشرائع السماويّة على الزواج؛ لأنّها حاجة ضروريّة نفسيّة وجسديّة يحتاجها كلّ فرد من أفراد المجتمع، والحكمة المقرّرة من الزواج هي إيجاد المودة والرحمة بين الزوجين، وتكوين أسرة متينة ذات قيم وأخلاق عالية ينهض المجتمع بها، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[١]، وفي الآونة الأخيرة ظهر مفهوم الزواج المدني وانتشر، ولذلك سيتم بيان معنى الزواج وصيغة عقد الزواج المدني، وتوضيح الإجابة عن سؤال: ما هو الزواج المدني. مفهوم الزواج إنّ كلمة الزواج استعملت منذ القدم بمعنى الازدواج، ويقول العلماء إنّ لفظ الزواج يدلّ على “التزاوج والمزاوجة والازدواج وكلها بمعنى واحد”، وهناك لفظ مرادف للزواج وهو النكاح، واستعملت في القرآن الكريم بمواضع عديدة، قال تعالى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[٢][٣] ويتجسّد الزواج بعقد له أركانه الأساسيّة وشروطه التي يتمّ الاتفاق عليها فيما بين الأطراف، ويعني عقد الزواج عند الفقهاء: “عقد وضع لتملك المتعة بالأنثى قصدًا”، ويقصد بتملك المتعة إباحة العلاقة بين الرجل والمرأة، من أجل بقاء النوع الإنساني بالمعشارة بين الرجل والمرأة، كما تتعاشر الأنواع الأخرى من غير البشر وتتكاثر، فالله -سبحانه وتعالى- كرّم الإنسان ووهبه نعمة الزواج، وهذا يدلّ أن عقد الزواج عقد يتم بين الرجل والمرأة ضمن شروط معيّنة لتصبح ملكه وليكونوا أسرة فاضلة.[٣]
ما هو الزواج المدني
في الإجابة عن سؤال: ما هو الزواج المدني يجدرُ ذكر أنّ الفقهاء في فرنسا وضعوا العديدَ من التعريفات للزواج المدني، وقد كان على رأس هذه التعريفات تعريف الفقيه بورتاليس باسم الحكومة الفرنسية، والذي عرّفه بقول: “الزواج المدني هو الشركة التي تجمع بين الرجل والمرأة لاستمرار بقاء النسل وليساعد كل منهما الآخر بالمعونة المتبادلة لحمل أعباء الحياة وليتقاسما أقدارهما المشتركة”، لكن هذا التعريف لم يسلم من النقد، حيث أن الفقهاء رفضوا أن الهدف الرئيس من الزواج هو الإنجاب فقط، ومن المنتقدين لهذا التعريف الفقيه بودان، والذي عرف الزواج المدني على أنّه: “الاتفاق الذي بواسطته يتحد شخصان من جنسين مختلفين في مقاديرهما مدى الحياة تحت لواء الزواج”، حيث إنّ التعريف الأخير لم يجعل الهدف من الزواج هو الإنجاب فقط، إنما قيام رابطة زوجية بين الرجل والمرأة تحت ولاية القانون”.[٤]
واتّجه أحد الباحثين إلى تعريف الزواج المدني على أنّه “نظام قانونيّ يقوم على توافق إرادتَيْ رجل وامرأة على ارتباطهما به، ويستهدف إقامة الحياة المشتركة بينهما وتبادل الرعاية والمعونة لخيرهما المشترك، وذلك على الوجه المحدد في القانون”، وبالتالي فإن الدولة هي التي تتولى تنظيم الزواج المدني والفصل في المنازعات التي تثور بصدَدِه، ويسجّل هذا الزواج في المحكمة بين زوجين مسجلين في السجلات المدنية، ودون النظر إلى أيّ فروقات دينية.[٤] أهمية الزواج المدني يعدّ الزواج من السنن الكونيّة التي يحتاجها الأفراد للحفاظ على النوع الإنساني وبقائه، ورغم اختلاف الدول في تقاليد الزواج، إلّا أنّها اتفقت جميعها على أهمية الزواج ودعت إليه، وللزواج أهميّات وفوائد كثيرة يمكن إيجازها كالآتي:[٥]
المحافظة على النوع الإنسانيّ: لأنّه بواسطة الزواج يستمر النسل الإنساني، ويبقى إلى حين أن يرث الله -عزّ وجلّ- الأرض وما عليها، فبالزواج يتم المحافظة على النوع الإنساني وتكاثره.
المحافظة على الأنساب: لأنّ الأبناء يفتخرون في الانتساب إلى آبائهم، ولهذا الانتساب آثار متعددة في نفوسهم، واعتباراتهم الذاتية، وكرامتهم الإنسانية، فبدون الزواج يمكن إنجاب أطفال مجهولين النسب، منعدمي الكرامة والأخلاق.
سلامة المجتمع من الانحلال الخلقي والأمراض: حيث أن الزواج يشبع رغبات الفرد الجنسية ولا يلجأ إلى إشباع هذه الرغبات بطرق غير مشروعة، ويسلم المجتمع من الأمراض الجنسية التي تنتشر به نتيجة الزنا كمرض الإيدز.
السكن الروحاني والنفساني: بالزواج تسود روح الألفة والمحبة والمودة بين الزوجين، وهذا ينعكس بنتائج إجابية على جميع أفراد الأسرة، ممّا يولد أجيالًا بأخلاق عالية تنعكس بأثر طيب على المجتمع.
التعاون بين الرجل والمرأة على تربية الأسرة: إن الأسرة تولد روح التعاون والمشاركة بيت الأب والأم، فيقومان معًا على تربية الأطفال، وتدبير أمور المنزل أيضًا. صيغة عقد الزواج المدني ذهب جمهور من الفقهاء يجيز انعقاد عقد الزواج بغير اللغة العربية، إذا كان أحد المتعاقديْن أو كلاهما لا يتكلم اللغة العربية، لكن إذا كان أحد المتعاقديْن يفهم اللغة العربية ففي هذه المسألة قولان، الأول انعقاد النكاح بغير اللغة العربية، أما القول الثاني عدم انعقاد النكاح باللغة غير العربية، حيث إنّ الألفاظ الواردة في عقد الزواج المدني ولو كانت غير عربية ينعقد عقد الزواج بها؛ لأنها تدل بمعناها على عقد الزواج، وتعبر عن إرادة المتعاقديْن من الموافقة على عقد الزواج والقَبول به.[٦]
هذا القول يتّفق مع القول الأول الذي يجيز إلى انعقاد عقد الزواج بغير اللغة العربيّة؛ لأنه لا يوجد أيّ شرط في الكتاب أو السنة إلى انعقاد عقد الزواج باللغة العربية دون غيرها، لكن يجب أن يفهم كلا المتاقدان صيغة العقد وما ورد به، وأن يفهم كلام الطرف الآخر، سواء كان عقد الزواج باللغة العربية أم بغيرها، ليتحقّق ركن العقد ألا وهو الرضا الذي من غيره يعدّ العقد باطلًا، ويمكن الاستعانة بمترجم لتوضيح أيّ لبس.[٦]
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً