الشروع في الجريمة
غالبا ان الجريمة لاتقع دفعة واحدة بل انها تمر بعدة مراحل وادوار قبل ان تتم فالجاني عندما تتجه ارادته لارتكاب جريمة ما فلا بد ان يفكر فيها اولا ثم يصمم على ارتكابها فيبدأ باعداد العدة والتحضير لها اذ عليه ان يحصل اولا على اداة لارتكابها كالمسدس او السم اذا اراد ارتكاب جريمة القتل او الحيل والسلم اذا اراد ارتكاب جريمة السرقة فينتقل من حالة التفكير الى حيز التحضير وهو بالطبع عمل خارجي لكن الجاني حتى في هذه المرحلة فانه يكون بعيدا عن مرحلة تنفيذ الجريمة التي عادة مرحلة التحضير .
وبهذا فان لنا ان نقول ان للجريمة ادوار او مراحل ثلاث تمر بها الجريمة قبل وقوعها وهي مرحلة التفكير والتصميم ثم مرحلة التحضير واخيرا التنفيذ والتي تكون عندما يستمر الجاني بنشاطه الاجرامي الى النهاية فتكون لدينا مايعرف بالجريمة التامة ولكن في بعض الاحيان لاتجري الامور كما يخطط لها اذ تتوقف الجريمة قبل اتمامها لعدة اسباب كان يعدل الجاني عن الاستمرار في تنفيذها باختياره او ان تحول بين الجاني وبين اتمامه الجريمة ظروف طارئة خارجة عن ارادته تحول من دون اكماله الجريمة التي خطط لها كما في حالة تصويب الجاني سلاحه نحو المجنى عليه واطلق الرصاص الا انه اخطاء الهدف او اصابه في غير مقتل فلم يمت وهي تسمى الجريمة الخائبة او ان يضرب شخصا اخر الجاني على يده قبل اطلاق الرصاصة او ياخذه منه وهي تسمى الجريمة الموقوفة او ان يكون اخفاق الجاني في اتمام الجريمة امرا محتوما لاستحالة تنفيذها وهذه تسمى الجريمة المستحيلة. ومن المتفق عليه في التشريعات العقابية الحديثة ان القانون لايتدخل في مراحلة التفكير والتصميم اذ لاعقاب على الافعال المكونة لهما الا اذا كانت هي باصلها جريمة منصوص عليها في القانون ).
لكن القانون يتدخل في مرحلة التنفيذ وهذه المرحلة تبدأ منذ لحظة الشروع فيها وهذا ماسار عليه قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 حيث نصت المادة 30 منه بقولها ( البدا في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية او جنحة اذا وقف او خاب اثره لاسباب لادخل لارادة الفاعل فيها ..) وهذا يعني انه لايعد شروعا في الجناية او الجنحة مجرد العزم على ارتكابها ولا اعمال التحضير لها مالم ينص القانون على خلاف ذلك .
فالشروع اذن هو التنفيذ غير الكامل للجريمة لذلك قيل ان الشروع يبدأ حيث تبدأ الجريمة التامة اذ يبدأ كل منهما عند البدء بتنفيذ الجريمة غير انه لا ينتهي حيث تنتهي الجريمة التامة بل يقف عند حد البدء بالتنفيذ .
لقد فكر المشرع الجنائي الحديث عندما بدت له خطورة الشروع في تحديد حالة الشروع وبيان اركانها ووجد ان من الضروري تحديد عقوبة لصاحبها كي لايدع للقضاء مجالا في التوسع في ذلك لذا فان جميع القوانين العقابية الحديثة تتضمن تعريفا للشروع وهذا ماسلكه المشرع العراقي في المادة 30 من قانون العقوبات السالفة الذكر التي تظهر انه لتحقق حالة الشروع في الجريمة لابد من توافر ثلاثة اركان التي يطلق عليها اركان الشروع وهي :
الركن الاول ويتضمن البدا بتنفيذ الجريمة وهو الركن المادي الخارجي .
والركن الثاني الذي يتضمن قصد ارتكاب جناية او جنحة وهو الركن المعنوي الداخلي .
واخيرا الركن الثالث وهو عدم تمام الجريمة لسبب خارج عن ارادة الجاني . وتتفق جميع قواني العقوبات الحديثة على تحديد عقاب على الشروع لكنها تختلف في تقدير خطورته وبالتالي في مقدار العقوبة المخصصة له فمن القوانين مايفرض للشروع عقوبة الجريمة التامة فهي تساوي في العقاب بين الشروع والجريمة التامة مثل قانون العقوبات الفرنسي والبولوني والسوري .
وهناك من القوانين مايحدد للشروع عقوبة اخف من عقوبة الجريمة التامة على اعتبار ان الضرر لم يتحقق كله وهي الغالبية بين القوانين الحديثة كالقانون السويسري والايطالي وقد حذا قانون العقوبات العراقي حذو هذه التشريعات فقد نصت المادة 31 من قانون العقوبات بانه : ( يعاقب على الشروع في الجنايات والجنح بالعقوبات التالية مالم ينص القانون على خلاف ذلك : السجن المؤبد اذا كانت العقوبة المقررة للجريمة الاعدام ، والسجن لمدة لاتزيد على خمس عشرة سنة اذا كانت العقوبة المقررة للجريمة السجن المؤبد ، السجن لمدة لاتزيد على نصف الحد الاقصى للعقوبة المقررة للجريمة اذا كانت العقوبة السجن المؤقت فاذا كان نصف الحد الاقصى للعقوبة خمس سنوات او اقل فتكون العقوبة عندئذ الحبس لمدة لاتزيد على نصف مدة الحد الاقصى للعقوبة المقررة للجريمة ، الحبس او الغرامة التي لاتزيد على نصف الحد الاقصى لعقوبة الحبس او الغرامة المقررة للجريمة اذا كانت العقوبة المقررة للجريمة الحبس او الغرامة ) .
كما ان المادة 33 من قانون العقوبات نصت على انه ( تسري على الشروع الاحكام الخاصة بالعقوبات التبعية والتكميلية والتدابير الاحترازية المقررة للجريمة التامة ) وهذا يعني ان القانون العراقي يعاقب على الشروع في الجريمة اذا كانت جناية او جنحة بما لايزيد على نصف الحد الاقصى للعقوبة المقررة لنفس الجريمة فيما اذا ارتكبت تامة مضافا اليها ماهو مخصص للجريمة التامة نفسها من عقوبات تبعية وتكميلية وتدابير احترازية.
المحامية : ورود فخري
اترك تعليقاً