المفهوم القانوني للنظام السياسي في القانون العراقي
جامعة بابل – كلية القانون / المرحلة : الثانية / مادة : النظم السياسية
استاذ المادة : الأستاذ الدكتور علي هادي حميدي الشكراوي
يعد تحديد مصطلح ( النظم السياسية ) من الامور المعقدة ، فضلا عن صعوبة الوصول الى تعريف دقيق الى النظام السياسي ، وذلك بسبب ما يثيره مصطلح السياسة من غموض وبعد عن التحديد ( 1 ).
تتكون عبارة ( النظم السياسية ) لغةً من كلمتين ، هما : ( النظم ) و ( السياسية ). و النظم هي جمع نظام ، والنظام هو ترتيب الامور على نحو معين ، لتحقيق هدف محدد . وتتركز افتراضات النظام System في النظرية العامة للنظم ، بما يأتي ( 2 ):
1-ان النظام هو مجموعة من الأجزاء المترابطة .
2-ان اجزاء النظام تتفاعل فيما بينها .
3-ان كل جزء من اجزاء النظام يمكن ان يتصف بدرجة معينة من الاستقلال عن الأخرى المرتبطة به .
وعلى اساس تلك الافتراضات ، يكون النظام عبارة عن ( وسط مترابط نتيجةً لسبب او مدخل Input نحو مخرجOutput ) ( 3 ).
أما السياسية فهي صفة مشتقة من السياسةPolitics، وهي تتضمن استخدام السلطة من جانب الحكام ليتمكنوا من قيادة من يسوسون من المحكومون ، تحقيقا للمصلحة العامة للمجتمع ( 1 ).
فالسياسة لغةً : هي القيام على الشيء بما يصلحه ، والوالي يسوس رعيته . وفي الحديث الشريف ( كانوا بنو إسرائيل يسوسهم أنبيائهم ) ، أي تتولى أمورهم ( 2 ).
ولكن مدلول مصطلح السياسة مختلفا في اللغة القانونية ، فضلا عن عدم اتفاق الفقهاء على معنى واحد لها . فحين استخدمت لأول مرة في التعبيرات القانونية كان لها معان متعددة : فهي تستخدم احيانا بمعنى المواطن الفرد وتطلق على صفة المواطن وحقوقه او حياة المواطن بوصفه مواطنا . وقد يقصد بها حياة رجل الدولة واشتراكه في الشؤون العامة . وكثيرا ما تفهم بمعنى الاجراءات التي تتخذها السلطة العامة ، أو دستور الدولة ونظام الحكم فيها . ورغم ذلك فإن هنالك قدرا من الاتفاق على ان السياسة تتعلق بالسلطة في الدولة شكلا وموضوعا : تنظيمها و أشكال ممارستها ، وعملها ومجالات نشاطها . وبهذا يكون النظام السياسي على أساس الجانب الشكلي ، بمثابة نظام الدولة وما يتضمنه من تنظيم الحكم فيه ونشاط حكامها ( 3 ).
غير ان نشاط السلطة قد تطور في العصور الحديثة ، حتى اصبح هذا الجانب الموضوعي معيارا اساسيا في تعريف النظام السياسي ( 1 ). بعد ان كان مدلوله التقليدي يقصد به شكل الحكومة ، لأنها تعني ممارسة السلطة في جماعة سياسية معينة ( 2 ).
وعلى الرغم مما تقدم ، فان هنالك العديد من التعاريف قد قدمت من قبل الفقهاء والمختصين والمهتمين ، الى النظام السياسي ، وكما يأتي :
-د. حسان شفيق العاني ، عرفه على انه : ( محصلة الظروف والمبادئ السياسية التي تفرض اتخاذ سلوك وظيفي تعقيبي في اتخاذ القرارات الملزمة بالمجتمع كليا ) ( 3 ).
– د. ثروت بدوي ، عرفه على انه : ( مجموعة من القواعد والاجهزة المتناسقة المترابطة فيما بينها ، تبين نظام الحكم ، و وسائل ممارسة السلطة وأهدافها وطبيعتها ومركز الفرد منها وضماناته قبلها ، كما تحدد عناصر القوى المختلفة التي تسيطر على الجماعة وكيفية تفاعلها مع بعضها ، والدور الذي تقوم به كل منها ) ( 4 ).
ومن الجدير بالذكر ان عناصر القوى المختلفة التي تسيطر على الجماعة ، لدى د. ثروت بدوي لم تكن من طبيعة واحدة بل من طبائع مختلفة : قانونية واقتصادية واجتماعية ، فإنها ترتبط ببعضها البعض ارتباطا وثيقا يكون منها مجموعة متناسقة متفقة . واذا كانت النصوص الدستورية لا تحقق مثل هذا الارتباط فان العرف كفيل بتحقيقه .
وبعبارة اخرى يلزم وجود ارتباط وثيق وتفاعل متبادل بين الاجهزة المختلفة التي يتكون منها النظام السياسي الواحد . فكل صورة من صور الجهاز التشريعي مثلا تقابلها وترتبط بها صورة معينة من صور الجهاز التنفيذي ، كما ان الارتباط لابد ان يقوم كذلك بين نظام الاحزاب وبين طريقة تشكيل الحكومة … وهكذا ( 1 ).
-د. صالح جواد الكاظم ، و د. علي غالب العاني ، عرفوا النظام السياسي على انه : ( مجموعة عناصر مهمتها الابقاء على المجتمع من حيث هو كيان حي قائم بذاته ، تديره سلطة سياسية ) ( 2 ).
وان العناصر الأساسية التي يتألف منها النظام السياسي لديهم ، هي : التنظيمات السياسية ، والقواعد السياسية ، والعلاقات السياسية ، والوعي السياسي . ويؤثر كل من هذه العناصر في الاخر ويعتمد عليه . كما تعد من عناصر النظام السياسي مؤسسات الحياة الاجتماعية ، والجماعات ، والقواعد ، والوظائف ، والأدوار ، التي تتفاعل والادارة السياسية تفاعلا وثيقا ( 3 ).
– جابريل إيه .ألموند ، جي بنجهام باويل ، عرفوه على انه : ( مجموعة هامة من المؤسسات الاجتماعية التي تعنى بصياغة الاهداف العامة لمجتمع ما ، او لمجموعة ضمن هذا المجتمع ، والعمل على تنفيذها . وتدعم قرارات النظام السياسي عادة بالشرعية القسرية ، ويمكن فرض الخضوع لها بالقوة . ) ( 4 ) .
ومن اجل النهوض بنشاطاتها ، فان لدى النظم السياسية مؤسسات او وكالات او بنى مثل الاحزاب السياسية والبرلمانات ( الهيئات التشريعية ) والدوائر الحكومية ( الهيئات التنفيذية ) والمحاكم ( الهيئات القضائية ) ، التي تقوم بنشاطات محددة او تنجز وظائف ، والتي بدورها تمكن النظام السياسي من صياغة سياساته ( 1 ).
– د. ماجد راغب الحلو ، يعرفه اصطلاحا على انه : ( أنظمة الحكم وانواعه وطرائقه في الدول المختلفة . ويحدد نظام الحكم في كل دولة طبقا لقانونها الدستوري . ) ( 2 ).
– د. زهير المظفر عرفه على إنه : ( مجموع المؤسسات والقواعد المتعلقة بتنظيم السلطة السياسية وممارستها ) ( 3 ) .
– د . صادق الأسود عرفه على إنه : ( الأطر القانونية للنشاط السياسي ، وهو مجموعة المؤسسات التي تحتوي النشاطات التي لها علاقة بالسلطة ، سلطة تنظيم المجتمع ) ( 4 ).
– د. محمد نصر مهنا عرفه على إنه : ( الأنماط المتداخلة والمتشابكة الخاصة لصنع القرار السياسي في الجماعة السياسية ) ( 5 ).
ويمكن تعريف النظام السياسي على انه : مجموعة عناصر مجتمعية متفاعلة فيما بينها ، وفق نمط سياسي وقانوني معين ، في بيئة محلية واقليمية وعالمية ، من خلال مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية ، لتحقيق اهداف تنموية وأمنية قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى .
وعلى الرغم مما تقدم ، يرى د. حسان العاني ، ان التعريف الاكثر شمولا للنظام هو الذي يقرر احتواء النظام على عناصر من ناحية واعتماد هذه العناصر بعضها على بعض من ناحية اخرى بحيث اذا تحول احد هذه العناصر في النظام فان العناصر الاخرى وبالنتيجة سوف تتحول ( 1 ).
-خصائص النظام السياسي :
يتميز النظام السياسي بالخصائص الاتية ( 2 ):
1-امتلاك النظام السياسي سلطة عليا في المجتمع ، ومن ثم تكون قوانينه وانظمته وقراراته ملزمة للكافة .
2-تحكم علاقات عناصر النظام السياسي قواعد قانونية وسياسية ، ومن ثم فهو يتمتع باستقلال ذاتي نسبي اكثر من اي نظام فرعي اخر من انظمة المجتمع .
3-يكون تأثير النظام السياسي في المجتمع ، اكثر من اي نظام فرعي اخر .
4-يتفاعل النظام السياسي مع النظم الفرعية الاخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، كونها البيئة التي يتحرك فيها وعلى اساسها .
-وظائف النظام السياسي :
يؤدي النظام السياسي الوظائف الاتية ( 3 ):
1-تحديد اهداف المجتمع والدولة التي تتركز حول الرفاهية والامن .
2-تعبئة طاقات المجتمع وضمان مشاركة ابنائه في تحقيق الرفاهية والامن.
3-دمج العناصر التي يتألف منها المجتمع ، او توحيدها ، لتعزيز عناصر قوة الدولة ومن ثم ضمان مصالحها وتحقيق اهدافها .
4-المطابقة بين الحياة السياسية ، كما هي ممارسة ، مع القواعد القانونية والسياسية الرسمية ، أي اضفاء المشروعية على العملية السياسية ومن ثم النظام السياسي نفسه .
5-تحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين .
اترك تعليقاً