السلطة التقديرية للإدارة
تقرر قواعد المشروعية السبل التي على الادارة سلوكها عند ممارستها لانشطتها المختلفة، والا تعرض تصرفها للمساءلة من قبل اجهزة الرقابة وعلى وجه الخصوص اجهزة الرقابة الادارية.
غير ان اتباع المشروعية من قبل الادارة وهي تمارس نشاطها قد يشكل مصدر ازعاج لها بسبب ما يتصف به هذا النشاط بصفة التغيير والتطور على وفق تغيير الظروف الامر الذي يجعل مسألة تنظيم هذا النشاط لجميع جزئياته سلفا من قبل المشرع ، امرا متعذرا ولهذا من اجل ان لا تتحول الادارة الى مجرد تنظيم يتحرك بصورة الية فتنعدم روح الابتكار ومواكبة التطور ، كان لابد من منح الادارة مجالا تتحرك فيه بشيء من الحرية بقدر ما تتطلب ذلك طبيعة النشاط وعلى وفق ما تتطلبه الظروف وكل ذلك من اجل تحقيق نشاطها بشكل سليم من اجل المصلحة العامة التي تسعى الى تحقيقها وهذا ما يصطلح عليه بالسلطة التقديرية للادارة فهي خروجا او استثناء على مبدا المشروعية ذلك ان تمتعها بمبدا الاختيار انما تمارس في المجالات التي تركها المشرع بإرادته وادارته التقديرية من دون ان يحددها في هذا المجال بقواعد مقيدة لتصرفها وهو أي المشرع ما فعل ذلك الا لتفهمه المساحة الملائمة لتحقيق الاهداف التي تتوخاها الادارة من المصالح العامة.
وبناء على هذا فالسلطة التقديرية : هي اعمال الادارة لحريتها في ممارسة نشاطها، عندما لا يكون هذا النشاط قد حدد مسبقا من قبل القانون بينما تكون سلطتها مقيدة عندما تفقد حرية الاختيار في حالة ما اذا كان تصرفها محددا سلفا من قبل القانون ، فسلطة الادارة سواء كانت تقديرية ام مقيدة انما ترتبط بتقدير ملاءمة الاجراءات التي تتخذها فمن ناحية، نجد ان لرجل الادارة حرية اختيار الحل الذي يراه ملائما حيث يعد في هذا ( قاضي الملاءمة ) بينما من ناحية ثانية محددا بالمعنى الذي حدد له مسبقا مهما كان رأيه الشخصي في مسألة الملاءمة.
ولكن هذا لايعني ان تصرفات الادارة اما ان تكون مقيدة بشكل كامل او تقديرية بشكل كامل، وليس هذا صحيحا على الاطلاق، ذلك ان الحالات التي يحدد فيها القانون اختصاص الادارة بالشكل الكامل او الحالات التي تترك فيها حرية الاختيار الكاملة للادارة انما تعد من الحالات المتطرفة وهي قليلة الحدوث ان لم نقل نادرة في النشاط الاداري ،لان القسم الغالب من تصرفات الادارة وقراراتها تتضمن في جانب منها اختصاصا مقيدا وفي الجانب الاخر سلطة تقديرية ، فجانب التقدير في القرار الاداري انما ينصب في الحقيقة على بعض اركانه او واحد منها من دون بقية الاركان، والتي تبقى سلطتها فيها مقيدة .
اذن فالادارة لن تكون وبشكل مطلق في موضع سلطة تقديرية او مطلقة. ويمكننا القول بانه لا توجد سلطة مقيدة خالصة، اذ انه حتى في الحالات التي تكون فيها الادارة مجبرة على اتخاذ القرار فانها تملك بشكل او باخر ما يطلق عليه العلامة هوريو اختيار اللحظة المناسبة .
لقد خضع مفهوم السلطة التقديرية للادارة لمناقشات فقهية واسعة بصدد حدودها ورقابة القضاء لها .
فوفقا للصيغة القديمة فان قاضي الالغاء انما هو قاضي مشروعية لا قاضي ملاءمة ، كما يعبر عن هذه الصيغة الاستاذ فيدل :
بأن القاضي الاداري يراقب مشروعية التصرف دون ما يتمتع به من سلطة تقديرية ، وهذا يعني ان القاضي الاداري يتخصص بمراقبة مدى تطابق الادارة مع قواعد المشروعية من دون التعرض لبحث ما اذا كان هذا التصرف ملائما ، ذلك ان تقدير ملاءمة التصرف من حيث الظروف والملابسات المحيطة به امر متروك للادارة وحدها، غير ان هذا لا يعني من جانب اخر تحديد سلطة قاضي الالغاء برقابة المشروعية ، لكون الملاءمة انما ترتبط بسلطة الادارة التقديرية فقد تخرج مسالة تقدير التصرف من سلطة الادارة التقديرية وتصبح عنصرا من عناصر المشروعية الامر الذي يوسع سلطة القاضي الاداري فيصبح قاضيا للملاءمة من دون ان يخرج عن كونه قاضيا للمشروعية بوصف الملائمة قد تشكل عنصرا من عناصر المشروعية كما في حالة تدخل سلطات الضبط الاداري عندما يرافق التدخل تقييد الحريات العامة.
وتشير احكام مجلس الدولة الفرنسي الكثيرة الى ان القاضي الاول لم يكتف بادعاء الادارة بان قرارها بالتدخل كان ضروريا لحماية النظام العام، وانما يتحقق بنفسه من صحة هذا الادعاء بالتدخل وتحديد مدى ملاءمته لتحقيق الغرض واذا تأكد عدم صحة الاسباب التي ادعتها الادارة او عدم تناسبها لان تكون باعثا للتدخل قضى بابطال قرار الادارة بعدم مشروعيته.
ان تعرض القاضي الاول للملاءمة عندما ترتبط بجوهر القرار الاداري وتشكل عنصرا من عناصر صحته يوسع بالنتيجة مجال السلطة المقيدة على حساب السلطة التقديرية ، وهذا التدخل من قبل القاضي الاداري دفع بعضهم الى القول ما اذا كان مجلس الدولة بتدخله هذا يتصرف كجهة ادارية عليا علما ان تأكيد هذا القول ينفي ان تكون هناك سلطة تقديرية للادارة.
وفي الحقيقة فان توسع سلطة قضاء الالغاء لا تنهي مفهوم السلطة التقديرية لما لهذه السلطة من اهمية بالغة في طبيعة التصرف الاداري وما يخضع لها من قواعد امرة تبين اوجه هذا التصرف من ناحية، وما تفرضه عليه ظروف الحالات التي يتعامل معها من ناحية ثانية، فضلا عن رقابة القاضي الاداري لملاءمة القرار الاداري تنحصر في الحالة التي تشكل فيها هذه الملاءمة عنصرا جوهريا في عناصر صحة القرار، اي انها لا تتجاوز حد( الملاءمة ) التي تركها المشرع لتقدير الادارة حيث تتجلى سلطتها التقديرية.
المحامية: ورود فخري
اترك تعليقاً