القرارات التنظيمية
يقصد بالقرارات التنظيمية هي : تلك القرارات التي تحتوي على قواعد عامة مجردة تسري على جميع الافراد الذين تنطبق عليهم الشروط التي وردت في القاعدة ، وينبغي ان يلاحظ ان عمومية المراكز القانونية التي يتضمنها القرار التنظيمي لا تعني انها تنطبق على كل الاشخاص في المجتمع فهي تخاطب فرداً أو فئة معينة في المجتمع معينين بصفاتهم لا بذواتهم .
و القرارات التنظيمية : هي في حقيقتها تشريع فرعي او ثانوي يقوم الى جانب التشريع الاعتيادي، الا أنه يصدر عن الإدارة ، ويطبق على كل من يستوفي شروطا معينة تضعها القاعدة مسبقا ولا تستنفد اللائحة موضوعها بتطبيقها ، بل تظل قائمة لتطبق مستقبلا، مع انها اقل ثباتا من القانون.
ووفقا لمبدأ الفصل بين السلطات فان الاصل ان السلطة التشريعية هي صاحبة الاختصاص باصدار القوانين الا ان التطبيق العملي اقتضى التخفيف من هذا المبدأ بمنح السلطة التنفيذية صلاحية وضع قواعد عامة مجردة وموضوعية وملزمة تسري على جميع الافراد الذين تتوافر فيهم الشروط اللازمة لتطبيق هذه القواعد التي اطلق عليها الأنظمة أو اللوائح او القرارات التنظيمية وهذه الانظمة تأتي بالمرتبة الثالثة من حيث التدرج التشريعي بعد الدستور والقانون الاعتيادي ولذلك فان على واضعي هذه الانظمة التقيد من حيث اجراءات وضعها ومضمونها باحكام القواعد القانونية التي تعلوها مرتبة فاذا خالفتها عدت غير مشروعة لخروجها على مبدأ المشروعية وتصبح محلا للطعن فيها امام المحاكم المتخصصة بالالغاء بموجب دعوى الالغاء.
والانظمة تعد وفقا للتدرج الموضوعي أسمى وأعلى مرتبة من القرارات الفردية واحترام القرار الفردي للنظام يعدّ مبدأ عاما لا يجوز الخروج عنه، ويجب ان نلاحظ ايضا ان الانظمة ليست في مرتبة واحدة فالقرار التنظيمي الصادر من وزير لا يملك الخروج عن قرار تنظيمي صادر من مجلس الوزراء، اما في حالة اتحاد مصدر القرار واتحاد طبيعة القرارين التنظيميين فتسري قواعد التفسير التقليدية من حيث ان الخاص يقيد العام والاحدث ينسخ ما سبقه .
والقرارات التنظيمية على عدة انواع فهناك اللوائح التنفيذية التي تصدرها الادارة بغرض وضع القانون موضع التنفيذ ، وهي تخضع تماماً للقانون وتتقيد به وتتبعه، فلا تملك ان تعدل فيه او تضيف اليه او تعطل تنفيذه ، وهناك ايضا لوائح الضبط :وهي تلك اللوائح التي تصدرها الادارة بقصد المحافظة على النظام العام بعناصره المختلفة، الامن العام ، والصحة العامة والسكنية العامة ، وهي مهمة بالغة الاهمية لتعلقها مباشرة بحياة الافراد وتقييد حرياتهم لانها تتضمن اوامر ونواهي وتوقع العقوبات على مخالفيها، مثل لوائح المرور وحماية الاغذية والمشروبات والمحال العامة، والنوع الثالث يطلق عليه اللوائح التنظيمية وتسمى ايضا اللوائح المستقلة وهي اللوائح التي تتعدى تنفيذ القوانين الى تنظيم بعض الامور التي لم يتطرق اليها القانون فتقترب وظيفتها من التشريع .
وهناك نوع يطلق عليه لوائح الضرورة وهي اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية في غيبة البرلمان أو السلطة التشريعية لمواجهة ظروف استثنائية عاجلة تهدد أمن الدولة وسلامتها، فتمتلك السلطة التنفيذية من خلالها ان تنظم امور ينظمها القانون اصلا ويجب ان تعرض هذه القرارات على السلطة التشريعية في اقرب فرصة لاقرارها، والنوع الاخير يطلق عليه اللوائح التفويضية وهي القرارات التي تصدرها السلطة التنفيذية بتفويض من السلطة التشريعية لتنظيم بعض المسائل الداخلة اصلا في نطاق التشريع وتكون لهذه القرارات قوة القانون سواء اصدرت في غيبة السلطة التشريعية أم في حالة انعقادها.
وتنتهي القرارات التنظيمية بعدة طرق ، فالأصل العام انه من غير الجائز سحب القرارات الإدارية السليمة تنظيمية كانت ام فردية ويرجع عدم جواز سحب القرار التنظيمي السليم الى احترام مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية .
ويقصد بسحب القرار الإداري وقف نفاذ آثاره بالنسبة للماضي والمستقبل وهذا يترتب علية زوال كل آثار القرار بأثر رجعي ويجعل كل القرارات التي صدرت في الماضي تفقد سندها فتتساقط بالتبعية فالحكمة من عدم جواز سحب الإدارة لقرارها المشروع والسليم والمتفق مع أحكام القانون ترجع إلى كون السحب أصلا وسيلة من وسائل إنهاء القرارات الإدارية وهذه الوسيلة تقررت لتصحيح ما اكتنف القرار من عيوب وأخطاء قانونية أو مادية متعلقة بالمشروعية وبالتالي لا يسوغ السماح بسحب القرار عند خلوه من الأخطاء وإلا عدّت القرار الإداري الساحب نفسه مخالفا للقانون .
اما بالنسبة للوائح التنظيمية فانها تضع قواعد عامة مجردة وتتوجه الى الاشخاص بمراكزهم وليست بذواتهم وتسري بالنسبة للمستقبل ولا تنسحب الى الماضي وتتولد عن هذه القرارات مراكز قانونية عامة موضوعية ولذلك فان الافراد لا يجوز لهم التمسك بتطبيق هذه اللوائح او تلك بوصفها لا تولد حقوقا ولا مراكز ذاتية شخصية.
لذلك ذهب جانب من الفقة الى جواز سحب القرارات التنظيمية في أي وقت لانها لا تولد حقوقا مكتسبة ذاتية او مراكز شخصية وهذا يعني بأثر رجعي وهو المنهج الذي اتبعه مجلس الدولة الفرنسي سحبها بأثر رجعي ولكنه اجاز حق الغائها بالنسبة للمستقبل وذلك لان اللائحة لا يشوبها عيب بل صدرت سليمة فايقاف مفعولها يكون الى المستقبل.
اما اللوائح المعيبة فيرى مجلس الدولة في حكمة الصادر في قضية بونارد بتاريخ في عام 1958 الى تقرير حق الادارة في سحب اللوائح المعيبة واهدار اثارها بأثر رجعي ولكنه قيد سلطة الادارة بالسحب بالمواعيد المقررة للطعن بالإلغاء القضائي فاذا لم ينقض ميعاد الطعن القضائي فللادارة حق سحب اللائحة اما اذا انقضت تلك المواعيد فانه يمتنع على جهة الادارة سحبها فاذا انقضت تلك المدد تتحصن اللائحة المعيبة وتعامل كاللوائح السليمة بالنسبة للمستقبل وفيها قضى المجلس بمنع الادارة من المساس باللوائح التي ترتب حقوقا وسحبها بأثر رجعي اما فيما يتعلق باللوائح السليمة التي لا ترتب حقوق فللادارة حق الغائها بالنسبة للمستقبل وليس بأثر رجعي.
المحامية: ورود فخري
اترك تعليقاً