المقصود بالجريمة المستحيلة وعقوبتها في القانون المصري – دراسة موجزة .
تعريف الجريمة المستحيلة:
نعني بالجريمة المستحيلة حالة ما إذا لم يكن في وسع الجاني – في الظروف التي أتى فيها فعله – أو في وسع شخص آخر مكانه أن يحقق النتيجة الإجرامية. والجريمة المستحيلة أشبه بالجريمة الخائبة باعتبار أن الجاني قد أتى كل نشاطه، وعلى الرغم من ذلك لم تتحقق النتيجة؛ ولكن تتميز الجريمة المستحيلة بأن أسباب الخيبة فيها كانت قائمة وقت اقتراف الفعل، فهي ليست عارضة، وإنما هي مقدرة منذ لحظة بدء الجاني في مشروعه الإجرامي وكانت تواجه كل شخص سواه يأتي الفعل في نفس الظروف ولو حاز من المهارة ما لم يكن متوافراً لدى الجاني؛ وفي تعبير آخر الخيبة محتملة عند بدء الجاني في الجريمة الخائبة ولكنها محققة عند بدئه في الجريمة المستحيلة. وأهم أمثلة الجريمة المستحيلة أن يطلق شخص الرصاص على آخر بنية قتله فإذا به ميت من قبل، أو أن يحاول الاستيلاء على ما يعتقد أنه مملوك لغيره فإذا به مملوك له، أو أن يحاول شخص قتل آخر فيستعمل لذلك مادة غير سامة معتقداً أنها سامة، أو يستعمل مادة سامة ولكن بكمية قليلة لا تكفي لإحداث الوفاة.
تحديد موضوع البحث:
يدور الجدل في الفقه حول معرفة ما إذا كانت الجريمة المستحيلة تلحق بالجريمة الخائبة فيكون لها عقابها باعتبارها صورة للشروع أم أن الاستحالة تحول دون تدخل الشارع بالعقاب. لا شك في أن الشارع إذا عاقب على البدء في التنفيذ فهو يفترض التنفيذ ممكناً، ولكن موضع الجدل هو تحديد نوع الإمكان الذي يتطلبه القانون: هل يتطلب كون التنفيذ ممكناً في ذاته أم يكتفي بكونه كذلك في ذهن الجاني وتقديره؟ اختلف المذهبان الموضوعي والشخصي في الإجابة على هذا التساؤل. وعلى هذا النحو، فليس الاختلاف بين المذهبين في تطلب أحدهما كون التنفيذ ممكناً وإغفال الآخر ذلك، ولكن الاختلاف هو تحديد ما إذا كان الإمكان فكرة موضوعية أو هو عقيدة لدى الجاني وإن كانت بعيدة عن الحقيقة. ونعرض فيما يلي الآراء التي قيل بها لحسم هذه المشكلة.
لا عقاب على كل حالات الاستحالة:
ذهب إلى القول بذلك الأوائل من أنصار المذهب الموضوعي، ويعتمدون في ذلك على حجتين: الأولى- أن تنفيذ الجريمة تنفيذاً كاملاً يفترض أنه ممكن، فحيث توجد الاستحالة لا يتصور التنفيذ، وما يصدق على التنفيذ الكامل يصدق كذلك على التنفيذ الجزئي، أي البدء في التنفيذ، فحيث لا يتصور التنفيذ لا يتصور كذلك البدء فيه. أما الحجة الثانية، فمستمدة من المادة 301 من قانون العقوبات الفرنسي، وهي مماثلة للمادة 233 من قانون العقوبات المصري، ويعرف هذا النص مرتكب جريمة التسميم بأنه: “من قتل أحداً بجوهر يتسبب عنها الموت عاجلاً أو آجلاً”، ويعني ذلك أن الركن المادة لهذه الجريمة يتطلب استعمال مواد من شأنها إحداث الوفاة، أي يتطلب كون الوسيلة من شأنها إحداث النتيجة، وليست هذه القاعدة خاصة بالتسميم، وإنما هي قاعدة عامة تخضع لها الجرائم كافة، وما يصدق على الجريمة التامة يصدق على الشروع فيها كذلك.
وهذا الرأي يعيبه أنه يضيق على نحو مبالغ فيه من نطاق العقاب، فيهدر بذلك مصلحة المجتمع: فمن يضع يده بقصد السرقة في جيب خال من النقود، ومن يستعمل في قتل المجني عليه مادة سامة ولكن بكمية تقل قليلاً عما كان كافياً لإحداث الوفاة لا يوقع عليهما عقاب على الرغم من أن فعل كل منهما في حد ذاته خطير ومن أن المجني عليه كان مهدداً بخطر حقيقي لم تنقذه منه غير المصادفة البحتة. وبالإضافة إلى ذلك فليست الحجج التي يعتمد عليها هذا الرأي ذات أساس من القانون، فإذا افترض القانون أن يكون التنفيذ ممكناً فمحل ذلك أن ترتكب الجريمة كاملة، إذ يقتضي تمام الجريمة ذلك، أما إذا لم تتم فمن المتصور في المنطق أن يكون عدم تمامها راجعاً إلى أسباب جعلت التنفيذ في بعض مراحله غير ممكن. أما المادة 233 من قانون العقوبات (المصري) فتحدد أركان الجريمة التامة ولا شأن لها بالشروع فيها، ولذلك يكون استبعادها من نطاق البحث متعيناً.
التفرقة بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية:
الاستحالة المطلقة تحول دون العقاب ولكن الاستحالة النسبية لا تحول دونه. وضابط التفرقة بينهما أن الاستحالة المطلقة هي استحالة عامة مجردة تعرض في كل الحالات التي يحاول فيها شخص الاعتداء على موضوع الحق نفسه مستعملاً عين الوسيلة. أما الاستحالة النسبية فخاصة بالحالة التي حاول فيها الجاني ارتكاب جريمته، أي ترجع إلى الظروف الواقعية التي أحاطت بموضوع الحق أو وسيلة الاعتداء عليه، وهذه الاستحالة ما كانت تعرض لو ارتكبت الجريمة نفسها في ظروف أخرى مساساً بموضوع آخر للحق أو عن طريق وسيلة أخرى، ومن ثم يسوغ القول بأن الحق كان معرضاً لخطر فعلي لم تنقذه منه غير المصادفة البحتة. والاستحالة بنوعيها قد ترجع إلى موضوع الحق وقد ترجع إلى وسيلة الاعتداء عليه. فالاستحالة المطلقة الراجعة إلى الموضوع تفترض عدم وجوده أو فقده صفة لا غنى عنها لتصوره محلاً للحق المعتدى عليه، مثال ذلك إطلاق الرصاص بنية القتل على شخص مات من قبل، ومحاولة اختلاس مال مملوك للجاني نفسه، ومحاولة إجهاض امرأة غير حامل. أما الاستحالة المطلقة الراجعة إلى الوسيلة فتفترض استعمال الجاني وسيلة غير صالحة في أية حالة من الحالات لإحداث النتيجة الإجرامية، مثال ذلك أن يستعمل الجاني بنية القتل سلاحاً نارياً غير معبئ بالطلقات، أو أن يستعمل في التسميم مادة غير سامة على الإطلاق. وتفترض الاستحالة النسبية الراجعة إلى الموضوع وجوده أو استيفاءه كل شروطه ولكن في مكان غير ما اعتقد الجاني وجوده فيه، مثال ذلك إطلاق الجاني الرصاص على المكان الذي اعتاد المجني عليه الوجود فيه في وقت معين وتغيبه عنه مصادفة، ومحاولة السرقة من جيب خال من النقود. أما الاستحالة النسبية الراجعة إلى الوسيلة فتفترض صلاحيتها بصفة عامة لإحداث النتيجة وعدم جدواها لأن الجاني لم يحسن استعمالها، مثال ذلك إلقاء قنبلة على جمع من الناس دون إزالة صمامها، أو استعمال مادة سامة بكمية غير كافية لإحداث التسميم.
وهذا الرأي يعيبه أنه غير منطقي، إذ الاستحالة نوع واحد، فمن غير المقبول القول بأن لها درجات وأنواع، فالجريمة إما أن تكون ممكنة وإما أن تكون مستحيلة ولا وسط بين الأمرين، والدليل على ذلك أنه لو نظرنا إلى الحالات التي يقال أن الاستحالة فيها نسبية وافترضنا أن ظروف ارتكاب الفعل ظلت دون تغيير فأن تحقيق النتيجة يظل كذلك مستحيلاً. فالتفرقة بين نوعي الاستحالة أساسه افتراض تغير الظروف في حالة الاستحالة النسبية، وليس هذا الافتراض غير محض مجاز، أما إذا نظرنا إلى الفعل في نفس الظروف فالجريمة مستحيلة دائماً.
التفرقة بين الاستحالة القانونية والاستحالة المادية:
تعني الاستحالة القانونية انتفاء أحد عناصر الجريمة بحيث لا يمكن أن توصف النتيجة التي يسعى الجاني إلى تحقيقها بأنها نتيجة إجرامية، فهو يسعى إلى تحقيق وضع لا يجرمه القانون، ومن ثم فلا عقاب عليه. أما الاستحالة المادية فترجع إلى ظروف مادية جعلت الجاني لا يستطيع تحقيق النتيجة الإجرامية التي يهدف إليها، وبذلك توافرت بفعله عناصر الشروع المعاقب عليه، وأساس التفرقة بين نوعي الاستحالة أن القانون لا يتدخل بالعقاب إلا إذا توافرت جميع عناصر الجريمة، ولكنه يقرر استثناء وحيداً لذلك إذا تخلفت من عناصر الجريمة نتيجتها، إذ يعاقب على هذا الوضع باعتباره شروعاً، أما إذا ما انتفى عنصر سواها فلا محل للعقاب لانتفاء أحد شروطه، بالإضافة إلى أن هذا الوضع لا يعد شروعاً. فمن يطلق النار على شخص مات من قبل فلا عقاب عليه لأن من أركان جريمة القتل كون المجني عليه حياً وقت فعل الجاني، ومن يستولي على ماله معتقداً أنه مال مملوك لغيره لا عقاب عليه لأن من أركان السرقة كون محلها مالاً مملوكاً لغير الجاني.
ويضيف هذا الرأي حجة ثانية: ذلك أنه إذا كان القانون يتطلب لقيام الجريمة توافر عناصر معينة، فهو يتطلبها سواء أكانت تامة أم وقفت عند حد الشروع، فمن غير المقبول أن نذكرها بين عناصر الجريمة، فإن أردنا العقاب على مجرد الشروع أغفلناها. وفي النهاية يفترض الشروع أن الجاني يتجه قصده إلى نتيجة غير مشروعة في ذاتها، فإن كان من شأن انتفاء بعض عناصر الجريمة أن تجردت النتيجة من هذه الصفة فلا يكون للشروع محل. ولا يعتد هذا الرأي باستحالة ترجع إلى الوسيلة، أي أن كل حالات الاستحالة الراجعة إلى الوسيلة هي صور للاستحالة المادية، وهي لذلك لا تحول دون العقاب. وتفسير ذلك أن القانون لا يعتد بوسيلة إحداث النتيجة، إذ كل الوسائل سواء طالما كان من شأنها الاعتداء على الحق، ولهذا الأصل استثناء حيث يعتد القانون بالوسيلة كالوضع في جريمة التسميم، إذ تعد محاولة قتل شخص عن طريق مادة غير سامة صورة للاستحالة القانونية.
والنقد الأساسي الذي وجه إلى هذا الرأي أنه لا يفترق في شيء عن الرأي القائل بالتفرقة بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية. ولكن هذا النقد غير صحيح، إذ يفترق الرأيان في أن أحدهما – دون الآخر – لا يعترف باستحالة ترجع إلى الوسيلة، وبالإضافة إلى ذلك فهما مختلفان من حيث الأساس القانوني.
العقاب في كل حالات الاستحالة:
يرفض أنصار المذهب الشخصي كل تفرقة بين حالات الاستحالة، ويرون العقاب عليها كافة. وسندهم في ذلك الحجج التالية: أن الإرادة الإجرامية هي التي يتجه القانون إليها بالعقاب في الشروع، وتفترض كل حالات الاستحالة وجود هذه الإرادة والتعبير عنها بنشاط يصلح في تقدير صاحبه لتحقيق النتيجة، فيكون كل ما يتطلبه القانون لتوقيع العقاب متوافراً. ويضيف أنصار هذا المذهب إلى ذلك القول بأن من طبيعة الشروع أن تفقد الجريمة أحد عناصرها، وساء عند القانون أهمية العنصر الذي فقدته، إذ لن يتحقق الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون، ويعني ذلك أنه من العبث أن نحاول تصنيف الحالات التي يخيب فيها أثر الفعل أو نقرر حكماً خاصاً بحالات الاستحالة، إذ هي سواء، فإذا ثبت على هذا النحو أنه لا وجود لمعيار موضوعي، فلا مفر من الركون إلى تقدير الجاني والاكتفاء بكون تحقيق النتيجة في ذهنه ممكناً. ولا يرى أنصار هذا المذهب حالات تخرج عن دائرة العقاب إلا حيث يتضح أن الوسيلة التي التجأ الجاني إليها تدل على سذاجته، كمن يحاول القتل عن طريق السحر، إذ السذاجة تعني انعدام الخطر على الحق وانتفاء علة العقاب على الشروع.
مذهب القضاء المصري:
يبدو أن الاتجاه العام للقضاء المصري هو ترجيح الرأي القائل بالتفرقة بين الاستحالة المطلقة والنسبية والعقاب على الثانية دون الأولى. فقد قررت محكمة النقض (المصرية) أنه: “متى كانت المادة المستعملة للتسميم صالحة بطبيعتها لإحداث النتيجة المبتغاة فلا محل للأخذ بنظرية الجريمة المستحيلة، لأن مقتضى القول بهذه النظرية ألا يكون في الإمكان تحقيق النتيجة مطلقاً لانعدام الغاية التي ارتكبت من أجلها الجريمة أو لعدم صلاحية الوسيلة التي استخدمت لارتكابها”. ويعني ذلك أن القضاء يقر نظرية الجريمة المستحيلة إذا لم يكن في الإمكان تحقيق الجريمة مطلقاً، سواء أرجع ذلك إلى انعدام الغاية أو عدم صلاحية الوسيلة، وفي غير حالات “عدم إمكان تحقيق الجريمة مطلقاً”، أي حيث يكون عدم الإمكان نسبياً، كما لو كانت المادة المستعملة في القتل “تؤدي في بعض الصور إلى النتيجة المقصودة منها”، فإن العقاب على الشروع يكون متعيناً.
وتطبيقاً لذلك قضي بالعقاب على الشروع في التسميم إذا كانت المادة المستعملة قد أعطيت بكمية غير كافية لإحداث الوفاة أو كان مذاقها السيئ حائلاً دون تناول المجني عليه الكمية الكافية منها، وقضي بالعقاب كذلك على الشروع في التسميم عن طريق وضع زئبق في أذن المجني عليه على الرغم من أن هذا الفعل لا يؤدي إلى حدوث الوفاة إلا إذا كانت بالأذن جروح، وهو ما لم يكن متحققاً في حالة المجني عليه، وقضي بالعقاب على الشروع في النصب على الرغم من أن المجني عليه كان عالماً بكذب الجاني بحيث كان انخداعه بحيلته مستحيلاً.
وإلى جانب هذا الاتجاه العام، فثمة أحكام قليلة قررت العقاب على صور من الاستحالة المطلقة كمحاولة التسميم باستعمال مادة غير ضارة، أو محاولة القتل عن طريق سلاح غير صالح لإخراج المقذوف.
المُقارنة بين الآراء المختلفة في مشكلة الجريمة المستحيلة:
يمثل المذهب الشخصي أرجح الآراء في الفقه الحديث، سواء في فرنسا أو في مصر. ولكن الحجج التي يستند إليها يعوزها الأساس القانوني: فالقول بأن الإرادة الإجرامية هي التي يتجه إليها القانون بالعقاب في حالات الشروع ينقضه أن القانون الحديث لا يعاقب على إرادة مجردة، وإنما يتطلب ارتكاب فعل يهدد بالخطر الحقوق الجديرة بالحماية، ولو كان القانون يعاقب على الإرادة ذاتها لما كانت ثمة حاجة إلى اعتبار البدء في التنفيذ ركناً في الشروع، ولما ساغ القول بأن التصميم على الجريمة والتحضير لها لا عقاب عليهما.
أما الحجة الثانية التي تدعم هذا المذهب فجوهرها أن من طبيعة الشروع أن تفقد الجريمة أحد عناصرها، وأنه سواء عند القانون العنصر الذي فقدته، وهذه الحجة غير صحيحة لأن الشروع لا يعني فقد الجريمة عنصراً أياً كان من عناصرها، وإنما يعني تخلف عنصر بالذات هو النتيجة الإجرامية، أما إذا فقدت عنصراً سواها كما لو كان المال ملكاً لمن اختلسه أو كان ما يثبته الجاني في المحرر مطابقاً للحقيقة، فليس ذلك من الشروع في شيء، وإنما هو حالة انتفاء أحد الأركان التي يتطلبها القانون لقيام الجريمة. والمذهب الشخصي يقود إلى العقاب على أفعال لا خطر منها على الحقوق والمصالح التي يحميها القانون، فما الضرر الذي ينال المجتمع إذا ما استولى شخص على شيء يملكه أو أثبت شخص في محرر ما يطابق الحقيقة تماماً؟ إن العقاب على ذلك يعني العقاب على أفعال مشروعة في ذاتها وإغفال الركن الشرعي من بين الأركان التي تقوم عليها الجريمة في صورة الشروع.
وعندنا أن العقاب على الجريمة المستحيلة رهن بكون الفعل الذي أتاه الجاني مهدداً بالخطر الحق الذي يحميه القانون، ويثبت هذا الخطر طالما كان من شأن الفعل وفقاً للسير العادي للأمور أن يحدث النتيجة الإجرامية، ويتحقق هذا الخطر في أغلب حالات الاستحالة لأن العوائق التي تعترض سبيل تحقيق النتيجة تدخل عادة في نطاق السير العادي للأمور. ومن ثم كان الأصل في حالات الاستحالة أن يعاقب عليها، ولكن تستثنى من ذلك الحالات التي يتبين فيها أن الجريمة قد فقدت عنصراً من عناصرها غير النتيجة الإجرامية. ونحن نرى صواب التفرقة بين الاستحالة القانونية والاستحالة المادية والعقاب على الثانية دون الأولى. وإذا أردنا الدقة في التعبير لقلنا أن الاستحالة في المعنى الصحيح هي الاستحالة المادية، وحينما نقول بالعقاب عليها فإن ذلك يعني العقاب على كل حالات الاستحالة. أما الاستحالة القانونية فالأجدر أن يفصل بينها وبين نظرية الشروع، إذ لا صلة بينهما باعتبار أن الشروع يفترض تخلف النتيجة الإجرامية وتوافر سائر عناصر الجريمة في حين أن الاستحالة القانونية تفترض تخلف عنصر من عناصر الجريمة غير النتيجة. والتكييف الصحيح للاستحالة القانونية أنها “حالة تخلف ركن للجريمة مما ينبني عليه عدم قيامها وعدم العقاب عليها”.
وقد انتقد هذا المذهب بأنه صورة ثانية من الرأي القائل بالتفرقة بين الاستحالة المطلقة والنسبية، وقد بينا فساد هذا النقد، لأن الرأيين يختلفان من حيث اعتداد أحدهما – دون الآخر – بالاستحالة التي ترجع إلى الوسيلة. ونضيف إلى ذلك أن النقد الذي وجه إلى التفرقة بين الاستحالة المطلقة والنسبية لا يصدق على الرأي الذي نقول به. فالتفرقة المنتقدة تحاول أن تستند إلى طبيعة الأشياء، وهذه تأبى أن تكون للاستحالة درجات، ولكن التفرقة التي نقول بها تستند إلى المنطق القانوني باعتبار أن الشارع إذا تطلب لتوافر الجريمة عناصر معينة فإن تخلف أحدها يؤدي إلى عدم قيام الجريمة، وهذه الفكرة الأساسية لم يوجه إليها نقد. وفي النهاية فإننا ندعم هذا الرأي بملاحظة أنه من الغير المقبول أن تتطلب للجريمة بصفة عامة أركاناً معينة، فإذا عاقبنا عليها باعتبارها شروعاً أغفلنا هذه الأركان وقلنا بتوقيع العقاب على الرغم من انتفاء بعضها.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً