مفهوم الجريمة :
في القانون :
جاءت غالبية قوانين العقوبات الحديثة خالية من تعريف الجريمة، وهو مسلك محمود لها. ذلك لان وضع تعريف عام للجريمة في القانون امر لا فائدة منه طالما ان المشرع – تطبيقا لمبدأ قانونية الجرائم والعقوبات – يضع لكل جريمة نصا خاصا في القانون يحدد اركانها ويبين عقابها. بل ان محاولة وضع تعريف عام للجريمة في القانون لا تخلو من ضرر؛ لأن هذا التعريف مهما بذل في صياغته من جهد لن يأتي جامعا لكل المعاني المطلوبة وان جاء كذلك في زمن فقد لا يستمر كذلك في آخر. ومن هذه القوانين قانون العقوبات العراقي والمصري والايطالي والفرنسي والسوري واللبناني والكويتي والليبي والاردني والسوداني. في حين ذهبت قوانين عقوبات أخرى باتجاه احتوائها على تعريف عام للجريمة كقانون العقوبات الاسباني الصادر عام 1928 والبولوني الصادر عام 1932 والسويسري الصادر عام 1937 والسوفيتي الصادر عام 1958.
في الفقه :
حرص رجال الفقه الجنائي على ان يكون تعريف الجريمة من أول واهم ما تحويه مؤلفاتهم، كي يكون اداه تمييز لها عما تتشابه معها او تختلط من معاني أخرى كالجريمة المدنية أو الجريمة التأديبية وغيرها. ولاختلاف أساليب رجال الفقه بالبحث او بالنظرة الى ضوء فكر فلسفي معين وكذلك التشريع جاءت تعريفاتهم للجريمة مختلفة بعض الشيء. ففي ظل المذهب الفردي : يغلب الجانب الشكل على مفهوم الجريمة وتعريفها مما يترتب على ذلك ان يكفي لاعتبار السلوك الانساني جريمة تخصيص نص جنائي له. الأمر الذي يجعل مفهوم الجريمة يرتبط بالقانون نفسه بمقدار ما يتعلق الأمر بتحديد النموذج الجرمي للسلوك الانساني الذي يقرره المشرع دون ان يستتبع ذلك الخوص في الطبيعة المادية لهذه الظاهرة الاجتماعية (1). ومع ذلك فقد ظهر من الكتاب الغربيين من ذهب بخصوص تعريف الجريمة باتجاه الافصاح عن المفهوم المادي لها. فقد عرفها الفقيه الفرنسي بوزا (BOUZAT) بأنها الفعل او الامتناع عن الفعل الذي يعتدي على النظام السلام والطمأنينة الاجتماعية والذي من أجل ذلك يستوجب العقوبة (2). أما في ظل المذهب الاشتراكي : فالجانب المادي هو المعول عليه في تعريف الجريمة، فالجريمة ظاهرة اجتماعية تظهر في المجتمع عند بلوغه مرحلة معينة من التطور وتزول بانعدام الظروف المادية التي ادت الى وجودها. وعند ظهور الطبقات المتناحرة يأخذ مفهوم الجريمة طابعا قانونيا طبقيا ولذلك يقولون : ان الجريمة ظاهرة اجتماعية ذات طبيعة طبقية (3). ولكي يعتبر السلوك الانساني جريمة في المجتمع الاشتراكي ينبغي ان يبلغ من الخطورة ما يهدد العلاقات الاجتماعية الاشتراكية مما يستوجب ايقاع العقاب على الشخص الذي يقوم باقترافه وبهذا المعنى عرف المشرف السوفيتي الجريمة في المادة (7) من أسس التشريع الجنائي لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية والجمهوريات المتحدة بقوله : (يعتبر جريمة الفعل الخطر اجتماعيا الذي يعالجه القانون الجنائي، سواء كان فعلا او كان امتناعا منه، الذي يتجاوز على النظام الاجتماعي السوفيتي او نظام الدولة السوفيتي او النظام الاشتراكي للاقتصاد او الملكية الاشتراكية او شخصية المواطنين او حقوقهم السياسية او المتعلقة بالعمل او المالية او غير ذلك من الحقوق، ويستوي أيضاً بأي فعل آخر خطر اجتماعيا يتجاوز على النظام القانوني الاشتراكي ويعالجة القانون الجنائي. ولا يعتبر جريمة الفعل او الامتناع عنه، الذي وان كان من حيث الشكل يحتوي على سمات فعل يعالجه القانون الجنائي لكن بناء على قلة اهميته لا يمثل خطر اجتماعيا). مما يعني ان شرط الخطورة الاجتماعية أي تهديد العلاقات الاجتماعية الاشتراكية هو الأساس المعول عليه في تحديد الجريمة فاذا فقد السلوك الانساني خطورته الاجتماعية فلا يعتبر جريمة رغم كونه من حيث الشكل يحتوي على سمات فعل منصوص عليه في قانون العقوبات. فالخطورة الاجتماعية الاشتراكية اذن هي العلامة المادية للجريمة لان من شانها احداث ضرر بالعلاقات الاجتماعية الاشتراكية. فالحرية اذن يجب ان تكون فعلا خطرا اجتماعيا نص عليه قانون العقوبات وقرر له عقوبة. ويذهب الراي السائد في الفقه السوفيتي الى الاعتماد بالدرجة الأولى على قيمة الحق المعتدي عليه وكذلك النتائج المترتبة على الفعل بل واعتبارات كثيرة أخرى كطريقة ارتكاب الفعل ومقدار الضرر والظروف المحيطة بارتكابه لتحديد درجة الخطورة. فاذا عمد أشخاص في رحلة الى قطف بعض الثمار من بستان لغرض الاكل فان الفعل وان كان يعاقب عليه قانون العقوبات باعتباره سرقة ولكن لا يعتبر جريمة لعدم خطورته (4). وفي هذه الحالة تتخذ تدابير ذات تأثير اجتماعي بحق مرتكبيها بدلا من العقوبة. والحق اننا لا نجد فارقا كبيرا بين المذهبين في تحديد مفهوم الجريمة ذلك أنه وان كان المذهب الفردي لا يعتبر الخطورة الاجتماعية عنصرا في تكيون الجريمة عند عدم تحققه لا تتحقق الجريمة وان كان قد تحققت من حيث الشكل سماتها. فان المذهب الفردي يعير هذه الخطوة الاجتماعية اهميتها في تحديد العقوبة بل وفي تنفيذها من عدمه كما سنبينه في حينه. مما يعني ان الخطورة الاجتماعية في المذهبين لها شأنها انما هو في ظل المذهب الاشتراكي يؤثر في يام الجريمة من حيث الوجود من عدمه بينما هو في ظل المذهب الفردي لا يصل الى حد نفي تحقق الجريمة إنما يؤثر في عقابها من حيث التخفيف او إيقاف التنفيذ. ولو تتبعنا كتب الفقه الجزائي العربية لوجدناها تميل الى التمسك بالجانب الشكلي عند تعريفها للجريمة (5) علما بان هذا التعريف يختلف في كل مؤلف عنه في آخر بمقدار توفيق واضعه لجعله مفصحا وفي عبارة موجزة وواضحة عن العناصر المكونة للجريمة وهي ما تسميها بالأركان العامة للجريمة. والتعريف الذي نراه جامعا لهذه الاركان ويتفق مع روح قانون العقوبات العراقي الحالي، هو القائل بان الجريمة هي : (كل سلوك خارجي ايجابيا كان ام سلبيا حرمه القانون وقرر له عقابا اذا صدر عن اسنان مسئول(6).
____________________________
1-فقد عرف قانون العقوبات السويدي الصادر عام 1965 الجريمة بأنها التصرف الذي يستتبعه عقاب منصوص عليه في هذا القانون او أي قانون آخر (مادة أولى. وانظر كذلك جارسون م1 ن1 حيث يعرف الجريمة بأنها (كل فعل يفرض له القانون عقابا).
2-انظر بوزا الجريمة السابق ص75 كذلك سلك نفس المسلك الفقيه الايطالي (جاروفالو) فالجريمة وفقا لمفهومه لا يستدل عليها من عقاب خصص لها انما عن طريق ما تسببه من ضرر للمجتمع او من عدوان على الشعور الاخلاقي للانسان المتحضر انظر سامي النصراوي المرجع السابق ص106.
3-انظر سامي النصراوي ص107.
4-انظر سامي النصراوي المرجع السابق ص109.
5-جندي عبدالملك، المرجع السابق ج3 ص6 – الدكتور محمود محمود مصطفى، المرجع السابق ص35 – الدكتور محمد الفاضل المرجع السابق ص194 – الدكتور السعيد مصطفى السعيد، المرجع السابق، ص41 – الدكتور رؤوف عبيد، مبادئ القسم العام في التشريع العقابي ص133.
6-ويعرفها البعض بأنها الفعل او الامتناع عن فعل الذي يتناول الاعتداء على العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع – انظر الدكتور سامي النصراوي، المرجع السابق ص112.
مفهوم العقوبة :
العقوبة هي الجزاء الذي يقرره القانون الجنائي لمصلحة المجتمع تنفيذها لحكم قضائي على من تثبت مسؤوليته عن الجريمة لمنع ارتكاب الجريمة مرة أخرى من قبل المجرم نفسه او من قبل بقية المواطنين. فالعقوبة من حيث هي جزاء تنطوي على الايلام الذي يحيق بالمجرم عن طريق الانتقاص من حقوقه او مصالحه لمخالفته امر القانون. والعقوبة لا توقع الا على من تثبت مسئوليته عن الجريمة، اذ لا جريمة بدون عقوبة فهي تأخذ وضعها القانوني من كونها المقابل للواقعة التي جرمها القانون. وغاية العقوبة دائما هي منع ارتكاب الجريمة من قبل نفس المجرم او من غيره وهي غاية تقررت لمصلحة المجتمع و بالتالي فان العقوبة لا تتقرر الا من خلال دعوى جنائية تحرك باسم المجتمع والحكم الجنائي هو الفاصل في هذه الفاصل في هذه الدعوى (1). يتضح مما تقدم ان العقوبة تقوم على أربعة عناصر هي : الايلام والجريمة والمجرم والحكم الجنائي (2).
______________
1- انظر محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات، الطبعة الأولى، 1977 – 1978 ص 433 ن وانظر كذلك احمد فتحي سرور أصول السياسة الجنائية، 1972، ص176.
2- والعقوبة حسب قانون العقوبات الاشتراكي هي وسيلة الدولة الاجبارية التي يوقعها القضاة وحده على الأشخاص المذنبين في ارتكاب الجريمة. وهي ليست مجرد عقاب على الجريمة المرتكبة، بل تهدف أيضاً الى اصلاح وتربية المحكوم عليهم بروح الموقف الشريف من العمل والتنفيذ الدقيق للقوانين، وبروح الاحترام لقواعد الحياة الاشتراكية وكذلك التحذير من ارتكاب جرائم جديدة سواء من جانب المحكوم عليهم او غيرهم. انظر زاغورود نيكوف، سموليا – تشوك، بوروفيكوف، نبذة موجوزة عن قانون العمل والقانونين المدني والجنائي في البلدان الاشتراكية، ص233، دار التقدم. انظر كذلك، أصول التشريع الجنائي في الاتحاد السوفيتي والجمهوريات الاتحادية، نقله من الانكليزية الى العربية هنري رياض وعبد الرحيم محمد بشير والجنيد علي عمر، ص25. وانظر كذلك أسس التشريع لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية والجمهوريات المتحدة، ترجمة الدكتور / ثروت أنيس الاسيوطي، ص301، دار التقدم سنة 1974م.
المؤلف : علي حسين خلف – سلطان عبد القادر الشاوي
الكتاب أو المصدر : المبادئ العامة في قانون العقوبات
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً