يمتنع بعض المتهمين عن الكلام المباح فى تحقيقات النيابة العامة ويرفضون الاجابة على أسئلة المحقق فى الاتهامات المنسوبة اليهم ، ولكن الدستور كفل هذا الحق لاول مرة ، للمتهمين فى جميع مراحل الدعوى الجنائية واستحدث المادة 55 فقرة 3 بما يسمى «حق المتهم فى الصمت», فما هو المقصود بذلك الحق, و ما هى حدوده, والاثار المترتبة على اهداره.
ويقصد بالحق فى الصمت, حق المتهم فى أن يظل صامتاً لا يتكلم, لا بالسلب ولا بالإيجاب، سواء كان ذلك فى مرحلة جمع الاستدلالات أمام الشرطة أو فى مرحلة التحقيق الابتدائى امام النيابة او قاضى التحقيق, دون ان يعد صمته هذا بأى حال من الأحوال قرينة أو دليلاً ضده، فهذا الحق يبيح للمتهم عند سؤاله او استجوابه رفض الإجابة عما يوجه إليه من أسئلة، دون أن يُؤخذ امتناعه هذا على إنه قرينة على ثبوت الاتهام ضده, و يجب أن يثبت بمحضر التحقيق ان المتهم اخطر من جهة التحقيق إنه ليس ملزماً بأن يقول أى شيء إلا إذا كان لديه الرغبة فى ذلك, وان ما سيقوله سيؤخذ كدليل ضده.
ويرتبط الحق فى الصمت بالقاعدة الفقهية الاصولية انه لا ينسب لساكت قول, و بقاعدة ان الاصل فى المتهم البراءة ، بحسبان إن المتهم لا يقع عليه عبء إثبات الاتهام ، وبالتالى فلن تكون هناك حاجة إلى مطالبته بتقديم دليل براءته، وإنما فقط وحسبما يشاء من تلقاء نفسه فإن له ان يدحض إدانته بكل الطرق التى يراها ملائمة، وقد يكون من بينها ممارسة حقه فى الصمت , بالاضافة الى ارتباط هذا الحق بحق الفرد فى حرمة حياته الخاصة، ومقتضاه ان من حق الشخص ألا يقتحم أحد ذلك النطاق من الخصوصية الذى يُحيط به نفسه ، ومن ثم يجب منح الأفراد حق الاحتفاظ بسرية ما يريدون كتمانه عن الغير.
وحق المتهم فى الصمت معمول به فى القوانين المقارنة , ففى القانون الأمريكى يعرف هذا الحق بقانون ميراندا، وذلك نسبة إلى المدعى عليه فى الدعوى التى رفعها ضد ولاية أريزونا، والتى استندت فيها المحكمة إلى التعديل الدستورى الأمريكى الخامس، والذى يتضمن الحماية ضد قيام الشخص بادانة نفسه, ولذلك قضت المحكمة بأن الشخص المحتجز يجب أن يعلم من قبل جهة الاحتجاز بهذا الامتياز، الذى يتضمن أن له الحق فى أن يظل صامتاً لا يتكلم وأن كل ما يتفوه به يمكن استخدامه كدليل ضده , والقانون الإنجليزى نص على حق الصمت عام 1912, والذى أوجب أن يخطر المتهم من جهة الاستدلال أو التحقيق إنه ليس ملزماً بأن يقول أى شيء إلا إذا كان لديه الرغبة فى أن يقوله ولكن كل ما سيقوله سيؤخذ كدليل، والزمت المادة 114 من قانون الاجراءات الجنائية الفرنسى قاضى التحقيق بتنبيه المتهم بأن له الحق فى الصمت، وان إغفال ذلك يؤدى إلى بطلان الاستجواب و الإجراءات اللاحقة عليه, كما ان المؤتمر الدولى الثانى عشر لقانون العقوبات المنعقد فى هامبورج عام 1979 كان من أبرز توصياته أن المتهم له الحق فى أن يظل صامتاً ، ويجب تنبيهه إلى هذا الحق.
اما فى مصر لم ينظم قانون الاجراءات الجنائية المصرى حق المتهم فى الصمت امام الشرطة او امام النيابة العامة فى مرحلة التحقيق الابتدائى, اذ اقتصر الامر فقط فى المادة 274 من قانون الاجراءات الجنائية على عدم جواز استجواب المتهم امام المحكمة إلا إذا قبل ذلك, اما فى المجال التأديبى فأن المحكمة الادارية العليا استقرت منذ زمن على ان من حق المتهم الامتناع عن الادلاء بأقواله فى التحقيق الادارى دون ان يعد هذا اعترافا منه بالتهمة المسندة اليه, ونرى انه بعد صدور الدستور فان المشرع المصرى سيتدخل لتعديل قانون الاجراءات الجنائية لينظم الحق فى الصمت فى مرحلتى جمع الاستدلال والتحقيق الابتدائى.
المستشار إسلام إحسان
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً