المملكة العربية السعودية و مكافحة التطرف
يؤكد المقرر الخاص للأمم المتحدة المعنيّ بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، بن إيمرسون، أن حكومة المملكة جادة في مكافحة التطرف، وتعتمد استراتيجيتها على المواجهة الأمنية والمواجهة الفكرية ومواجهة منابع تمويل الإرهاب.
وانخفاض أعداد السعوديين المشاركين في الهجمات الإرهابية داخل المملكة يدلل على نجاح جهود الحكومة في توعية المواطنين بخطر التطرف، بالإضافة إلى ذلك فإنها تحرص على توضيح الجهود المبذولة في إنفاذ القانون لاسيما في مجال منع الإرهاب، والتزامها بالتعاون الدولي والمساعدة القانونية المتبادلة، وتطوير نظم صارمة لمكافحة غسيل الأموال ووقف تدفق التمويل إلى الإرهابيين.
هذا ولا تُقر قوانين المملكة الاتجاه لتعذيب المشتبه بهم في قضايا الإرهاب أثناء التحقيق، وهناك حالات ذكر فيها استخدام الاعترافات والتي تم الحصول عليها بالإكراه وتطبيق عقوبة الإعدام، جاءت بناءً على إجراءات سجل فيها قصور في اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.
والوقائع التي تعكسها سجون المباحث تؤكد العكس على ذلك، وتواجد أجهزة حقوق الإنسان، والجهات المعنية والسماح للوقوف بشفافية مطلقة ينافي هذه الادعاءات التي لا تعكس إلا ما يعانيه الموقوفون في سجون دول العالم، والذين تنقل صورهم باستمرار دون أي حِراك يذكر من الأمم المتحدة.
أما بشأت اعتراض إيمرسون على أحكام الإعدام، فالرد هنا أن الدستور المعمول به داخل المملكة هو القرآن الكريم والسُنة النبوية المطهرة، وأحكام الإعدام تستند في البلاد على مستند شرعي لا يقبل انتقاده، كما أن قضاء المملكة يتمتع بسيادية مطلقة يستمدها من التشريعات الإلهية، وتعد في ذلك المملكة الدولة الوحيدة في العالم التي تعتمد على الشريعة الإسلامية في دستورها.
فأدهشت حملة مكافحة الإرهاب التي قامت بها المملكة العربية السعودية الجميع بسبب إنجازاتها العديدة.
ففي أعقاب الهجمات الإرهابية التي وقعت في عام 2003، بدأت المملكة استخدام برنامج يركز على اتباع تدابير سلمية لمكافحة التأثير الأيديولوجي للمتطرفين . وبينما تعرض البرنامج لانتقادات شديدة بسبب تساهله ومرونته في التعامل، سلط كريستوفر بوسيك من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي الضوء على التقدم الذي حققته هذه الإستراتيجية في مجال مكافحة الإرهاب.
واتخذ تقرير بوسيك عنوان”إستراتيجية المملكة العربية السعودية لمكافحة الإرهاب سلميًا”، وعمد إلي إيضاح أن الهدف الرئيسي وراء هذا البرنامج هو محاربة أيديولوجية تعتقد الحكومة السعودية أنها تستند إلى تفسيرات فاسدة ومنحرفة عن الإسلام.
ورأى بوسيك أن الحكومة السعودية وضعت هذا البرنامج على أساس إدراكها أن التطرف والعنف لا بد من محاربتهما بطريقة متعددة الجوانب، بعد أن ثبت عدم فاعلية الإجراءات الأمنية التقليدية.
على هذا النحو، وضعت الحكومة السعودية برنامجًا يهدف إلى الوقاية والتأهيل والرعاية في مرحلة ما بعد الإفراج عن المعتقلين، وسمي ذلك ببرنامج ((PRAC. وبدأ تنفيذ البرنامج منذ عام 2004، وبلغت نسبة نجاحه 90%. ووفقًا لبوسيك، فإن نجاح البرنامج يرجع إلى السياسات المرنة التي تسعى إلى معالجة العوامل الكامنة التي تجعل هؤلاء الناس ينضمون إلى الحركات الإسلامية العنيفة. وحتى تحقق أهدافها، ركزت المملكة جهودها على تعزيز شرعية الحكومة وضرورة الطاعة والولاء للدولة وقيادتها.
ومن المثير للاهتمام، أن أساليب مكافحة الإرهاب في المملكة العربية السعودية قد تجاوزت الإستراتيجيات الأمنية التقليدية. فقد فسرت الحكومة الإرهاب علي أنه حرب ضد الأفكار؛ ولذا فإن الفائز في هذه الحالة هو الفريق الذي سيثبت أن مفهومه للإسلام هو المفهوم الصحيح. ونتيجة لذلك، فإن جهود برنامج ((PRAC تهدف إلى جعل المتطرفين يدركون فهمهم الخاطئ للإسلام.
والعناصر الرئيسية لسياسة المملكة في مكافحة الإرهاب تشمل التركيز على الوقاية وبرامج إعادة التأهيل والرعاية اللاحقة. والشيء المهم أن التركيز النفسي والاجتماعي لهذه البرامج يثبت أن تورط الإرهابيين مع الجماعات المتطرفة يمكن أن يُردع عن طريق العلاقات الاجتماعية السليمة. وهنا يجب أن نثني على فهم المملكة للمسؤولية والطاقة التي يجب أن تخلقها من أجل دعم نوعية العلاقات التي تحول دون انضمام الرجال والنساء إلى الجماعات الإرهابية.
وخير مثال على إدراك المملكة لذلك هو إدراج برامج الوقاية في المناهج المدرسية. وهذه البرامج الحكومية تركز على تعريف العامة بالإسلام الراديكالي وتقديم بدائل للتطرف، وبذلك يمكن الوصول إلى التركيبات السكانية المختلفة وإقناعها. وهذه المشروعات تتراوح ما بين المسابقات الرياضية والمحاضرات ومسابقات التأليف والحملات الإعلامية. ويقول التقرير إن كل ما سبق كان له تأثير كبير على تصورات المملكة العربية السعودية للإرهاب.
وبالرغم من أن الوقاية أمر مهم، فإن إعادة التأهيل والمتابعة حظيَا بأكبر قدر من الاهتمام مما جعلهما يحققان نجاحًا نظرًا للمرونة التي يتمتعان بها. ويركز هذان الجزءان من البرنامج على مبادرات الإرشاد الشاملة التي تهدف إلى إعادة تثقيف المتطرفين الذين يمارسون العنف والمتعاطفين معها وتشجيع المتطرفين على التخلي عن الفكر الإرهابي.
وشجعت الحكومة أيضًا مشاركة الأسرة في هذه العملية وعمدت إلى توفير دخل بديل في الحالات التي يكون فيها العائل الوحيد قد تم اعتقاله. وقدمت الحكومة مساعدات أخرى مثل التعليم والرعاية الصحية.
وقد وُجد أن نجاح هذه التكتيكات لا يقتصر على خلق الحوار والتفاهم مع المعتقلين فحسب، ولكن أيضًا لكوْن تلك التكتيكات تثبت أن “النظام” يمكن أن يعمل نيابة عنهم. فعندما تظهر الحكومة للمعتقلين أنها في جانبهم، وتتطلع إلى تقديم الدعم لهم ولأسرهم، يكون من الصعب على المعتقلين التشبث بوجهات النظر التي تدعي أن الحكومة “متواطئة مع الكفار”. وتحقق هذه الجهود نجاحًا أيضًا، لأنها تمنع الجماعات الراديكالية من ممارسة المزيد من التأثير على أفراد العائلة عندما يُعتقل أحد أفرادها. وتدرك الحكومة أنها إذا فشلت في توفير هذا الدعم، فإنه من الممكن جدًا أن تتحرك العناصر المتطرفة وتفعل ذلك.
ومع ذلك، فإن النجاح الذي حققه هذا البرنامج اليوم لم يكن من السهل تحقيقه. فعندما بدأ البرنامج، عُقدت اجتماعات بين المستشارين والمعتقلين ولكنها لم تكن على ما يرام. ورفض العديد من المعتقلين لقاء رجال الدين، وسألوا صراحة عن سلطتهم الدينية.
ومع ذلك، اكتسب البرنامج بمرور الوقت مصداقية وانخفض العداء الذي ظهر لدى المعتقلين في البداية.
واليوم، تكفي بعض المعتقلين جلسة واحدة فقط ليتخلوا عن معتقداتهم المتطرفة. وفي حين يحضر أغلب المعتقلين جلسات متنوعة، فإن نسبة نجاح البرنامج ومعاييره التقدمية، تشير إلى إمكانية أن تكون للمبادرات التي تركز على تدابير مرنة وسلمية قدرة على لعب دور في علاج الصراعات المختلفة، وحتى في إعادة التأهيل العام للسجناء الذين لم يتم اعتقالهم بسبب الإرهاب.
ومع ذلك، فإن أكثر جوانب البرنامج إثارة للإعجاب، ربما تكون تلك الرعاية اللاحقة التي يلقاها المعتقلون السابقون. فبينما يوجد العديد من برامج إعادة التأهيل، إلا أن عددًا قليلًا جدًا منها يدعم أو يستمر على اتصال بالمتطرفين السابقين. ومع ذلك، فإن استمرار هذه الخدمات هو الأكثر فاعلية في منع عودة هؤلاء إلى التطرف من خلال معالجة المشكلات الاجتماعية قبل أن تتحول إلى مآسٍ.
فعلى سبيل المثال، إذا تخلى الأفراد عن معتقداتهم المتطرفة، فإنه يتم مساعدتهم في العثور على عمل، وكذلك يتم منحهم مزايا أخرى، بما في ذلك رواتب حكومية إضافية وسيارة وشقة. كما يتم تشجيع السجناء على الزواج وإنجاب الأطفال، حيث يعتقد أن الرجال ذوي المسئوليات يكونون أقل عرضة للانجذاب نحو العنف والتطرف. وبالتالي، فإن برامج الرعاية هذه تكون قادرة على تحفيز المعتقلين السابقين على الانخراط من جديد في المجتمع السعودي.
وتقييم بوسيك النهائي لإستراتيجية مكافحة الإرهاب في المملكة السعودية إيجابي تمامًا، وهو يوصي بأن تقوم دول أخرى بمحاكاة البرنامج. وبينما تقف الحكومات لتتعلم الكثير من التجربة السعودية، فإنها يجب أن تضع في اعتبارها أن الحكومة السعودية خصصت كمية كبيرة من الموارد لهذا البرنامج. وهذا النوع من الالتزام المجتمعي أمر حاسم بالنسبة لنجاح البرنامج. ومن غير المرجَّح أن يحقق برنامج مماثل السمات الرئيسية للإستراتيجية السعودية التي تؤسس شبكة من العلاقات الاجتماعية الشاملة وواسعة النطاق التي تدعم المعتقلين وتمنع التطرف في المستقبل.
هناك جانب آخر مثير للاهتمام في مكافحة الإرهاب لم يتعرض له التقرير، وهو دور المصالحة بين الإرهابيين السابقين وأولئك الذين كانوا ضحية لأفعالهم. فتوقعات الضحايا من العوامل المهم أخذها أيضًا في الاعتبار عند وضع إستراتيجيات مكافحة الإرهاب، فشعورهم بالإحباط نتيجة لإستراتيجيات الحكومة يمكن أن يثير موجة جديدة من التطرف.
ومع ذلك، بدأت برامج مماثلة في الظهور في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا. وقامت الجزائر ومصر والأردن واليمن وسنغافورة وإندونيسيا وماليزيا بوضع برامج لإعادة التأهيل، كما قام بهذا أيضاً الجيش الأمريكي في العراق من خلال فرقة المهام رقم 134. و لاحظ بوسيك أن انتشار هذه الإستراتيجية يعتمد في نهاية المطاف على الاعتراف بأن هزيمة التطرف لا يمكن أن تتحقق من خلال التدابير الأمنية وحدها. وهذا في حد ذاته، إنجاز كبير حققه البرنامج السعودي.
اترك تعليقاً