المنع من إخراج الصكوك لا يعني بطلان التملك
امتدادا لمقال الأسبوع الفائت حول “مدونة الأحكام القضائية” الصادرة عن وزارة العدل تردد لدى البعض تساؤلات حول المسمى ومدى دلالته على المراد, حيث يظن البعض أن في هذه التسمية لبسا مع مدونة الأحكام الشرعية أو ما يسمى في القوانين “القانون المدني”, وبرأيي أن هذا التحفظ ليس في محلة, لأنه من حيث الدلالة فالاسم دال دلالة واضحة على المراد منه, والمفردات المستخدمة مفردات بليغة وجزلة, وكونه قريبا من مسميات بعض الدول لمدوناتهم الفقهية لا يلزم وزارة العدل السعودية بشيء, كما أن الدول تتفاوت في تسمية مثل هذا العمل – أعني: نشر الأحكام القضائية, فمنهم من يسميها: مجموعة الأحكام القضائية, ومنهم: النشرة السنوية للأحكام القضائية, وغير ذلك, فلا مشاحة في الاصطلاح.
ومن الأحكام المتعلقة بالعقار في المدونة: قرار مجلس القضاء الأعلى رقم (49/3) في 12/1/1421هـ المتضمن دراسة الصك الصادر من إحدى المحاكم وهو عبارة عن حجة استحكام أصدرتها المحكمة بعد استكمال الإجراءات الشرعية والنظامية, إلا أن الأحياء كان عام 1381هـ أي بعد صدور المنع من إخراج الحجج في تلك المنطقة بالتحديد لبعض الاعتبارات,- ولا بد من ملاحظة أن هذا المنع يختلف عن المنع من الأحياء الصادر بعد نظام توزيع الأراضي البور عام 1387هـ وهو التاريخ المشهور في المحاكم -, وقد اعترضت وزارة البترول ووزارة المالية على الحكم ورد القاضي اعتراضهما, ورفع الحكم إلى محكمة التمييز واكتسب الحكم النهائي بمصادقة وموافقة محكمة التمييز على الحكم, وبعد رفع الحكم إلى مجلس القضاء الأعلى كتب المجلس للقاضي: “أنه بتأمل ما تقدم ونظرا لأنه صدر أمر ولي الأمر بتاريخ 1/1/1410هـ وعمم على المحاكم برقم 8/ت/8 في 26/1/1410هـ بعدم إصدار صكوك في المناطق المطلوبة للتطوير, وقضى بالتنبيه على القضاة بصورة خاصة بأهمية الالتزام بهذا الأمر تحقيقا للمصلحة العامة, ونظرا لأن القاضي أصدر الحجة بعد الأمر بتسع سنوات فالقاضي والحال ما ذكر لا ولاية له بإصدار صكوك بهذا الخصوص”, وطلب من القاضي التقيد بالتعليمات, إلا أن القاضي أصر على حكمه ولم يرجع عنه, فأصدر المجلس قراره ونصه: “وبتأمل ما تقدم ونظرا لصدور الأمر بالتوقف عن إخراج الصكوك على هذا الموقع, وعدم إخراج الصكوك لا يعني بطلان التملك الصحيح وإنما يمنع البيع ونحوه وإخراج الصكوك إجراء إداري إذا منع منه ولي الأمر وجب امتثال أمره, ونظرا لعدم تجاوب القاضي فإن مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة يقرر بالأكثرية نقض هذا الصك ولا يعني ذلك بطلان ما قد يكون من تملك صحيح”, ويوجد في القرار بعض التسبيبات للقاضي وللمجلس لا يمكن نقلها لضيق المساحة.
ويمكن القول هنا: إن النقض كان لمخالفة القاضي للاختصاص الولائي كما قرره المجلس وبهذا فلا يحق له النظر في الطلب أصلا, وهو مبدأ فقهي معروف وأخذت به القوانين, وهو أحد أنواع الاختصاص, كما أن المجلس قرر مبدأ مهما وهو ” أن المنع من إخراج وثائق التملك, ومن ثم توقف المحاكم عن إخراجها- الصكوك- لا يعني بالضرورة عدم صحة التملك”, ولا بد من التفريق بين هذه المسألة وبين المسألة المشهورة, وهي: “المنع من الأحياء ومدى سلطة ولي الأمر في ذلك”, فالحكم موضوع المقال لا ينطبق عليه الخلاف في هذه المسألة, فالمنع من الأحياء يعني اختصاص الدولة بالأراضي بعد تاريخ المنع, ويقتضي عدم صحة التملك, وهو قول فقهي مشهور ومعتبر وتعمل به المحاكم تأسيسا على سلطة ولي الأمر في تقييد المباح, أما الحكم المشار إليه ففيه المنع من إخراج الصكوك, ولا يعني عدم صحة التملك كما قرر ذلك مجلس القضاء, وبينهما فرق واضح لا يخفى على المختصين, والثمرة – حسب رأيي – : أنه في حالة المنع من الأحياء المستلزمة لعدم صحة التملك لا يحق الرجوع على الجهة المختصة بالتعويض, وفي حالة المنع من إخراج الصكوك والتي لا تستلزم بطلان التملك يجوز الرجوع بالتعويض, وهي شبيهة بمسألة نزع الملكية للمصلحة العامة.
اترك تعليقاً