اكتساب المــوطــن منذ الميلاد أو المــوطــن الأصلي :
إن الموطن الذي يكتسب منذ الميلاد يطلق عليه الموطن الأصلي وهذا الموطن يتحدد على أساس النسب أو محل الميلاد ، كما هو الحال في الجنسية ، فالشخص يكتسب بميلاده موطن أبيه أو موطن أمه فإذا لم تثبت نسبته إلى الأب أو كان مجهول الأبوين (اللقيط) يتحدد موطنه بمكان العثور عليه ، ولكن الموطن لا يتحتم أن يكون هو البلد الذي ولد فيه الشخص بالفعل أو البلد الذي يكون الوالدان ساكنين فيه أو قد يولد الطفل في إقليم دولة ويثبت له موطن أصلي بالميلاد في دولة أخرى ، فالموطن الأصلي يتوافر للشخص منذ الميلاد ومع ذلك لا يشترط إقامة الشخص فيه أصلا (1) .ويعطي الانكليز للموطن أهمية كبرى ،إذ إن الموطن الأصلي لا يفقده الشخص بمجرد هجره بل لا بد من اكتساب موطن جديد بحيث تتجه نية الشخص إلى التنازل عن موطنه الأصلي بصفة نهائية ، ومرجع ذلك أن القاعدة في السوابق القضائية الانكليزية تنص على أن لكل شخص موطنا ولا يمكن أن يظل الشخص بلا موطن ، واذا اراد الشخص تغيير موطنه الاختياري الذي اكتسبه في هذه الحالة اكتساب موطن اختياري اخر فان موطنه الاصلي يحيا ليلازمه من جديد طوال الفترة ما بين فقده موطنه الاختياري الاول وتمام اكتساب موطنه الاختياري الثاني وهذا ما يعبر عنه باحياء الموطن الاصلي ، كما يشترط القانون الإنكليزي لفقدان الموطن الأصلي أن يكون قانون البلد الذي انتقل إليه الشخص للإقامة صالحا له (2). وتعتبر قوانين الجنسية في المملكة المتحدة من أكثر القوانين تعقيداً حتى إن تعبير ( الجنسية البريطانية ) يعتبر تعبيراً مربكاً وذلك لان عبارة المملكة المتحدة لا تعني فقط بريطانيا ( إنكلترا ، ويلز ، اسكتلندا ) وإنما تعني أيضا إدخال ايرلندا الشمالية (3). ولم يتطرق القانون العراقي إلى أسس نشوء الموطن الأصلي بل تطرق إلى اكتساب الموطن بصفة عامة حيث يكتسب الموطن بصورة اختيارية بالإقامة المشروعة الدائمة أو المؤقتة (4). وفي القانون الأردني لم يتضمن القواعد الخاصة بالموطن الأصلي وإنما وضع ألقواعد ألخاصة بالموطن العام المتمثل بالإقامة المعتادة في الأردن في المادة (39).وفي فرنسا ، فان الموطن الأصلي هو أول موطن يكتسبه الشخص عندما تتم له شخصيته بان أصبح مستقلا عن غيره ويتحقق ذلك عند البلوغ ، أما ما جاء في نص المادة 108 فقرة 2 من القانون المدني الفرنسي الذي نص على أن “القاصر يأخذ موطن أبويه وإذا اختلف موطن الأب عن موطن الأم فان القاصر يعد متوطنا لدى من يقيم معه منهما ، فإذا مات واحد من هذين الأبوين أو مات الأبوان ، فموطنه هو موطن الوصي عليه”يرى البعض أن مثل هذا الموطن لا يعد موطنا أصليا نظرا لقابليته للتغيير دائما بسبب تغير موطن الشخص الذي يمثل القاصر قانونا ويعتبر هذا الموطن موطنا قانونيا أو حكمياً(5) .
___________________
[1]- د.غالب علي الداؤدي ، د. حسن الهداوي ، مصدر سابق ، ص187 .
2- د.غالب علي الداؤدي ، عدنان السرحان ، الموطن الدولي في التشريع الأردني والمقارن ، مجلة دراسات ، المجلد 24 ، العدد 2 ، الجامعة الأردنية ، 1997 ، ص267 .
3- انظر ، مقالة بعنوان (Background to British nationality law) للكاتب الانكليزي (Mr. brian Darenport)منشورة على موقع الانترنت:
www.canlii.org/ca/regu
4- انظر المادة (42) من القانون المدني العراقي .
5- د.جابر جاد عبد الرحمن ، القانون الدولي الخاص العربي ، مصدر سابق ، ص13 وما بعدها .
اكتساب المــوطــن بعد الميلاد :
يكون اكتساب الموطن بعد الميلاد بإرادة الشخص أو بحكم القانون .
أولاً : اكتساب الموطن بعد الميلاد بإرادة الشخص ” الموطن الاختياري “
وهو الموطن الذي يكتسبه الشخص بإرادته ويشترط لاكتساب هذا الموطن توافر العنصر المادي والمعنوي ، إذ يشترط الإقامة في مكان معين ، كما يشترط اتجاه نية الشخص إلى اتخاذ هذا المكان مقرا دائما له ، وفي فرنسا يجوز اكتساب الأجانب موطنا لهم في فرنسا بتلك الطريقة (1). وفي القانون العراقي فإنه طبقا لأحكام قانون إقامة الأجانب رقم 118 لسنة 1978 المعدل لا يوجد ما يمنع الشخص من اكتساب موطن اختياري في العراق بشرط دخوله العراق بصورة مشروعة وبلوغه سن الرشد وتقديم طلب الإقامة بعد انتهاء مدة الإقامة المسموح بها له في سمة الدخول حيث يمنح إقامة لمدة سنة أو أكثر وتكون هذه المدة قابلة للتجديد ويكتسب موطناً اختيارياً له طبقاً للمادة (42) من القانون المدني العراقي ، وقد أخذ القانون المصري بالموطن الاختياري في نص المادة (40) فقرة 1 من القانون المدني المصري حيث عرف الموطن بانه المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة ، حيث يكتسب الموطن بمجرد تحقق شرط الإقامة والاستقرار في مكان معين ولا يؤدي كذلك اكتساب الموطن الجديد إلى فقدان الموطن الأصلي في القانون المصري فيصبح بذلك الشخص متعدد الموطن باعتبار أن القانون المصري يجيز تعدد الموطن(2). أما القانون الأردني فقد أخذ بفكرة الموطن الاختياري ولكنه يخلط بينه وبين محل الإقامة المعتادة تارة ويميز بينهما تارة أخرى ، وجعل أساس الموطن الاختياري الإقامة المعتادة في الأردن عندما نص في المادة التاسعة والثلاثين من القانون المدني الأردني على أن (الموطن هو المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة) واخضع اكتساب الموطن الاختياري لقانون الإقامة وشؤون الأجانب .
ثانياً : اكتساب الموطن بعد الميلاد بحكم القانون
يكون الموطن في هذه الحالة موطنا قانونيا أو حكمياً يحدث ذلك بالنسبة للشخص التابع لغيره ، كالصغير والمحجور عليه والزوجة والخدم وقد نص القانون الفرنسي على موطن القاصر والمحجور عليهم والنساء المتزوجات في المادة (108) إذ جاء فيها (ليس للمرأة المتزوجة موطن غير موطن زوجها ويكون موطن القاصر غير المأذون عند أبويه أو وصيه ، وموطن المحجور عليه عند وصيه) وكذلك موطن الخادم أو العامل هو موطن من يعمل لديه طالما كان يقيم معه في نفس المنزل المادة (109) مدني فرنسي ، وعلى ذلك إذا اكتسب الوالدان موطنا لهما في فرنسا تبعهما في ذلك ولدهما القاصر ، وإذا تزوجت امرأة أجنبية بزوج متوطن في فرنسا فإنها تكتسب موطنا في فرنسا بحكم القانون كأثر لهذا الزواج حتى لو كانت تعيش في الخارج وليس لها موطن في فرنسا(3) .
وفي القانون الإنكليزي يعتبر موطن الشخص التابع لغيره هو موطن ذلك الغير فإذا اكتسب الولي أو الوصي أو القيم موطنا له في إنكلترا فإن الصغير المحجور يكون موطنه فيها أيضا وكذلك الحال للزوجة فموطنها طوال الزواج هو موطن الزوج (4).
أما في القانون العراقي فقد نصت المادة الثالثة والأربعون من القانون المدني على أن (موطن المفقودين والقصر وغيرهم من المحجورين هو موطن من ينوب عنهم قانونا) أما بالنسبة لموطن الزوجة في القانون العراقي فقد ذهب د. حامد مصطفى إلى أنه لا يشترط أن يكون موطن الزوجة هو موطن الزوج فيجوز أن يكون لها موطن مستقل عن موطن زوجها إذ أن القاعدة في الشريعة الإسلامية تنص على أنه لا يحق للزوج أن يجبر زوجته على الانتقال إلى ما يزيد على مسافة (القصر)(5). وهناك رأي يذهب إلى أن موطن الزوجة هو موطن الزوج إذا كانت مسلمة(6). ونحن نضم رأينا الى الرأي الثاني ونقول ان موطن الزوجة في القانون العراقي هو موطن زوجها ومحل اقامتها محل اقامته واذا اراد الزوج ان يغير موطنه فيجب النظر الى السبب الذي يؤدي الى هذا التغيير فاذا كان ضرورياً للمعيشة والرزق فلا يجوز للزوجة ان ترفض تغيير موطنها وفي غير هذه الاسباب فان الامر يجب ان يكون متروكاً لها بالموافقة او عدمه ، وفي القانون الأردني نصت المادة 41 فقرة 1 من القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة 1976 على أن (موطن القاصر والمحجور عليه والمفقود والغائب هو موطن من ينوب عن هؤلاء قانونا) ولم يتطرق قانون الجنسية الأردني إلى موطن الزوجة .
وقد أخذ المشرع المصري بفكرة الموطن القانوني في المادة (43) من القانون المدني المصري إذ نصت على “موطن القاصر والمحجور عليه والمفقود والغائب هو موطن من ينوب عن هؤلاء قانونا” ، أما بالنسبة لموطن الزوجة في القانون المصري فبداية يلاحظ أن لا يوجد نص في القانون المصري يجعل موطن الزوجة هو موطن زوجها(7). ويذهب ” د. حسن كيرة إلى تأييد الاتجاه الذي لا يفرض على الزوجة موطنا قانونيا ، وان كان الغالب أن تكون إقامة الزوجة مع زوجها في مكان واحد فان موطنها يكون في هذه الحالة هو موطن زوجها ولكن لا باعتباره موطنا إلزاميا لها وإنما باعتباره محل إقامتها المعتادة فعلا (8) .
________________________________
[1]-د.محمد عبد المنعم رياض بك، مبادئ القانون الدولي الخاص،ط2، مكتبة النهضة المصرية، 1943،ص162.
2- د. أحمد مسلم ، موجز القانون الدولي الخاص المقارن (في مصر ولبنان) ،(الجنسية والموطن ، مركز الأجانب ، تنازع القوانين) ، دار النهضة العربية ، ص211 .
3- د.محمد كامل مرسي بيك، بحث (الموطن أو المحل) ، مجلة القانون والاقتصاد ، العام الثامن 21.
4 – د. غالب علي الداؤدي ، د. حسن الهداوي ، مصدر سابق ص 190 .
5- د . حامد مصطفى ، مبادئ القانون الدولي الخاص ، مصدر سابق ، ص60 .
6- د.غالب علي الداؤدي ، د. عدنان السرحان ، مجلة دراسات ، ص269 وذهب د. غالب علي الداؤدي إلى تأييد الاتجاه الثاني الذي يقضي بأن موطن الزوجة هو موطن زوجها واستند إلى المادة (18) من قانون المرافعات العراقي رقم 83 لسنة 1969 التي تنص على (تسلم الورقة المطلوب تبليغها إلى الشخص نفسه ولو كان خارج محل إقامته أو تسلم في محل إقامته إلى زوجة أو من يكون مقيم معه …) .
7- د.أحمد عبد الكريم سلامة ، المختصر في قانون العلاقات الخاصة الدولية ، ط1 ، دار النهضة العربية ، ص82 . وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بالإسكندرية في عام 1918 بأنه ( ليس شرطاً ضرورياً أن يكون موطن الزوجة المسلمة هو موطن زوجها المسلم فالزوج المصري المسلم مثلاً لو تزوج من امرأة مسلمة في الخارج لا يستطيع أن يلزمها بالإقامة معه في مصر ، إذ من المقرر شرعاً انه لا يجوز للزوج أن يرغم زوجته الانتقال لأكثر من مسافة القصر ) .
8- د. حسن كيرة ، اصول القانون ، ط2 ، دار المعارف ، 1958 ، ص780 .
المؤلف : ريا سامي سعيد الصفار
الكتاب أو المصدر : دور الموطن في الجنسية
الجزء والصفحة : ص12-14
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً