المحاذير الشرعية في التجارة
زامل الركاض
حرصت الشريعة الإسلامية في تنظيمها للعلاقات الإنسانية على الربط بين العمل المادي والقيم الروحية فالمسلم حين يمارس عملاً مادياً فإنه يجب أن يكون متفقاً مع مقتضيات الشرع، وبفهم عميق لدورنا القيادي في هذه الحياة، ولارتباطنا بقيمنا الروحية، فإنه يجب أن تكون هذه القيم حاضرة في كافة جزئيات حياتنا، التي من ضمنها حياتنا التجارية كرجال أعمال مثل صدق المعاملة وعدم المغالاة في الأرباح فالغبن الفاحش ممنوع باجماع الفقهاء وهو من الخداع المحرم شرعاً، والسماحة في المعاملة لقوله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى، وإذا اقتضى)، واجتناب الحلف بالله مطلقاً في البيع، ولو كان صادقاً لأن الحلف فيه امتهان لاسم الله تعالى: (إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق) والإكثار من التصدق فيستحب للتاجر أن يكثر من الانفاق والصدقة ليكفر بذلك عما يقع فيه من حلف أو غش أو كتمان عيب أو غبن ونحوه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر التجار، إن الشيطان والإثم يحضران البيع فشوبوا بيعكم بالصدقة). وكتابة الدين والإشهاد عليه لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه).
وتشكل الأخلاق الإسلامية مجموعة المبادئ والأفكار والمعايير المحددة والمميزة لمعاني الخير والشر والحق والباطل، ومثالاً أعلى نحو سعادة الإنسان وخير المجتمع وهي بذلك الحال تمثل ضابطاً لسلوك الفرد وحفظ نظام المجتمع وتوفير الأمن والاستقرار في المعاملات، فالقواعد الأخلاقية تنهي عن الخصال الذميمة وتنبذ الظلم وغمط الحقوق وإلحاق الضرر بالغير، لقوله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دمائهم واستحلوا محارمهم) وقد ذكر الله عز وجل أن سبب هلاك الأمم أفراداً وجماعات وقوع الظلم فيها: (وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً) وقوله تبارك وتعالى: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى إن أخذه أليم شديد).
فإخفاء العيب والتدليس والغش في البيع حرام بكل أنواعه وصوره لقوله صلى الله عليه وسلم: (من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا) وحديث: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما) وتحرم الشريعة الاحتكار لقوله صلى الله عليه وسلم: (من احتكر فهو خاطئ (المحتكر الخاطئ هو المتردد على السوق ليشتري ما يحتاجه المسلمون ويضطرون إليه فيحتكره فيمنع غيره من الشراء ويحصل بفعله ضرر وضيق والعلة في ذلك قصد التضييق والاضرار بالمسلمين، وكذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن (بيع الغرر) وهذا الحديث أصل عظيم في البيوع ويدخل فيه مسائل كثيرة كبيع المجهول والمعدوم الذي لا يقدر على تسليمه وما لم يتم ملك البائع عليه وغيرها من البيوع التي فيها جهالة وغرر، وكذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها).
ونخلص إلى أن أشد أنواع البيوع المحرمة هو الربا بكل صوره وأشكاله لقوله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) وقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. وقال وهم سواء) والربا مرض اجتماعي خطير يقوم على الجشع والطمع وأنواعه خطيرة وشروره مستطيرة كما في حديث ابن مسعود مرفوعاً: (الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم) والربا يؤول إلى قلة والمرابي إلى فقر وذلة، لقول الحق تبارك وتعالى: * يمحق الله الربا* وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قل) فعلى المسلم تحري الكسب الحلال حتى لا يقع في تحذير النبي صلى الله عليه وسلم: (ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن الحلال أم من الحرام).
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً