المصرفية الإسلامية.. وبناء منظومة تشريعية عالميا
التمويل الإسلامي اليوم أصبح يتطور وينمو بصورة مستمرة منذ بداياته قبل 50 عاما، واليوم أصبح ينمو بوتيرة أسرع، المصرفية الإسلامية كانت بداية لهذه التجربة التي تمكنت المجتمعات المسلمة من الوصول إلى خدمات مصرفية متوافقة مع الشريعة الإسلامية توجد البدائل التي يجد فيها المسلم الاطمئنان على كسبه المالي.
هذا النمو الكبير في نشاط المصرفية الإسلامية كان بشكل كبير قائما على رغبة من أفراد المجتمع المسلم في التعامل بصورة يطمئن إليها، وليس بالضرورة الشعور بأن ما تقدمه المصرفية الإسلامية لا يوجد في الأساس في المصارف التقليدية. هذه الرغبة ساعدت في نمو الطلب على المصرفية الإسلامية، وساعد أيضا في نجاحها رغم العقبات التي واجهت هذه المؤسسات في التطبيق، خصوصا أن الأنظمة المالية الدولية تم بناؤها على أسس المالية التقليدية التي لا تلتزم بالضرورة بالمعايير الشرعية.
خلال خمسة عقود ماضية واجهت المصرفية الإسلامية مجموعة من التحديات والمخاطر، إذ إنه مجال جديد دافع الأطراف ذات العلاقة إيجاد بديل للمؤسسة التقليدية، وهذا الحافز جعل من المستثمرين والمتعاملين يتجاوزون مسألة المخاطر ويغامرون بإنشاء هذه المؤسسات دون أن يكون لديهم صورة واضحة لمستقبلها، وبعد هذا النجاح الذي لم يكن يتوقعه أكثر المتفائلين حينها لا يمكن أن نتحدث عن الشعور بالأمان في هذا النوع من النشاط. فالتحديات أصبحت اليوم أصعب وأعقد وتحتاج إلى احترافية أكثر في العمل، خصوصا أن المصرفية الإسلامية اليوم دخلت في منافسة مع الكبار لإيجاد منتجات تقدم إضافة فعلية لمنظومة الاقتصاد في العالم، إذ إن البدائل وإن كانت تحقق الرضا للأفراد، إلا أنها لا تقدم غالبا إضافة حقيقية ما لم تكن بها ميزة عن المنتجات التقليدية، وما لم تؤكد كفاءتها من الناحية المالية.
المصرفية الإسلامية اليوم وجدت نفسها أمام تحد كبير وهو أن تكون جزءا من المنظومة الاقتصادية العالمية، وتجعل من تشريعاتها جزءا معتبرا داخل منظومة المؤسسة الدولية، إذ إن معاملات المؤسسات المالية كشبكة عالمية تقوم على أسس ومعايير منضبطة، هذه المعايير لا تأخذ غالبا طبيعة ومعايير المؤسسات المالية الإسلامية في الاعتبار، ولا تمكن من وجود سوق تتناسب معها تشجع الجهات التي تتعامل مع المؤسسات المالية الإسلامية لتقديم خدماتها لهذه المؤسسات، خصوصا أن كثيرا من هذه الأنماط من التعاملات بصورتها التقليدية قد لا تكون متوافقة مع الشريعة، وبالتالي تحتاج إلى إجراءات مختلفة ليكون في هذه المعاملات انضباط بالمعايير الشرعية.
الوصول إلى معايير شرعية متفق عليها بين المصارف الإسلامية ليس أمرا يسيرا، خصوصا عندما نعلم أن الآراء في المعاملات المصرفية المتوافقة مع الشرعية تخضع في الأساس إلى الآراء الفقهية، وكما نعلم أن المدارس الفقهية الأكثر شيوعا في التاريخ الإسلامي أربع مدارس، وفي كل مدرسة آراء متباينة، ولذلك لا تكاد تخلو مسألة فقهية من آراء متعددة قد يصل بعضها إلى التباين الكبير الذي لا يمكن من خلاله أن يتم العمل بكلا القولين في المسألة الواحدة، ومع ذلك فإن هناك جهودا تبذلها مجموعة من المؤسسات مثل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية والذي يهتم بإعداد المعايير الشرعية والمحاسبية إضافة إلى مجلس الخدمات المالية الإسلامية والذي يعنى بالمعايير الرقابية على المؤسسات المالية الإسلامية، هذه المؤسسات اجتهدت بالتعاون مع خبراء وباحثين في إعداد مجموعة من هذه المعايير التي تهدف في الأساس إلى خدمة التمويل الإسلامي بصورة عامة، إضافة إلى دراسات، وقرارات المجامع الفقهية التي أصبحت اليوم مصدرا رئيسا يمكن الاستفادة منه في بناء المنظومة الشرعية للمصرفية الإسلامية، ولذلك من المهم في هذه المرحلة بناء جسور للتواصل مع المؤسسات التشريعية العالمية لبناء منظومة تشريعية تحكم عمل المؤسسات المالية الإسلامية، إذ إن توسع المؤسسات المالية الإسلامية اليوم جعل من الصعب تنظيم أعمال هذه المؤسسات، ولذلك وجد كثير من الخلل وسوء التطبيق، خصوصا مع عدم وجود المسألة، ولذلك أسيء للتمويل الإسلامي بسبب عدم وجود منظومة تحكم هذه المعاملات، إضافة إلى عدم الإلزام بمعايير محددة لهذه المؤسسات يضعف جانب الشفافية لديها، ويجعل بعض المؤسسات ــــ مع الأسف ــــ تستغل هذه الفجوة لترويج معاملات غير متوافقة مع الشريعة، ولذلك من المهم في هذه المرحلة العمل على جعل منظومة المصرفية الإسلامية جزءا من المنظومة المالية العالمية ليساعد ذلك في انضباطها، ويعزز الشفافية لديها، ويشجع تعامل المؤسسات الأخرى معها.
فالخلاصة أن من تحديات المصرفية الإسلامية هو الاعتراف بمعايير داخل المنظومة المالية العالمية، ولذلك فإن الجهود التي بذلت في إعداد معايير للمصرفية الإسلامية ينبغي أن يتم العمل على جعلها جزءا من المنظومة العالمية، لزيادة الشفافية وانضباط المعاملات وتشجيع المؤسسات العالمية للتعامل مع المصارف الإسلامية.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً