تنازع الاختصاص في القضايا العقارية
حسان بن إبراهيم السيف
قد لا أكون مبالغاً حينما أقول إن أكثر قضايا تنازع الاختصاص السلبي بين المحاكم، والدوائر التجارية في ديوان المظالم ناشئة عن اختلاف كل جهة منهما في تفسير مواد نظام المحكمة التجارية التي تستمد منها الدوائر التجارية اختصاصها الولائي، ومن أشهر القضايا التي لا يزال تنازع الاختصاص فيها قائماً بين المحاكم العامة، والدوائر التجارية في ديوان المظالم قضايا المنازعات العقارية، وقبل أن أحرر الاختصاص فيها أشير إلى أنه من المستقر قضاء أن المحكمة العامة هي صاحبة الولاية العامة في نظر كافة المنازعات العقارية، وهو مقتضى نص المادة الثانية والثلاثين من نظام المرافعات الشرعية الذي بسط ولاية المحاكم العامة على جميع الدعاوى الخارجة عن اختصاص المحاكم الجزئية، وجعل لها على وجه الخصوص النظر في جميع الدعاوى العينية المتعلقة بالعقار،
ولكن هذه المادة لم تحل دون وقوع الإشكال في الجهة المختصة بنظر المنازعات الناشئة عن المشاركة في استثمار العقارات نظراً لكون الدوائر التجارية تختص بنظر جميع منازعات الشركات بناء على قرار مجلس الوزراء رقم 241 الصادر بتاريخ 26/10/1407هـ الذي جعل من اختصاص القضاء التجاري في ديوان المظالم جميع الدعاوى المتعلقة بالشركات في الفقه الإسلامي، وكذلك كافة المنازعات المتفرعة عن نظام الشركات منذ الشروع في تأسيسها حتى حلها وتصفيتها، ولكن تفسير هذا القرار بأنه يشمل منازعات الشركاء في العقارات هو الأمر الذي جعل كثيراً من قضاة المحاكم العامة يحكم بعدم اختصاصه في نظر منازعات الشركاء في العقارات،
ثم بعد ذلك يرفع المدعي دعواه لدى الدوائر التجارية فتحكم بعدم اختصاصها في نظر تلك المنازعة لكونها من قضايا العقار تأسيسا على نص المادة الثالثة من نظام المحكمة التجارية القاضي بأن دعاوى العقارات وإيجاراتها لا تعد من الأعمال التجارية، ثم بعد ذلك تنظر لجنة تنازع الاختصاص في المجلس الأعلى للقضاء في الحكمين، وتقرر الجهة المختصة، ولا شك أن هذا التنازع يكون على حساب وقت أطراف الدعوى الذين يتأخر النظر في قضيتهم عدة أشهر حتى يتم تحديد الجهة المختصة بنظرها.
والواقع أن اختصاص الدوائر التجارية في ديوان المظالم بنظر منازعات الشركات لا يدخل فيه من قضايا المنازعات العقارية سوى المنازعة التي تنشأ من عقد شركة تمارس نشاط بيع وشراء العقارات دون تحديد هذا العقار مسبقاً عند إبرام عقد المشاركة ”أما القضايا التي تنشأ بسبب قيام أي شخص بشراء أسهم في عقار أو مشروع عقاري مطروح للمساهمة فإنه يعتبر قد اشترى جزءاً من العقار أو المشروع بقدر الأسهم التي اشتراها منسوبة إلى جملة الحصص المقررة في المشروع ولا يعد شريكاً مضارباً، والنزاع في حالة حدوثه ينصب على نصيبه من هذا العقار، ولذا فقد قضى الديوان بدوائره التجارية، وأيدته هيئة التدقيق بعدم اختصاص الديوان بنظر مثل هذه المنازعات باعتبار أن ذلك يتعلق بعقار” وهذا المبدأ قررته دائرة التدقيق الثالثة في ديوان المظالم عام 1427هـ، ولقد جرى قضاء الديوان التجاري أيضاً على أنه غير مختص بنظر المنازعات التي تنشأ عن أي سمسرة لتمويل أو إنشاء أو استئجار أو بيع العقارات استناداً إلى المادة الثالثة المشار إليها آنفاً، وكذلك فإن قضاء الديوان التجاري استقر على أن أي منازعة في عقد مقاولات تنشأ بين مقاول ومالك أو مستأجر للعقار فإنه لا يختص بنظرها، ولو كان عقد المقاولة قد اشتمل على تعهد من المقاول بتوريد المواد تأسيساً على أن هذه المنازعة من دعاوى العقار التي تخرج عن اختصاص الدوائر التجارية.
وعلى الرغم من أن قرار مجلس الوزراء رقم 261 الصادر بتاريخ 17/11/1423هـ أضاف إلى اختصاص القضاء التجاري بديوان المظالم المنازعات التي تنشأ بين تاجرين بسبب الأعمال التجارية التبعية، وهي مجموعة الأعمال التي يقوم بها التاجر ليس لغرض الاتجار بها، وإنما لخدمة تجارته كشراء سيارة لتوزيع بضائعه عليها، أو شراء أجهزة لاستعماله في مكتبه التجاري؛ على الرغم مما تضمنه ذلك القرار فإن ديوان المظالم أخرج من اختصاصه قضايا المنازعات التي تنشأ بين التاجر وبين المقاول الذي تعاقد معه على إنشاء مبنى الشركة أو المؤسسة التي يمارس فيها تجارته، ولو كان المقاول متعهداً بتوريد المواد، وفي تقديري أن الديوان يختص بنظر هذه المنازعة؛ إذ لا فرق بينها وبين المنازعة الناشئة عن شراء التاجر سيارة لتوزيع بضائعه عليها؛ وذلك لأن تعاقد التاجر مع المقاول لإنشاء مبنى شركته أو مؤسسته ألصق بالتجارة التبعية، وأولى بالاختصاص من غيره من أعمال التجارة التبعية، ويكون قرار مجلس الوزراء الآنف الذكر مُخصِِصَاً للمادة الثالثة من نظام المحكمة التجارية.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً