النظام القانوني لحماية الأموال العامة وفقاً للقوانين الاتحادية
المحامية / منال داود العكيدي
يعرف الفقهاء القانونيون الاموال العامة على انها (تلك الاموال الثابتة والمنقولة العائدة للدولة والاشخاص الادارية الاخرى والمخصصة للمنفعة العامة) اذ تتميز الاموال العامة بانها مخصصة للمنفعة العامة وهذا يقتضي بطبيعة الحال الى اخضاعها لغطاء حماية يتناسب مع اهميتها في تحقيق الغاية التي وجدت من اجلها من دون المساس بها او عرقلة وظيفتها وهذا النظام القانوني هو نظام متميز عن احكام القانون الخاص الذي تخضع له الاموال الخاصة كما ان المنازعات بشانها تخضع لرقابة القضاء الاداري لاسيما في الدول التي تاخذ بنظام القضاء المزدوج (القانون المدني والقانون الاداري ).
أما في الدول ذات النهج الاشتراكي فلا تذهب هذا المذهب فهي لاتميز بين الاموال العائدة للدولة والاشخاص الادارية الاخرى بل انها تخضع لنظام قانوني موحد من دون تمييز بينها .
اما بالنسبة للمشرع العراقي فقد تأثر بالنظرية التقليدية السائدة في الدول الرأسمالية والخاصة بالتمييز بين الاموال العائدة للدولة ( الاموال العامة و الاموال الخاصة ) لكن ذلك لم يمنع المشرع من التقريب بين هذين النوعين من الاموال المملوكة للدولة والاشخاص الادارية الاخرى من حيث سحب قواعد الحماية المقررة للاموال العامة على جميع الاموال سواء كانت عائدة للدولة ام الاشخاص الادارية الاخرى .
ومع ذلك فان الاحكام الخاصة بالتمييز لاتزال قائمة ولها اهميتها ولاسيما فيما يتعلق بكيفية استغلال واستعمال الاموال العامة .
وتأتي الحماية الخاصة للاموال العامة بمظهرين : الاول هو الحماية المدنية وتشمل عدم جواز التصرف فيها وعدم جواز تملكها بالتقادم وعد جواز الحجز عليها ، وهذه الاوجه من الحماية المدنية تعود في اصلها الى النظريات الفقهية واحكام القضاء والعرف ، ثم انها وضعت فيما بعد بنصوص تشريعية .
وقد نص القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 في المادة 71 منه على ( ان الاموال العامة لايجوز التصرف فيها او الحجز عليها او تملكها بالتقادم) .
ويقصد بعدم جواز التصرف بالمال العام هو انه لايجوز ان يقع على المال العام اي تصرف من شانه ان ينقل ملكيته الى الافراد او يؤدي الى ترتيب اي حق عيني او ترتيب حق ارتفاق عليه لايتفق مع تخصيصه وفي حالة حدوث اي من هذه التصرفات فان مصيرها البطلان لان هذا يتعارض مع تخصيص المال العام للنفع العام ولا يتعلق ذلك بطبيعته لذا فانه في حالة زوال الصفة العامة عن المال لاي سبب كان فان للجهة الادارية حق التصرف فيه كاي مال من اموالها الخاصة .
وتجب الاشارة هنا الى ان المنع من التصرف مقصور على التصرفات المدنية دون التصرفات الادارية فلا ينطبق مثلا على المبادلات التي تجري بشان المال العام بي الاشخاص الادارية المختلفة عن طريق التنازل او البيع او الشراء مثال ذلك انتقال المال من ذمة الدولة الى ذمة احدى الوحدات الادارية الاقليمية كالمحافظة والبلدية او بالعكس منه بقاؤه مخصصا للمنفعة العامة .
وينطبق ذلك ايضا في حالة منح الادارة التزام بمرفق عام يكون وعاؤه المال العام .
او تقوم الادارة بمنح ترخيص ذو طابع مؤقت لاحد الافراد باستعمال المال العام ويكون لها سحبه في اي وقت يصبح فيه الاستعمال الخاص متعارض مع تخصيصه للنفع العام ، وهناك بعض الاستثناءات التي ترد على ذلك منها جواز اعطاء البعثات الاثرية الاجنبية بعض الاثار المنقولة المكررة كمكافاة لها .
اما عدم جواز تملك المال العام بالتقادم فهذا المظهر من الحماية هو نتيجة لعدم جواز التصرف بالمال العام وهو من الناحية العملية يضاهي اهمية عدم جواز التصرف بالمال العام فمن النادر ان تقدم الادارة على التصرف في المال الها بينما يقوم كثير من الافراد بالاعتداء علية عمدا او خطاء عن طريق وضع اليد او الحيازة ونظا لكون ان التملك بالتقادم ذو طابع مستتر وغير محسوس لذلك فان هذه الحماية تمنع تملكه بالتقادم واسترداده مهما طالت مدة وضع اليد عليه .
ويقضي مظهر الحماية الاخر عدم جواز الحجز على المال العام وهذا المظهر متفرع من عدم جواز التصرف في المال العام لان الحجز يؤدي الى بيع المال جبرا على المالك حتى يستوفي الدائن حقه من ثمن البيه وهذا يتعارض مع حماية المال العام وتخصيصه للمنفعة العامة ،بالاضافة الى انه لايجوز ترتيب حقوق عينية عليه ضمانا للديون التي تشغل ذمة الشخص العام فلا يجوز ان تكون الاموال العامة محلا لرهن تاميني او رهن حيازي .
وهناك نوع اخر من الحماية التي يضفيها المشرع على الاموال العامة لحمايتها من الاعتداء المادي عليها بشكل مباشر او من خلال الانتفاع بها ، ومن البديهي ان القانون يضفي الحماية على جميع الاموال حتى المملوكة للافراد الا ان ما تتميز به حماية الاموال العام هي التشديد في العقوبة اذا ماحدث اعتداء عليها .
فالاموال العامة في الغالب مخصصة للاستعمال المباشر من قبل الجمهور لذا فان الاداة تتمتع بسلطات ضبطية بشان تنظيم استعمال الجمهور لها والانتفاع بها ومخالفة هذه الانظمة في الاستعمال او الانتفاع يعتبر مخالفة يعاقب عليها وهو مظهر بارز من مظاهر الحماية الجنائية للاموال العامة .
ولا بد هنا ان نذكر ان النصوص التي تقرر الحماية الجنائية للاموال العامة لايجمعها تشريع واحد بل هي منتشرة بين قانون العقوبات وقوانين اخرى فضلا عن ان الحماية التي تقررها تلك النصوص متفاوتة من حيث شدة العقاب بحسب اهمية المال العم وبحسب جسامة الاعتداء فقد ورد في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل نصوصا كثيرة تتعلق بذلك منها ماورد في الباب السابع / الجرائم ذات الخطر العام اذ تنص المادة 342 في فقرتها الثانية على انه ( تكون العقوبة السجن المؤبد او المؤقت اذا تم اشعال النار في احد المحال الاتية :
أ – مصنع او مستودع للذخائر او الاسلحة او ملحقاته او في مخزن عسكري او معدات عسكرية .
ب – منجم او بئر نفط .
ج – مستودع للوقود او المواد القابلة للالتهاب او المفرقعات …) بينما تنص المادة 343 على انه ( يعاقب بالحبس او الغرامة كل من تسبب بخطائه في احداث حريق في مال منقول او غير منقول …) (وتكون العقوبة السجن مدة لاتزيد على سبع سنوات او الحبس اذا نشأ عن الحريق تعطيل مرفق عام او ضرر جسيم بالاموال).
اترك تعليقاً