النموذج الاوربي لاسلوب الرقابة المركزة للدفع الفرعي بعدم الدستورية
أ/ عبد الله كامل محادين
يقصد بأسلوب الرقابة المركزة Contrôle concentré للدفع الفرعي بعدم الدستورية، أنه عندما تكون هناك دعوى مطروحة أمام محكمة معينة مختصة للنظر بها، و تثار مسألة دستورية القانون الواجب التطبيق على هذه الدعوى، إما من تلقاء المحكمة نفسها أو بناءً على طلب أحد الخصوم، فتكون المحكمة أمام مسألة فرعية يجب الفصل بها مسبقاًQuestion préjudicielle قبل الفصل النهائي في الدعوى. فتحيل المحكمة المسألة الفرعية المسبقة إلى المحكمة الدستورية (أو العليا) المختصة وحدها بالنظر في دستورية القوانين، و ترجأ النظر في الدعوى المقامة أمامها حتى تفصل المحكمة الدستورية المختصة بالمسألة المسبقة.
بناءً على ذلك فإنّ الدفع الفرعي بعدم دستورية قانون ما يمكن أن يدفع به أمام أية محكمة، و لكن على عكس الأسلوب الأمريكي لا تقوم المحكمة نفسها بالنظر بالمسألة الفرعية المتعلقة بعدم الدستورية قبل الفصل النهائي في الدعوى الرئيسية المطروحة أمامها، بل تحيل هذه المسألة إلى محكمة دستورية مختصة بذلك. و يكون حكم المحكمة الدستورية ذا حجية مطلقة : أي إنّ القانون يعتبر باطلاً و ملغىً، لا يمكن تطبيقه على هذه القضية فقط وإنما على أية قضية أخرى. و بالتالي فإنّ هذه الطريقة تجنبنا العيب المأخوذ على الطريقة الأمريكية للدفع الفرعي و هو خطر الوقوع في تناقض الأحكام المتعلقة بدستورية أحد القوانين، بسبب إسناد مسألة الفصل في دستورية القوانين إلى جميع المحاكم القضائية.
و قد أخذ بهذا الأسلوب أغلب الدول الأوربية باستثناء فرنسا و إنكلترا بالطبع إذ لا توجد رقابة على دستورية القوانين)، و تعتمد هذا الأسلوب النمسا (دستور 1945)، و ألمانيا (دستور 1949)، و إيطاليا (دستور 1948)، و أسبانيا (دستور 1978) و بلجيكا (دستور 1983)…الخ . و قد أخذت بهذا الأسلوب عدة دول خارج أوربا ، و منها جمهورية مصر العربية منذ 1979 بموجب قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لعام 1979 حيث نصت المادة /29/ من هذا القانون على ما يلي :
“تتولى المحكمة الرقابة على دستورية القوانين و اللوائح على الوجه التالي: (أ) إذا تراءى لإحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي أثناء نظر إحدى الدعاوى عدم دستورية نص في قانون أو لائحة لازم للفصل في النزاع، أوقفت الدعوى، و أحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في المسألة الدستورية، (ب) إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة و رأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدي أجلت نظر الدعوى و حددت لمن أثار الدفع ميعاداً لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا، فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد اعتبر الدفع كأنه لم يكن”.
اترك تعليقاً