واجبات المحامي
من أجل ضمان الممارسة الصحيحة لمهنة المحاماة في الدفاع عن حقوق الغير بما يتوافق مع الأحكام الشرعية والأنظمة المرعية، والامتناع عن أي عمل يخل بكرامة المهنة، فقد أرسى نظام المحاماة ولائحته التنفيذية العديد من الواجبات والضوابط التي من شأنها أن تكفل تحقيق رسالة المحاماة باعتبارها عونا للقضاء في إحقاق الحق ورد المظالم، وبيان ذلك على النحو التالي:
الواجب الأول: الالتزام بالأصول الشرعية والأنظمة المرعية:
أوجب النظام على المحامي في مزاولته لمهنة المحاماة الالتزام بالأصول الشرعية والأنظمة المرعية، والالتزام بالقواعد والتعليمات الصادرة في هذا الشأن، لاسيما القواعد والتعليمات المبلغة من وزارة العدل، وهذا يستلزم من المحامي متابعة دورية لما يصدر من الجهات المختصة من أنظمة وتعليمات، وأن يطلع على ما يطرأ على الأنظمة واللوائح والتعاميم من تعديلات حتى لا يقع في مخالفة شيء منها.
ومن المهم أن يعتني المحامي بجمع النظم واللوائح والقرارات والتعاميم، وكلما صدر تنظيم جديد أضافه إلى مجموعته.
الواجب الثاني: اتخاذ مقر:
أوجب النظام على كل محام أن يتخذ له مقراً أو أكثر لمباشرة القضايا الموكل فيها واستقبال الموكلين، وعليه أن يشعر الإدارة العامة للمحاماة بعنوان مقره وبأي تغيير يطرأ عليه.
ويجب أن يكون المقر وفرعه لائقين مع مزاولة المهنة، ومن ذلك:
1- أن يقع على شارع عام.
2- وضع لوحة صغيرة عند باب المدخل من الخارج وفق نموذج تعده الإدارة العامة للمحاماة تشتمل على اسم المحامي – فرداً أو شركة -، ورقم الترخيص، والهاتف، وأيام وساعات استقبال أصحاب القضايا، وإذا غيّر المحامي مقره، أو فرعه، أو أغلقه، فعليه أن يقوم بإنزال اللوحة.
وللمحامي اتخاذ مقر فرعي أو أكثر لمزاولة المهنة في غير مدينة المقر الرئيس، على ألا يتخذ أكثر من فرع في مدينة واحدة، ويتم إغلاق الفرع تبعا لإغلاق المقر الرئيس، سواء كان الإغلاق من قبل المحامي نفسه، أو بقرار تأديبي من لجنة التأديب، أو بقرار من لجنة القيد والقبول.
ومتى ما نقل اسم المحامي إلى جدول المحامين غير الممارسين فإنه لا يحق له فتح مكتبه، أو مزاولة الاستشارات.
ويجب على المحامي أن يعلق أصل الترخيص في مكان بارز بمقره الرئيس، وإذا كان له فرع أو أكثر فعليه أن يعلق في مكان بارز صورة من الترخيص بعد ختمها من الإدارة.
ولمكتب المحامي شخصية اعتبارية، ويتلقى المحامي التبليغات الخاصة به أو بموكليه على عنوان مقره، وتعد منتجة لآثارها النظامية.
الواجب الثالث: اتخاذ أوراق خاصة:
أوجبت اللائحة على المحامي أن يتخذ له أوراقا خاصة به لتقديم كتاباته عليها للجهات، سواء كان هذه الكتابات لوائح قضائية أو عقود أو مخاطبات مقدمة إلى الجهات القضائية أو الجهات الحكومية أو أي جهات أخرى يتطلب عمله مخاطبتها سواء كانت حكومية أو خاصة.
ويجب أن تشتمل هذه الأوراق على اسمه، واسم المقر الرئيس، والفرعي، ورقم وتاريخ الترخيص، وأرقام الهاتف، وصندوق البريد، والرمز البريدي.
ويمنع على المحامي أن يقدم للجهات أي كتابة على أوراق لا تشتمل على ذلك، أو على أوراق لا تخصه.
الواجب الرابع: المحافظة على كرامة مهنة المحاماة:
أوجب النظام على المحامي المحافظة على كرامة مهنة المحاماة، وأن يمتنع عن أي عمل يخل بكرامتها، كما عليه أن يحافظ على شرف المهنة، وأن يتجنب جميع ما يسيء للسمعة والأمانة، ويتجنب ما من شأنه التأثير سلبا على مهنة المحاماة بأي شكل من الأشكال.
كما منعت اللائحة المحامي من أن يعلن عن نفسه بشكل دعائي في أي وسيلة إعلانية؛ لما في ذلك من تقليل شأن المحامين، والحط من قدر المهنة.
الواجب الخامس: تحري الحق والعدل:
يجب على المحامي أن يتقي الله عز وجل في عمله المهني، وأن يضع مخافة الله نصب عينيه في السر والعلن، وأن يعمل على ما يرضي الله في كل تصرفاته القولية والفعلية، وأن يكون أمينا في عمله، صادقا في تعامله.
وعلى المحامي تحري الحق والعدل، وأن يسعى المحامي للحصول على المعلومات الكافية حول قضية موكله قبل مباشرتها، أو تقديم الاستشارة فيها، وألا يتوكل عن غيره في دعوى أو نفيها وهو يعلم أن صاحبها ظالم ومبطل، ولو توكل فيها ابتداء وهو يظن أن موكله محق، ثم ظهر له بعد ذلك أثناء التقاضي أن موكله مبطل فلا يجوز له أن يستمر فيها.
ولا ينفذ المحامي أي طلب للموكل إذا خالف شيئا من أحكام الشرع أو النظام، فالمحامي يعزز جهود الجهات القضائية وجهات التحقيق التي ترمي إلى إرساء العدالة، والمحافظة على الحقوق، وفقا لأحكام الشرع والنظام، ويتجنب المحامي ما قد يؤدي إلى تضليل الجهات المختصة بأي شكل من الأشكال.
وعلى المحامي أن يتجنب كل ما من شأنه تأخير الفصل في القضية بدون مبرر، أو الإخلال بسير العدالة، وعليه الدخول في موضوع المرافعة بغير مقدمات لا يستلزمها المقام، وأن يتجنب في مذكراته الكتابية الكلمات التي تحتمل التأويل، أو تحتمل أكثر من معنى.
الواجب السادس: الالتزام بما وكل فيه:
يبذل المحامي كامل وسعه للوفاء بالتزاماته التعاقدية تجاه موكله، ويقوم بجميع الإجراءات اللازمة لتنفيذ الأعمال الموكلة إليه وفقا لنطاق التعاقد وما تقتضيه أصول المهنة.
وعلى المحامي التقيد بقرارات الموكل فيما يتعلق بأهدافه العامة على ألا تخالف شيئا من أحكام الشرع أو النظام، ولا يعني ذلك تدخل الموكل في صميم عمل المحامي المهني؛ إذ ليس للموكل التدخل في عمل المحامي المهني، وليس للمحامي إنهاء النزاع بالطرق الودية إلا بعد موافقة موكله الخطية.
وعلى المحامي أن يباشر بنفسه المهمة الموكلة إليه من موكله، وليس له أن يوكل عن موكله فيما وكل فيه أو بعضه إلا بموافقة موكله الخطية.
الواجب السابع: المحافظة على أسرار القضية:
أوجب النظام على المحامي المحافظة على أسرار القضية ولو بعد انقضاء وكالته، فيمنع المحامي من إفشاء كل ما اتصل بعلمه عبر مهنته من خلال الاستشارات أو القضايا التي يباشرها إذا كانت هذه المعلومات غير معلن عنها للعموم.
ويمنع المحامي من إفشاء أسرار القضايا بأي وسيلة صادرة منه، سواء بالمشافهة أم بالكتابة، أم بالإشارة، وسواء كان ذلك بالتبليغ بمعلومات، أم نشر مستندات، أو وثائق، أو رسائل، أو غيرها.
واستثنت اللائحة الحالات التالية فلا تعد من إفشاء السر الممنوع:
1- الشهادة على موكله، أو مستشيره.
2- الإدلاء بالوقائع والمعلومات بقصد الدفاع عن مصالح موكله إذا طلبه منه، أو أذن له في ذلك، أو اقتضاه الترافع.
3- إذا كان يترتب على الإفشاء منع وقوع جناية كان قد ذكرها له موكله أو مستشيره.
4- إذا استفسرت منه الجهات المختصة عن معلومات ووقائع معينة.
5- إذا كان السر يتعلق بنزاع بين المحامي وموكله، وكان الإفشاء ضروريا لإنهاء هذا النزاع.
وقد قرر الفقهاء أنه يمنع على وكيل الخصومة أن يشيع أمر خصومة موكله أو يفشي شيئا من أمرها يسيء إليه، ويتأكد ذلك فيما يجب كتمه شرعا مثل النزاعات الزوجية، أو ما يحدث فتنة أو قطيعة بين الأقارب والجيران خاصة أو بين المسلمين عامة، جاء في روضة القضاة عند الحديث عن صفات وكلاء الخصومة (1/122): “… يكون مأمونا على الخصومة، وعلى دقيق ما يجري فيها”.
الواجب الثامن: الامتناع عن شراء شيء من الحقوق المتنازع فيها:
منع النظام المحامي من شراء شيء من الحقوق المتنازع فيها والتي يكون وكيلا فيها -كلها أو بعضها-.
والمنع يشمل قيام المحامي بذلك بنفسه أو بواسطة الغير، كما يشمل قيام المحامي بنقل ملكية السندات باسمه من أجل الادعاء بها مباشرة دون وكالة.
واستثنت اللائحة من هذا المنع ما إذا انتهت علاقة المحامي بالدعوى، فيجوز له شراء هذه الحقوق.
والسبب في هذا المنع كيلا يستغل المحامي مهنته بشراء الحقوق المتنازع عليها، لاسيما أن دور المحامي المهني يجب أن يبعد عن الطابع التجاري، ولذا منع النظام من ذلك حماية للموكلين من تغرير الوكيل بهم أو تعريض حقهم المتنازع فيه للضياع والاستغلال.
الواجب التاسع: رد سند التوكيل والمستندات الأصلية للموكل بعد انتهاء العقد:
إذا انتهت العلاقة التعاقدية بين المحامي وموكله فعلى المحامي رد سند التوكيل والأوراق والمستندات الأصلية للموكل، ومع ذلك إذا لم يكن المحامي قد حصل على أتعابه فيجوز له أن يبقي لديه المستندات والأوراق الأصلية حتى يؤدي له الموكل كامل الأتعاب الحالة والمصروفات المرتبطة بها.
الواجب العاشر: الالتزام بأدب الترافع والخصومة:
أوجب النظام على المحامي في مزاولته لمهنة المحاماة الالتزام بالأدب أثناء الترافع أمام المحاكم واللجان القضائية، فلا يظهر لدداً أو شغباً أو إيذاءً لخصمه أو غير خصمه في مجلس القضاء، وأن يمتنع عن السب أو الاتهام بما يمس الشرف والكرامة بأي وجه من الوجوه.
ولا مانع أن يذكر المحامي المظالم التي يدعيها، ولو وصف خصمه بظلمه لم يؤاخذ على ذلك؛ إذ ليس ذلك من الغيبة المنهي عنها.
وتلفظ المحامي على خصمه إن كان مما يتعلق بالخصومة نفسها كقوله له: (أنت كاذب)، أو (أنت ظالم) فهذا مغتفر، ويدل له ما رواه علقمة بن وائل عن أبيه قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الحضرمي: يا رسول الله، إن هذا غلبني على أرض لي كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي: ألك بينة؟ قال: لا، قال: فلك يمينه، فقال: يا رسول الله، إن الرجل فاجر لا يبالي ما حلف عليه وليس يتورع من شيء، فقال: ليس لك منه إلا ذلك.
والشاهد من هذا الحديث: قول الرجل لخصمه: إن الرجل فاجل لا يبالي على ما حلف عليه، قال النووي عن هذا الحديث: “وفيه أن أحد الخصمين إذا قال لصاحبه: إن ظالم أو فاجر أو نحوه في حال الخصومة يحتمل ذلك منه”.
أما ما كان خارج الخصومة مما لا يتعلق بها فلا يغتفر لقائله، ويعد تعديا موجبا للمسؤولية.
كما منع النظام المحامي أن يتعرض للأمور الشخصية الخاصة بالخصم، أو ما يوحي إليها، كتابيا أو مشافهة للخصم أو وكيله، حتى ولو كانت مما لا تسيء إليه، ما لم يستلزم ذلك الادعاء أو الدفاع في القضية، ويسري ذلك على كل من له صلة بالقضية كالشاهد ونحوه.
ولا يدخل في ذلك ما إذا كان ما أورده المحامي في مرافعته كتابياً أو مشافهة مما يستلزمه حق الدفاع عن موكله، حيث لا تجوز مساءلته عن ذلك، طالما أنه لم يخالف الشرع والنظام، ولم يتعرض لأحد أطراف الدعوى بالسب أو ما يمس الكرامة.
كما منعت اللائحة المحامي من الإعلان في الصحف وغيرها بالتحذير ونحوه عن الشراء، أو المساهمة في المدعى به، إلا بإذن من الجهة ناظرة القضية، على أن يتم النص على الإذن في الإعلان.
الواجب الحادي عشر: احترام الجهات المختصة ومنسوبيها:
على المحامي أن يسلك تجاه القضاء مسلكاً يتفق مع كرامة القضاء وهيبته، وأن يبتعد عن جميع ما يخل بذلك، وتكون علاقة المحامي بالقاضي والمحقق وجميع منسوبي المحكمة وجهات التحقيق مبنية على الاحترام والتقدير.
ويتخذ المحامي جميع ما يضمن عدم إخلال تصرفاته أو تصرفات موظفيه بإجراءات الدعوى، وعدم الإساءة إلى سمعة جهات القضاء والتحقيق.
واحترام المحامي لمنسوبي المحكمة لا يعني أن يترتب على ذلك تفويت حقوق موكله، بل متى ما تبين للمحامي أن شيئا من حقوق موكله قد يضيع أو يفوت فعليه أن يسلك كافة الطرق النظامية لحماية هذا الحق دون الإخلال باحترام منسوبي المحكمة.
الواجب الثاني عشر: احترام الزملاء المحامين:
المحامون شركاء في تحقيق العدالة، وحفظ الحقوق، ويتعاملون فيما بينهم على أساس التقدير والاحترام والتعاون، ومما يساهم في تميز المحامي أن يجمعه بزملائه علاقات تقوم على الاحترام والثقة والود والتفاهم والتعاون، وأن يتعامل معهم كزملاء ينشدون خدمة الحق والعدل، وأن يتجنب أن يكون لخلافات الموكلين فيما بينهم أي تأثير على علاقته بزملائه.
وعلى المحامي أن يتجنب الإساءة لزميله المحامي بأي شكل من الأشكال، وألا يقلل من جهود زميله في أعماله المهنية، أو في حصيلته العلمية، أو في خبرته العملية.
نقلا عن (مذكرة في شرح نظام المحاماة)
إعداد: د. فهد بن علي الحسون
فهد بن علي الحسون
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً