الواسطة.. البوابة السحرية لسرقة الوظائف
تقف ظاهرة الواسطة حائلا بين الشباب من أصحاب الكفاءات والمؤهلات وبين الوظائف والمراكز التي تتناسب مع قدراتهم. الظاهرة التي بدت مثل السرطان الذي تمكن من جسد معظم القطاعات الحيوية في الوطن العربي التي تضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب لتدهس في طريقها أحلام وآمال العديد من الشباب الطموح لصالح آخر قد يكون قريبا لأحد أصحاب المراكز العليا في المؤسسة او الشركة.
تعرف الواسطة على أنها تدخل شخص ما يملك سلطة التزكية أو اتخاذ القرار لدى جهة ما لتسهيل مهمة أو قضاء حاجة لشخص ما مقرب أو صديق عن طريق الوسيط الذي يمتلك سلطة مادية أو وظيفية أو معنوية وفي بعض البلدان تعرف باسم المحسوبية ولكن اختلاف المسميات لا يغير من الحقيقة شيئا وهي أنها حصول شخص ما على خدمة أو وظيفة عن طريق شخص آخر مهدراً بذلك مبدأ تكافؤ الفرص وبما يلحق ضررا بطريقة غير مباشرة لآخرين.وتعد الواسطة من أهم أسباب هجرة العديد من الكفاءات العربية إلى الخارج كما أنها هي الخطوة الأولى على سلم الرشوة وقد اتسع نطاقها في الوقت الحاضر في عموم المؤسسات العربية حتى أصبحت تعرف باسمها العربي في المراجع الأجنبية Wasta ومن مظاهرها الخطيرة ونتائجها عجز بعض المؤسسات عن تقديم الخدمات المنوطة بها وهو ما يدفع بعض المراجعين الى البحث عن واسطة لتسهيل الحصول على بعض الخدمات وهنا مكمن الخطورة بمعنى آخر ان الواسطة لا تقتصر على الحصول على وظيفة وإنما انتشرت فطالت المؤسسات الخدمية المقدمة للجمهور.
إهدار
ويقول مرضى الدوسرى :أن الواسطة تهدر مبدأ تكافؤ الفرص في الحصول على الحقوق والخدمات وتفقدنا الثقة في مسابقات التوظيف حتى إن كثيراً من الشباب يتندر بالشروط التي تعلن عنها بعض الشركات الخاصة لتولي بعض الوظائف فيها حيث تبدو عدم انطباقها إلا على شخص او أشخاص بعينهم.والواسطة تصيب الشباب المجتهد بالإحباط فمن لا واسطة له يصعب عليه الحصول على وظيفة مهما كانت مؤهلاته حتى أصبح الشباب يطلقون عليها اسم فيتامين و تندرا وذلك لأهميتها ويضيف للواسطة دور خطير في انتشار البطالة بين الشباب ذلك أن الشاب المؤهل الذي لا يملك واسطة عندما يتقدم لأي مؤسسة بحثا عن العمل فإن أوراقه توضع مع مئات من الأوراق الأخرى في خزنة النسيان، وأذكر هنا أن أحد الزملاء قدم أوراقه لشركة شهيرة بحثا عن عمل فقالوا له سنتصل عليك، وبعد مرور عدة أشهر لم يتصل به أحد، فقال له أحد الزملاء مازحا يبدو أن عندك نقصا في الفيتامين و أي الواسطة.
خطورة
ويضيف محمد السنين: إن الواسطة قضية شائكة للغاية ومتداخلة الأطراف فهي فيروس خطير يضرب بكل شراسة ووحشية ويترتب على ظهورها عدم وجود تكافؤ في الفرص وموت الضمائر وضياع الحقوق بين الناس وانتشار الظلم و إنها ظاهرة من اختراع أولئك الناس الذين يرفعون شعار البقاء للأقوى.و لابد من عمل استطلاع شامل لمعرفة رأي الناس حول هذه الظاهرة الخطيرة لأنهم هم المتضررون أولا وأخيرا من هذا الداء اللعين وهم من يدفعون فاتورة هذه الظاهرة من وقتهم ومالهم وأعصابهم ومصلحتهم وأعتقد أن الواسطة غالبا ما تتعلق بالعمل الوظيفي ومجال التوظيف والتعيين، وإن كان البعض يذكر أنها في أيامنا هذه طالت كل شيء حتى المستشفيات التي من المفروض أن تكون في مأمن من هذه الظاهرة وأخواتها. وأكد على أهمية محاربة هذه الظاهرة والتصدي لها بشتى الوسائل والطرق وذلك من خلال وضع بعض الضوابط والقواعد لحماية المجتمع وخصوصا الكفاءات الشبابية لأنهم هم أول المتضررين.
قديمة
ويشير محمد عبدالله الى أن الواسطة من الأدوات القديمة في المجتمعات العربية لتجاوز الروتين والبيروقراطية الإدارية والشعور بعدم العدالة وتكافؤ الفرص في الحصول على الخدمات والوظائف والمراكز الاجتماعية، لذلك عندما تتقدم لأي وظيفة في أي مؤسسة فإن السؤال التاريخي يواجه في البداية هل تعرف أحدا ، فرغم الشروط التي تضعها المؤسسات للمتقدمين إليها وهي شرط الخبرة والمؤهل إلا أن ذلك لا يغني من الواسطة شيئا، فالواسطة تغني عن الخبرة والكفاءة والعكس ليس صحيحا ولمن يرى غير ذلك فليجربه بنفسه وشدد على أن تفعيل القانون أمر واجب ووضع الرجل المناسب فى المكان المناسب هو أول شرط من شروط التقدم والنهوض والرقى بالأمم والمجتمعات وهو ما يسعى الجميع إليه، ويعولون عليه.
وعى
ويؤكد ابراهيم العبدالله: أن هناك مؤسسات وشركات لا يمكن الحصول على وظيفة فيها إلا عن طريق الواسطة وهي شركات معروفة لدى الشباب كلهم فإن الواسطة لا زالت هي الحكم في كل شيء. وأرجع ظهور الواسطة إلى ضعف الوعي الاجتماعي لدى البعض وعدم تقديرهم لعواقب مثل هذه الممارسات غير السوية سواء على الفرد أو المجتمع فضلا عن غياب المعايير الدقيقة في الحساب والعقاب للموظف الذي يستغل نفوذه وحدود وظيفته في مخالفة القانون او إهداره لمبدأ تكافؤ الفرص.
ايجابي
وأوضح الدكتور أحمد المجدوب أستاذ علم الاجتماع أن عدم العدالة يؤدي إلى الإحساس بالظلم والحرمان ولكن هناك جانباً إيجابياً فأنا من الممكن أن أتوسط لشخص ما حينما يكون لديه مشروع مفيد للمجتمع ويريد من مسؤول أن يدرسه ويُقيمه فإذا نجح فهو يستحق النجاح وإذا فشل مشروعه فينصرف مجرد وسيط في تعريفه بشخص آخر غير ان الوساطة في الأغلب الأعم تعتبر معول هدم في بناء المجتمع وهي أخطر ما يهدد استقراره وتقدمه فهي تنسف مبدأ المساواة والعدالة وبالتالي هي تحول المجتمع إلى فريقين فريق صغير ومعه واسطة يأخذ كل شيء وفريق كبير ليس لديه واسطة لا يأخذ شيئاً من حقه مبينا أن الواسطة ظاهرة اجتماعية موجودة منذ القدم فقد جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليتوسط له ليوقف حداً من حدود الله فقال رسول الله قولته الشهيرة: والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها فالوساطة بهذه الصورة قديمة ولكنها كانت منتشرة على نطاق ضيق والحقيقة أن الشخص الذي يعتمد على الوساطة في قضاء مصالحه إنما هو في التحليل الأخير شخص ضعيف نفسياً، فهو شخصية اعتمادية لا تستطيع الاتكاء على إمكاناتها الخاصة بل تعتمد على نفوذ وقوة الآخرين والواسطة منتشرة في كل مكان وهي موجودة في كل زمان إضافة الى تداخلها وفق أنماط كل مجتمع وتأثره بموروثاته الفكريةكما يشددون على ضرورة محاربة الواسطة عبر انتداب هيئات رقابية رســمــيــة عليا تــحــد مــن انتشارها ومعاقبة المتسببين بها والمنتفعين منها والواسطة تتعارض مع مبدأ المساواة والحق في التنافس الحرّ لنيل الوظائف اللائقة.
اترك تعليقاً