الواسطة بوابة الفساد
بخيت آل غباش
الفساد مصطلح يشير إلى حالات انتهاك مبدأ النزاهة، وله مظاهر شتى تختلف باختلاف مكان وطبيعة الممارسة وباختلاف الأشخاص أيضا، وقد تعددت التعاريف التي أطلقت لتوضيح مفهوم الفساد وقد يعزى سبب هذا التعدد إلى اختلاف المدارس الفلسفية التي تناولت موضوع الفساد وهذا الاختلاف قد يعود سببه إلى اختلاف أفكار وثقافات وتوجهات الكتاب والمنظرين والعلماء.
حيث عرف الفساد بصورة عامة على أنه «التأثير غير المشروع في القرارات العامة» وكما جاء في تعريف منظمة الشفافية الدولية للفساد بأنه «كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته» وكذلك ما جاء في معجم أوكسفورد الإنجليزي الذي عرف الفساد بأنه «انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة»
إلا أن أغلب التعاريف جاءت متفقة وبشكل كبير على سوء هذه الظاهرة والآثار السلبية التي تتركها في كل مستويات الحكومة ومؤسساتها وهياكلها التنظيمية بل وعلى المجتمع بعمومه وتعتبر هذه الظاهرة وبائية في معظم دول العالم، وهذا يعني التحول في أداء الوظائف العامة من الحالة المثالية إلى الحالة غير المثالية.
وللفساد طرق وأساليب مختلفة ومتعددة، إلا أن المفتاح من وجهة نظري لكل باب يمكن أن يفضي إلى الفساد هو الواسطة، فالواسطة هي المعول الذي يهدم البنيان القانوني لأي جهة، وهي الأداة التي تمكن مستخدميها من القفز على أسوار الأنظمة للوصول إلى ما يبتغون.
لذلك عُرفت الواسطة بأنها «طلب المساعدة من شخص ذي نفوذ وحظوة لدى من بيده القرار، أو القدرة على ممارسة السلطة لتحقيق مصلحة معينة بغير حق لشخص لا يستطيع تحقيقها بمفرده» ولو تأملنا في هذا التعريف لوجدنا أنه أورد قيودا معينة لكي يكون الفعل واسطة هي تحقيق المصلحة، وأن تكون تلك المصلحة بغير حق، وأن تكون لشخص لا يستطيع تحقيقها بمفرده، إذ إن تحقيق الشخص لمصلحة معينة بمفرده يعني أنه انصاع لحكم القانون وبالتالي غياب الواسطة.
وبناء على هذا المفهوم يمكن تكييف الواسطة من الناحية القانونية على أنها رشوة وذلك وفقا لما ورد في المادة الرابعة من نظام مكافحة الرشوة السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/36 وتاريخ 29/12/1412 والتي نصت على (كل موظف عام أخل بواجبات وظيفته بأن قام بعمل أو امتنع عن عمل من أعمال تلك الوظيفة نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة يعد في حكم المرتشي ويعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد عن مئة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين) ونظرا لبشاعة هذا الفعل وأثره على الفرد والمجتمع سواء من الناحية النفسية أو من الناحية الإنتاجية وما يلحق بذلك من آثار أخرى لا تخفى على أحد فقد حرص المنظم السعودي على أن يجعل لمن يدان بمثل هذا الفعل عقوبة تبعية تتمثل في العزل من? الوظيفة العامة وحرمانه من تولي الوظائف العامة كما نصت على ذلك المادة الثالثة عشرة من النظام، وهذه العقوبة تلحق الذي يعرض الواسطة والذي يقبلها والذي يكون وسيطاً بينهما.
فانظر إلى شدة العقوبة التي فرضها القانون وشدة التهاون الحاصل في التطبيق! ولو كان تطبيق النظام يتم كما ينبغي، هل كانت الواسطة ستستمر لتنهش جسد أمتنا وتخلخل ثقتنا بأنفسنا وبمستقبلنا؟ بل إنه زاد على ذلك وفي في سبيل محاربته للرشوة عموماً – ومنها الواسطة – أن نص في المادة السابعة عشرة من نظام مكافحة الرشوة على مكافأة تحفيزية لمَن يرشد عن هذه الجريمة وهو من غير أطرافها.
ومع يقيننا بما تمثله الواسطة من هم يثقل كاهل المواطن السعودي، وما تفرزه من آثار نفسية مزعجة إلا أننا في ذات الوقت نسلم بأنها أصبحت جزءا من النسيج الثقافي للمجتمع، حتى إننا بتنا نسمع ونرى من يبحث عن الواسطة حتى في القطاع الخاص، ولعلي لا أبالغ إن قلت بأن كثيرا من الناس بات يبحث عن الواسطة قبل أن يذهب لمراجعة جهة ما حتى وإن كان الأمر الذي سيذهب من أجله لا يستدعي عناء البحث عن الواسطة في الأصل، ولعل الدراسة التي أعدها الدكتور أحمد الصقيه لمنتدى الرياض الاقتصادي والتي أظهرت أن درجات انتشار الفساد المالي والإداري تتمحور حول الواسطة بنسبة 92.1% تؤكد هذا المعنى، والسؤال الذي يطرح هنا هو: تُرى لو تم تفعيل الرقابة والمحاسبة وطبقت النصوص القانونية بحزم وصرامة، هل سنرى للواسطة أو غيرها من مظاهر الفساد وجودا؟
اترك تعليقاً