الوساطة ودورها في تسوية المنازعات في القانون العماني
د. عبدالقادر ورسمه غالب –
تقوم غرفة التجارة الدولية بباريس بأدوار كبيرة في شتى مجالات دعم وتطوير التجارة الدولية. ومن أهم هذه النشاطات دورها المشهود في تسوية المنازعات التي تنشأ بين كافة أطراف التجارة الدولية ويتمثل هذا الدور بصفة خاصة في دعم التحكيم التجاري والوساطة وكذلك بدائل تسوية المنازعات الأخرى.
من دون شك، فإن تسوية المنازعات عبر البدائل القانونية المتوفرة من غرفة التجارة الدولية، له فوائد عديدة للأطراف. وكل البيانات والإحصائيات الصادرة من الغرفة تبين هذه الفوائد العديدة. والإقبال على الوساطة «مدييشن»، ظل يدفع غرفة التجارة الدولية وغيرها للحرص على المزيد من الدعم، وفي هذا الخضم قامت الغرفة باعتماد لوائح وقواعد جديدة خاصة بالوساطة في عام 2014 لتحل محل التي سبق العمل بها منذ 2001. ما يميز أحكام وقواعد الوساطة السارية الآن في الغرفة، ذكرها التام لكلمة ومصطلح «الوساطة» دون الإشارة بصفة عامة لبدائل تسوية المنازعات، كما كان عليه الوضع في أحكام 2001، أيضا يوجد وضوح كامل للإجراءات، مع قابلية الأحكام والقواعد للتطويع وفق المعطيات المتوفرة. وكذلك من مميزات أحكام وقواعد الوساطة، منح مركز الوساطة بالغرفة والوسيط المعين بعض الصلاحيات في التصرف عند ظهور أي أمر طارئ لا تتضمنه «قواعد الوساطة لعام 2014» وعليهم اتخاذ القرار المطلوب والتصرف حيال هذه المستجدات وفق ما يرونه مناسبا شريطة ألا يتعارض هذا الإجراء مع روح القواعد أو كما نقول «روح القانون». وفي هذا تقدير محبذ للوسيط ودوره، مع منحه الثقة الكاملة للسير قدما بالوساطة في تسوية النزاع حتى النهاية خاصة وأن الأطراف سبق أن منحوه هذه الثقة عند اختيارهم له كوسيط مستقل لتسوية النزاع فيما بينهم.
ويجب أن ندون هنا، أن على كافة الوسطاء الارتفاع لمستوى هذه المسؤولية الجسيمة والثقة الكاملة مع التفاني والإخلاص في العمل لمنح «الوساطة» ذلك الدور المنشود الذي تستحقه للمساهمة في تحقيق العدالة التي يتطلع لها أطراف النزاع… والوساطة في تسوية المنازعات يقوم بها الوسيط كشخص «مستقل» ومؤهل للقيام بالوساطة حسب نوع النزاع القائم، والوساطة قد تكون فردية «شخصية – أد هوك» أو مؤسسية «انستتيوشنال» تحت ظل مؤسسة كما عليه الوضع في غرفة التجارة الدولية وغيرها من المؤسسات المهنية التي تعنى بالوساطة.
الجدير بالذكر، أن إعداد أحكام وقواعد الوساطة تم بواسطة لجنة خاصة «تاصك فورص» مكونة من أكثر من تسعين خبيرا من غالبية الدول وقام بإجازتها لجنة من «مركز الغرفة الخاص بالوساطة وبدائل تسوية المنازعات». كما قام مركز الغرفة للوساطة بإرفاق مذكرة تفسيرية ضافية للقواعد وذلك للمساعدة في تسهيل التطبيق الناجح لبديل «الوساطة»، وللمساهمة بفعالية وإيجابية في تسوية المنازعات ودعم التجارة البينية والأعمال وكافة الاستثمارات على أوسع نطاق. مع ملاحظة التركيز الواضح في القواعد، على استعداد مركز الغرفة لتقديم كل العون لأطراف النزاع شاملة النصائح الفنية والمساعدة في اختيار الوسيط واختيار اللغة ومكان الوساطة….، وهذا بالطبع من فوائد «الوساطة المؤسسية». وفي هذه السانحة نشير إلى أن مركز الغرفة للوساطة قد يستعين بمراكز الغرفة الأخرى أو باللجان الوطنية للمساعدة في اختيار الوسطاء المستقلين المؤهلين، وهذا توجه ملحوظ بمنح دور مهم لكل «اللجان الوطنية لغرفة التجارة الدولية».
ما يميز «الوساطة-مدييشن» عن بدائل تسوية المنازعات الأخرى، من تحكيم أو توفيق أو صلح رضائي، أنها تتم في وقت قصير جدًا وتؤتي أكلها سريعًا حيث تم في حالات عديدة الوصول لتوقيع التسوية بعد الاجتماع الأول أو الثاني للوساطة، وهذا بالطبع يمثل مفخرة للوسطاء وللوساطة عبر مركز غرفة التجارة الدولية، لكنه من دون شك يعتمد في المقام الأول وإلى حد كبير على مدى جاهزية ومهنية الوسيط ومقدراته الشخصية وملكاته الفنية. والتسوية بالوساطة في هذا الوقت القصير تعني الكثير فيما يتعلق بتطبيق مبدأ تقليل تكاليف تسوية المنازعات، وكلما كانت التكلفة قليلة يستفيد الأطراف لأن ارتفاع تكاليف تسوية المنازعات يشكل هاجسًا كبيرًا للعديد من الناس وربما يضطر البعض الكثير لترك حقوقه فقط بسبب ارتفاع المصاريف وإرهاقها لكاهله…
هذا وتركز غرفة التجارة الدولية على تسوية المنازعات التجارية عبر مختلف البدائل خاصة « الوساطة» لأن تجربتها المباشرة في هذا الخصوص ناجحة ومثمرة. واعتبارًا من صدور أحكام الوساطة في 2001، تم الوصول للتسوية الكاملة لأكثر من سبعين في المائة من المنازعات التي تمت الوساطة فيها بموجب اتفاق الأطراف المتنازعة عبر مركز الغرفة للوساطة في تسوية المنازعات، وهذا إنجاز يحمدون عليه. هذا وبالرغم من أن اللغات «الرئيسية» لغرفة التجارة الدولية تنحصر في الانجليزية والفرنسية، إلا أن مركز الوساطة التابع للغرفة قام بإصدار القواعد ومذكرتها التفسيرية في ثماني لغات، من ضمنها اللغة العربية، ويمكن لأي شخص الحصول على أي نسخ أصلية باللغة التي يرغب فيها وذلك بطلبها من مكتبة الغرفة.
إن دور الوساطة في تسوية المنازعات يكبر وينمو بسرعة متنامية خاصة وأن هذا البديل أثبت وجوده كحقيقة وكواقع وسط رجال الأعمال والشركات ومختلف المهن، وفي هذا المضمار يعود قصب السبق لغرفة التجارة الدولية التي بدأت وما فتأت تبذل كل الجهود في استخدام كل الإمكانيات الفنية واللوجستية والمؤسسية لتعبيد كل الطرق الضرورية التي تؤدي لدعم وتنمية التجارة الدولية في كنف العدالة العادلة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً