الوصي المؤقت والولي الجبري في مقال قانوني مميز

الوصي المؤقت والولي الجبري جدلٌ قانوني
للأستاذ القاضي ((سالم روضان الموسوي))
=============================
الإنسان محكوم بالقانون منذ لحظة انعقاد النطفة التي تكونه ولحين وفاته وتولى القانون رعاية شؤونه وتنظم أعماله في كل التفاصيل ويكون القانون بديلا عن إرادة الإنسان عندما يكون فاقدا لهذه الإرادة لنقص فيها أو لانعدامها مثل القاصر الذي لم يبلغ سن الرشد القانوني او المجنون وغيره سواء كان محجورا لذاته او لصفاته،وبما ان ذلك الانسان له تصرفات وتترتب له حقوق فلا بد من ممثل له يعبر عن مصالحه ويسعى لحمايتها، ولان القانون وان كان بديلا عنه فلابد وان يكون له مظهر خارجي يعبر عنه فكان ولي القاصر هو الممثل الأفضل لحماية المصالح كذلك الوصي على القاصر او القيم عليه ونظم القانون كيفية تنصيب هؤلاء وطبيعة اعمالهم و حدد صلاحياتهم بموجب احكام قانونية متعددة والاغلب الاعم منها تم جمعه في قانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1980 المعدل فضلا عن المواد القانونية المبعثرة في نصوص القوانين الاخرى أو القرارات التي لها قوة القانون مثل قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل ، وعند النظر إلى هذه الأحكام نجد ان المشرع اهتم بها كثيرا وتدخل في أدق تفاصيلها إذ جعل الأب وليا جبريا على أولاده القاصرين بحكم القانون لان الصغير يعد قاصرا حتى يبلغ سن الرشد وهو تمام الثامنة عشر من العمر ويعتبر من أكمل الخامسة عشر وتزوج بإذن المحكمة كامل الأهلية على وفق حكم المادة (3/أولا ) من قانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1980 المعدل، وخلال هذه الفترة يكون القاصر بحاجة إلى من يرعى شؤونه مثل العناية بتربيته وإدارة الأموال التي تعود له أو التي تؤول إليه، ويكون الأب بحكم القانون وليا على القاصر وولايته أصليه ذاتية على وفق حكم المادة (27) قاصرين التي نصت على إن (ولي الصغير أبوه ثم المحكمة)

والمادة (102) مدني ويباشر مهامه في حقوق الولاية طالما كان أهلاً لها على وفق حكم المادة (28) قاصرين وتنتهي الولاية ببلوغ القاصر سن الرشد ما لم تقرر المحكمة استمرارها قبل البلوغ إن لم تأنس منه الرشد على وفق حكم المادة (31) قاصرين لان ذلك القاصر منذ لحظة ولادته يكون ذو شخصية طبيعية على وفق حكم المادة (34) مدني ويتلقى الحقوق مثل الهبات او التبرعات على وفق حكم المادة (604) مدني التي تمنح له ويكون الأب هو من يتولى تقبلها نيابة عنه ويرعاها بحكم القانون وعلى وفق حكم المادة (605) مدني دون أن يكون له الخيار ولحين بلوغ الصغير سن الرشد ولان الأب مثله مثل سائر البشر يتعرض إلى عوارض تمنعه من ممارسة مهامه أو انه يفقد إرادته التي هي أساس تكليفه بالولاية التي حددها المشرع واقرنها بعدة شروط منها البلوغ والعقل والأمانة على وفق المادة (76) أحوال شخصية والمادة (35) من قانون رعاية القاصرين، لكن قد يتصرف الولي بسوء تجاه القاصر فللمحكمة أن تسلب الولاية مؤقتاً او دائماً على وفق حكم المادة (33) قاصرين كذلك للمحكمة أن تسلب الولاية عن الولي أو توقفها عندما يكون الولي غائباً او كان قد حكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية لمدة تزيد على سنة على وفق حكم المادة (33) قاصرين وفي الوقت الراهن توجد عدة صور تتعلق بالولاية وسأعرض لها على وفق الآتي:ـ

1- في حال فقدان الولي تقدم ام القاصر طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية أو المواد الشخصية تطلب تنصيب وصي على القاصر بعد تقديم ما يثبت الفقدان وعند ذاك ستصدر المحكمة حجة الوصاية على الأولاد القاصرين والزوج المفقود لأنه أصبح بحكم القاصر .

2- إذا كان الولي خارج العراق والزوجة تروم إصدار حجة وصاية مؤقتة لغرض السفر أو لأي غرض آخر مثل الزواج يقدم طلب مرفق معه موافقة الولي التحريرية أو أي بينة معتبرة قانونا تثبت موافقته على تنصيب مقدم الطلب وصياً مؤقتاً على القاصر

3- الولي الغائب عندما يكون الولي غائبا وهو الذي غادر العراق أو لم يعرف له مقام مدة تزيد على السنة دون أن تنقطع أخباره ويترتب على ذلك تعطل مصالحة ومصالح غيره على وفق حكم المادة (85) قاصرين وللزوجة أن تطلب تنصيبها قيما على زوجها الغائب ووصيه على أولادها القاصرين وتقرر المحكمة ذلك وتصدر حجة وصاية نافذة لحين انتهاء الغيبة.

4- عندما يكون الولي في مناطق يتعذر معه الحضور إلى المكان الذي يقيم فيه القاصر ومثال ذلك المناطق التي تقع تحت سيطرة القوى الإرهابية فإذا كان بإمكانه إرسال برقيه او فاكس او بريد يبين فيه موافقته على تنصيب الأم وصيه على القاصرين للمحكمة أن تصدر حجة وصاية مؤقتة مقرونة بموافقة الولي وهذه الوسيلة ورد ذكرها في قرار محكمة التمييز الاتحادية العدد 2702/احوال شخصية/2008 في 17/8/2008 الذي جاء فيه الاتي (لدى التدقيق والمداولة وجد ان الطعن التمييزي واقع ضمن المدة القانونية قرر قبوله شكلا ً ولدى عطف النظر على ابنته القاصرة رسل تولد 16/1/1993 لا يبيح لها حق طلب نصبها قيمة عليها وبإمكانها استحصال على وكالة منه حسب الأصول لممارسة بعض الحقوق التي تحتاجها . لذا قرر تصديق القرار المميز ورد الطعون التمييزية وتحميل المميز رسم التمييز وصدر القرار بالاتفاق في 16 / شعبان /1429 هــ الموافق 17/8/2008 م)

5- عندما يكون الولي في المثال السابق يتعذر عليه إرسال هذه الورقة أو الموافقة فيعد ذلك عذرا قهريا يحول دون استمراره في رعاية القاصر وتقوم المحكمة بإيقاف الولاية وتنصيب الأم وصيه على القاصر

6- أما إذا لم يعرف عنه خبر يعامل معاملة الغائب او المفقود وعلى وفق ما تقدم تفصيله.

حيث التفت القانون إلى هذا الأمر ولم يترك ذلك القاصر او المحجور دون رعاية فاتجه إلى نصب وصي على ذلك القاصر لإدارة شؤونه ورعايتها وتعتبر الأم هي الأجدر بالوصاية على القاصر وتقدم على غيرها عملا بأحكام المادة (34) قاصرين ، ويتم تنصيب الوصي بثلاثة أوصاف وعلى وفق الآتي :-

1– الوصي المختار وهو الشخص الذي يختاره الأب ( الولي الجبري ) حال حياته للقيام على مصالح أولاده الصغار بعد وفاته وعلى وفق حكم المادة (75) أحوال شخصية

2- الوصي المُنصَب وهو الذي تنصبه المحكمة في حال وفاة الولي ولم يختار وصياً على أولاده القاصرين حال حياته وعلى وفق حكم المادة (81) احوال شخصية

3– وصي الخصومة وهو الذي تعينه المحكمة وصياً على الصغير إذا تعارضت مصلحة القاصر مع مصلحة الولي وذلك لتمثيل القاصر والدفاع عن مصالحه وهذه الوصاية المؤقتة تنتهي حال انتهاء النزاع أو التعارض في المصالح بين الولي ومصالح القاصر بعد ان تقرر وقف الولاية على وفق حكم المادة (37) قاصرين

4- الوصي المؤقت وهو الذي تنصبه المحكمة في حال الحكم بوقف الولاية أو الوصاية وذلك لعدم جواز ترك القاصر دون شخص يرعى شؤونه وعلى وفق حكم المادة (37) قاصرين

وهذه الأوصاف للوصاية هي التي وردت في القوانين النافذ ذات العلاقة بشؤون القاصر وأحواله الشخصية وتنتهي الوصاية في كل الأحوال عند توفر إحدى الحالات التي وردت في نص المادة (82) أحوال شخصية والمادة (39) قاصرين، لكن في الواقع اليومي نجد إن الاب ولايته قائمة وغير موقوفة او مسلوبة وهو معلوم الإقامة والموطن او مجهولها، الا انه لم يقم بإعمال الرعاية للقاصر مما يؤدي إلى الضرر به وبمصالحه، فهل نقف في صمت تجاه هذه الحالة ؟ وجدت ان القضاء العراقي اتجه باتجاهات عدة للمعالجة سأعرض بعضها على وفق الآتي :ـ

1- صدرت عدة قرارات قضائية بتنصيب وصي مؤقت لإدارة شؤون القاصر مع وجود الولي الجبري وكان البعض يسبب هذا القرار ويجد له المسوغ بان مصلحة القاصر أولى بالرعاية لان للقضاء الولاية العامة، إلا أني أرى إن هذا الاتجاه غير صحيح لان ولاية القضاء العامة لا يجوز أن تجمع الولاية مع الوصاية، وإنما القانون أشار إلى وجود الوصي عند موت الولي او عند توفر حالة من حالات فقدان الولاية وايقافها مؤقتاً او دائمياً على وفق ما تقدم واهم جدل سيظهر عند وجود ولي غير موقوفة ولايته مع وصي بموجب حجة وصاية مؤقتة وأجرى الولي تصرفا عن القاصر ثم أجرى الوصي تصرفا مماثلا تجاه القاصر ولكن باتجاه معاكس فمن الذي يكون محلا للقبول والتنفيذ هل هو تصرف الولي أم الوصي ؟ لان كلاهما يملك الحق القانوني بالتصرف فالولي بحكم القانون بوصفه وليا جبريا على القاصر والوصي بموجب قرار قضائي نافذ وملزم. لذلك أرى عدم جواز تنصيب وصي مؤقت مع وجود ولي جبري على القاصر وانما يتم وقف الولاية بقرار مستقل بعد مراعاة أحكام قانون رعاية القاصرين وعلى وفق ما تقدم ذكره ثم اصدار القرار بتنصيب الوصي.

2- كذلك هناك بعض القرارات الصادرة عن محكمة التمييز الاتحادية بان للولي الجبري ان يمنح شخصاً ما وكالة بحكم ولايته لإدارة شؤون القاصر وهذه تخضع لأحكام الوكالة الواردة في القواعد العامة في القانون المدني بوصفه وكيلا وليس بوصفه وصياً ويخضع لأحكام عزله وتحدد وكالته أو نقض تصرفه من الولي بوصفه الموكل وعلى وفق حكم الوكالة وهذا الاتجاه في القضاء العراقي يؤكد إن الولاية لا تجتمع مع الوصاية .

لكن ماذا عن مصلحة القاصر التي تحتاج إلى من يرعاها مثلا حاجته إلى السفر لغرض العلاج والولي لا ينهض بمهامه او انه غير معلوم محل الإقامة، والقاصر لدى والدته المطلقة عن أبيه، لذلك أجد إن المعالجة لا تكون بمخالفة النصوص القانونية، وإنما بتطبيق الإحكام القانونية التي عالجت الموضوع، حيث ان قانون رعاية القاصرين التفت إلى حالة عدم قيام الولي بواجباته تجاه القاصر وافرد له باب لمحاسبة الأولياء والأوصياء في الباب الرابع من قانون رعاية القاصرين وهذه الأحكام لها أساس في الشريعة الإسلامية ومنها الاتي :-

1- عزل الولي ويكون على وفق ما ورد في المود (32، 33) قاصرين، كذلك تطلب دائرة رعاية القاصرين من قاضي محكمة الأحوال الشخصية عزل الولي إذا ثبت تقصيره وعلى وفق حكم المادة (68/رابعاً) قاصرين وبعد ان يصدر القرار بسلب الولاية تقوم المحكمة بتنصيب وصي على القاصر لإدارة شؤونه .وهذه الوصاية تكون موصوفة بالوصف الذي يقترن به العزل فإذا كان العزل بسبب فقدان اهلية الولي فيكون الوصي دائمي، اما اذا كان العزل بسلب او ايقاف الولاية مؤقتا او لمدة محددة فتكون الوصاية محددة المدة ومؤقتة ايضا او قد تسلب الولاية ويتم وقفها جزئيا في بعض صلاحيات الولي وليس جميعها فتكون الوصاية جزئية بالقدر الذي يتعلق بالسلب الجزئي.

2- او بناءً على طلب الولي بالاستقالة عن مهامه وبعد قبولها يتم نصب وصي على القاصر.

ويكون الطريق أو الرسم الذي خط لهذا الأمر، أما بتقديم طلب إلى دائرة رعاية القاصرين من الشخص الذي يرغب بتنصيبه وصيا على القاصر وبعد ان تجري الدائرة تحقيقاتها وتصل إلى قرار سلب الولاية كليا او جزئيا او دائميا او مؤقتا وإرساله الى محكمة الاحوال الشخصية يتم تنصيب الوصي الذي يتوفر على الشروط القانونية والشرعية وقد ترى المحكمة ان صاحب الطلب غير متوفر على تلك الشروط فلها ان تختار شخصا اخر يتوفر عليها، او يقدم طلبا الى المحكمة المختصة وتقوم هذه المحكمة بإرساله الى دائرة رعاية القاصرين لاتخاذ ما يلزم وإرسال قرارها بسلب الولاية ونوع السلب وبعد ان تجري تحقيقاتها على وفق ما تقدم ومن ثم تصدر المحكمة حجة وصاية مؤقته او دائمية تبعا لقرار سلب الولاية.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

 

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.