الأراضي الفضاء .. الوضع المُحيّر
يوسف الفراج
شدد المنظم في إجراءات استخراج حجج الاستحكام على الأراضي الفضاء – وهو مصطلح صار يعني عمليا الأراضي ذات المساحات الكبيرة, وإلا فإن المعنى المتبادر هو الأراضي غير المحياة -, فقد نص نظام المرافعات في المادة 255 على اشتراط أن يتم رفع الطلب إلى المقام السامي بعد استكمال الإجراءات المتبعة لطلب الحجة من:
كتابة للدوائر وأخذ رأي الخبراء في طبيعة الأرض, وقرّرت اللائحة أن الرفع يكون من خلال وزارة العدل مصحوبا بوجهة نظر القاضي حيال الطلب, وهناك الكثير من الأوامر والقرارات من المقام السامي ومن مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل تُشدّد على ضرورة التحقق من استحقاق تملك الأراضي الكبيرة وبالذات الفضاء منها؛ وهو يبيّن إرادةً واضحةً وتوجهاً محموداً من المنظم وصاحب الصلاحية للحفاظ على الأراضي الحكومية وادخارها للمشاريع الإسكانية والتنموية, وسأتجاوز الحديث عن ضع الأراضي الفضاء في هذه المرحلة، وإنما أردت الإشارة إلى مرادات المنظم حيالها.
وعلى كل حالٍ لم يكن الوضعُ محيراً أمام المنظّم بخصوص تملك الأراضي الفضاء بل إرادته واضحة من خلال نصوص نظامية وأوامر سامية, وإنما قصدت من ”الوضع المحير للأراضي الفضاء” في عنوان المقالة ما يلي مرحلة التملك – مع التحفظ على كل تجاوز لإجراءات التملك -,
فما الموقف من هذه الأراضي الفضاء والتي تُشكِّل مساحاتٍ كبيرةٍ لعدد قليل من الأشخاص وفي أماكن استراتيجية داخل النطاقات العمرانية للمدن والقرى؟, وبعض المختصين يُرجعُ ارتفاع أقيام الأراضي إلى بقاء هذه الأراضي الشاسعة من غير تخطيط لها ومن ثم بيعها وتداولها لتوفير الفرصة لعدد أكبر من المحتاجين للسكن. فمن جهة، لا بد أن نقرِّر أن حرية التملك مكفولةٌ للجميع شرعاً ونظاماً ولم تُقيّد أحكام الشريعة الناس بتملكِ مساحاتِ معينة أو ما يحتاجون إليه فقط بل لهم تملك ما يشاءون إذا كان بطريق شرعي,
وفي النظام الأساسي للحكم المادة 18 أن الدولة تكفل حرية الملكية الخاصة وحرمتها. إذاً حريةُ التملك مكفولةٌ شرعاً ونظاماً وهذا هو الوضع الطبيعي ولا غرابة في ذلك ولا تحيُّر , لكن أين الحق الواجب في هذا المال للكافة تجاه المالك؟ فالضريبة لا تؤخذ كما هو معلوم لعدم وجود تشريع بذلك وللموقف الشرعي المانع منها, والزكاة لا تجب على رأي أكثر العلماء إلا في حال انعقاد نية المالك على البيع نيةً جازمةً لتكون الأرض عروضاً للتجارة فتجب فيها الزكاة , وأكثر الملاك يُقرّر أنه لا ينوي البيع في الوقت الحاضر, وبالطبع لا يمكن التصديق بأن الملاك يريدون سكن هذه الأراضي! أو استغلالها بالزراعة والحرث!, إذاً هل يمكن القول إنها وإن لم تكن معروضة حقيقةً للتجارة فهي معروضة حكماً بالنظر إلى المآلات والدلالات فتجب فيها الزكاة كما هو قول البعض من الفقهاء – وهو قول قوي وأشرت إليه في مقالة سابقة -,
حسنا .. فإذا أوجبنا الزكاة حقيقة أو حكما أو تجاوزنا وأخذنا الضريبة, فهل ستُحل إشكالية الأراضي الفضاء وهل سيضغط هذا الرأي على الملاك للبيع ومن ثم تتوافر أراض للمحتاجين وتنخفض الأسعار لكثرة العرض, يجيب بعض المختصين بأنه لا فائدة كبيرة لأن الملاك أعرف بمصالحهم وبكل سهولة سيُضيفون المبلغ المستقطع إلى قيمة العقار وسيتحمله المشترون, وهل يمكن المجازفة والقول بإمكانية نزع الملكية للمصلحة العامة أم أنه في صالح الملاك أو هو تعد على حرية التملك؟ ولكن: لماذا كل هذا؟ وما المشكلة في وجود تجارٍ يملكون عقارات لا تجب فيها ضريبة ولا زكاة ملكوها من حرِّ مالهم!, ولم يعرضوها للبيع تربصاً لارتفاع الأسعار وهم غيرُ معنيين بوجود محتاجين أو فقراء فهو وضع طبيعي في كل المجتمعات – وهذا لسان حال الملاك والمتعاطفين معهم , وهم قلة- , .. ألم أقل لكم.. : ”الوضع محيّرٌ”.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً