طبيعة الوظيفة العامة في القانون الإداري و موقف القانون الإتحادي منها
المحامية: منال داود العكيدي
اتجه فقه القانون الاداري في فرنسا الى تكييف علاقة الموظف بالدولة على انها علاقة تعاقدية تخضع لاحكام القانون الخاص واستمرت هذه النظرية الى مابعد منتصف القرن التاسع عشر وبعد التطور الذي طرأ على القانون الاداري واستقرار احكامه نتيجة لاتساع نطاق العمل الحكومي تم التوصل الى تكييف العلاقة القانونية التي تربط الموظف العام بالدولة بالعلاقة القانونية التنظيمية والتي تقضي بان (مركز الموظف العام يخضع لاحكام القوانين والانظمة الخاصة بالوظيفة العامة) فهي التي تنظم كيفية التحاق الموظف بالوظيفة كما تبين حقوقه وواجباته تجاه الوظيفة.
وقد اكد النظام القانوني للوظيفة العامة في فرنسا الصادر في عام 1959 هذا المبدأ بصورة صريحة استنادا الى نص المادة 5 منه التي تقرر بان مركز الموظف قانوني تنظيمي ، كما اكد قانون حقوق وواجبات الموظفين الفرنسي هذا المبدأ في المادة 4 منه ، اما بالنسبة للقانون العراقي فلا يوجد نص مماثل لا في قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل ولا في قواعد الخدمة لموظفي هيئات القطاع العام لكن يبدو ان محكمة التمييز العراقية ارادت تلافي هذا النقص الواضح في التشريع فأكدت هذا الوضع في احد احكامها التي جعلت من الموظف العام في مركز تنظيمي وعلاقة الادارة بموظفيها من طبيعة تنظيمية عامة تحكمها القوانين والانظمة واستنادا الى ذلك فانها اي محكمة التمييز قضت ايضا في حكمها رقم 104 لسنة 1962 ان (المحاكم غير مختصة بفض نزاع متعلق بحقوق الموظف المتعلقة براتبه وتقاعده حيث ان القوانين الخاصة تنظم علاقته بالادارة).
وقد شدد على هذا الاتجاه ايضا ديوان التدوين القانوني الملغى الذي وصف علاقة الموظف بالادارة بانها تنظيمية تخضع للقوانين والانظمة التي تحكمها (القرار المرقم 62 لسنة 1962) فضلا عن ان من المتفق عليه ان مركز الموظف وعلاقته بالادارة محكومة بقانون الخدمة المدنية وقانون انضباط موظفي الدولة لسنة 1936 وكل التشريعات الادارية وهو ليس في مركز تعاقدي (القرار رقم 111 لسنة 1961).
وان هذه الاحكام تشير بما لايقبل الشك ان المشرع العراقي تبنى النظرية القانونية التنظيمية لعلاقة الموظف العام مع الادارة التي ابتدعها القانون الاداري الفرنسي وتبناها ايضا القانون الاداري المصري ذلك لانها تنسجم مع القواعد اللازمة لسير المرافق العامة وتحقيق جميع النتائج التي تستلزمها اعمال هذه القواعد.
ويترتب على النظرية القانونية التنظيمية في علاقة الموظف العام بالادارة عدة نتائج هي: انه ينشأ المركز القانوني للموظف العام بمجرد صدور قرار التعيين الذي يسند الوظيفة للموظف وهو عمل شرطي من شأنه تطبيق النظام القانوني للوظيفة العامة على الموظف ولايقصد بذلك تعيين الموظف بالوظيفة العامة والتزامه بواجباته برغم ارادته وان لم يكن راغبا فيها لكن المقصود هنا ان التعيين وما يترتب عليه من اثار لايتوقف على رضا الموظف وانما يتم بعمل ارادي من جانب السلطة الادارية ولا يستثنى من هذا المبدأ سوى حالة التعيين باوامر تكليف ففي مثل هذه الاحوال يلزم الموظف بقبول الوظيفة ومباشرة العمل والا يتعرض للعقاب الذي يقرره القانون كما في قانون الخدمة العسكرية.
وبطبيعة الحال فان للسلطة الادارية بناء على ذلك حرية تعديل القوانين والانظمة التي تحكم الوظيفة العامة بمحض ارادتها وبما ينسجم مع مواكبة المرفق للتغيير ويسري هذا التعديل بأثر مباشر من دون ان يكون للموظف حق الاحتجاج بفكرة الحقوق المكتسبة طالما ان هذا التعديل عام لكل الموظفين ،على انه لايجوز المساس بمركز موظف معين والانتقاص من حقوقه وامتيازاته الوظيفية الا بموجب عقوبة مقررة في القانون.
كما ان على الادارة ان لاتخالف ما يقرره النظام القانوني للوظيفة العامة من حقوق وواجبات ولا يمكن استبعاد حكم هذه الاحكام نتيجة مساومة او اتفاق يتم بين الموظف والادارة لمصلحة احد الطرفين وكل اتفاق من هذا القبيل يقع باطلا لانه يخالف القوانين التي تتضمن قواعد آمرة تتعلق بالنظام العام.
وتستمر علاقة الموظف بالدولة لحين قبول استقالته من الوظيفة طبقا لقواعد الخدمة ولا تنقطع هذه الصلة بمجرد تقديم الاستقالة . وعلى الموظف ان يلتزم بالعمل بصورة دائمة لضمان سير المرافق العامة بانتظام ومن مقتضى ذلك يمنع على الموظف الاضراب عن العمل او الامتناع عن اداء واجباته الوظيفية.
اترك تعليقاً