التعويض عن عدم التمتع بالعطلة السنوية المؤدى عنها: الإثبات والتقادم.
علالي محمد
إطار محاسب
التعويض عن عدم التمتع بالعطلة السنوية المؤدى عنها:
الإثبات والتقادم.
يعتبر الحق في العطلة السنوية المؤدى عنها من النظام العام، وذلك بمقتضى المادة 231 من القانون رقم 99-65 المتعلق بمدونة الشغل التي تنص بشكل آمر على ما يلي: ” يستحق كل أجير قضى ستة أشهر متصلة من الشغل في نفس المقاولة أو لدى نفس المشغل، عطلة سنوية مؤدى عنها…”. وقد رتب المشرع جزاء البطلان على كل تنازل عن هذا الحق أو التخلي عن التمتع به، وذلك بموجب المادة 242 من ذات القانون التي تنص على ما يلي: “يكون باطلا، كل اتفاق accordعلى التنازل المسبقrenonciation préalable عن الحق في العطلة السنوية المؤدى عنها، أو على التخلي عن التمتع بهاabandon، و لو كان ذلك مقابل تعويض“.
و تتجلى الغاية التي يرمي إليها المشرع من وراء إلغاءه لحرية الاتفاق في هذا المجال في كونه أراد أن يتدخل لحماية الأجير الذي يعتبر الطرف الضعيف في العلاقة الشغلية، وذلك من خلال تقرير البطلان لكل اتفاق يرمي إلى مخالفة القاعدة المنصوص عليها في المادة 231 السالفة الذكر باعتبارها من قواعد النظام العام الحمائي التي لا يجوز العمل بخلافها فيما تنص عليه كحد أدنى.
ويعتبر سكوت الأجير عن المطالبة بهذا الحق أثناء سريان العقد دليلا على تنازله المسبق عن هذا الحق أو على تخليه عن التمتع به وليس دليلا على الإهمال والتقصير، وذلك بسبب استحالة المطالبة بهذا الحق بفعل الضرورة التي يمليها الحفاظ على مورد الرزق في ظل سوق للتشغيل يتسم بالركود وبصعوبة العثور على فرص للعمل.
فعلى من يقع عبء الإثبات في حال ما إذا ادعى الأجير عدم استفادته من هذا الحق؟ (أولا( وكيف يمكن التعامل مع الحالة التي يتم فيها إثبات عدم استفادة الأجير من حقه في العطلة السنوية المؤدى عنها لمدة تتجاوز السنتين؟ ) ثانيا(.
* * * * * *
أولا: عبء الإثبات.
كرس القضاء المغربي في بعض من قراراته التي كانت تنظر في أوضاع قانونية نشأت قبل دخول القانون رقم 99-65 المتعلق بمدونة الشغل حيز التنفيذ، مبدأ وجوب إثبات ضم العطل بواسطة عقد كتابي، محملا بذلك عبء الإثبات للأجير، و ذلك دون أن يلتفت إلى كون تنظيم العطلة السنوية المؤدى عنها يخضع لمسطرة قانونية دقيقة يكون المشغل هو الملزم قانونا بسلوكها، وهو ما يشكل أساسا قانونيا كان ينبغي الارتكاز عليه لقلب عبء الإثبات على المشغل في حال ما إذا ادعى الأجير أنه لم يستفد من العطل السنوية المؤدى عنها. وقد قام المشرع بتوصيف هذه المسطرة في الفصل 17 من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 5 صفر 1365 الموافق لتاريخ 9 يناير 1946(تقابله المادتان 245 و 246 من مدونة الشغل).
و نذكر من بين هذه القرارات ما يلي:
قرار محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) عدد 354 المؤرخ في 6/4/2005 ملف اجتماعي عدد1207/5/1/ 2004 الذي جاء فيه: ” العطل السنوية لم يثبت الطاعن أنه وقع على ضمها بعقد كتابي مما تعتبر معه متقادمة باستثناء السنة الأخيرة التي حكم بالتعويض عنها“. منشور في سلسلة “دلائل عملية”- التقادم والسقوط من خلال قضاء المجلس الأعلى” إعداد وتقديم امحمد لفروجي الصفحتان 240و241.
قرار محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) عدد 320 المؤرخ في 30/3/2005 ملف اجتماعي عدد 1161/5/1/2004 الذي جاء فيه: “ الطاعنة لم تثبت لمحكمة الموضوع ضم العطل بعقد كتابي مما تبقى معه مستحقة للتعويض عن العطلة عن آخر سنة وهو ما طبقه القرار مما كان معه معللا و مطابقا للقانون و الوسائل لا سند لها“. منشور في سلسلة “دلائل عملية”- التقادم والسقوط من خلال قضاء المجلس الأعلى” إعداد و تقديم امحمد لفروجي الصفحات 242، 243 و244.
القرار عدد 1083 الصادر عن الغرفة الاجتماعية لمحكمة الاستئناف بمراكش بتاريخ 12/10/2003 ملف 415/2003 الذي جاء فيه : “حيث إن المدعي لم يدل بالاتفاق الكتابي على ضم العطل مما يجعله محقا في الحصول فقط على تعويض عن العطلة السنوية الأخيرة طبقا لظهير 9/1/1946 محدد في مبلغ 2.216,30 درهم”. أوردته الأستاذة بشرى العلوي في مؤلفها “الفصل التعسفي للأجير على ضوء العمل القضائي”، الصفحة 371.
وقد تبنت بعض محاكم المملكة نفس التوجه بعد دخول القانون رقم 99-65 حيز التنفيذ، ففي نازلة عرضت على المحكمة الابتدائية بسلا، قضت هذه الأخيرة في حكمها رقم 1784 الصادر بتاريخ 13/7/2012 ملف رقم 546/1501/2012 بما يلي:
“عن العطلة السنوية: وحيث التمس المدعي الحكم له بالتعويض عن العطلة السنوية عن سنة 2003-2004-2005-2006-2007-2008-2009-2010-2011 بحسب مبلغ 47911.54 درهم، فإنه لم يدل بما يفيد ضم العطل الأمر الذي يبقى معه طلب التعويض عنها غير مبرر ويتعين رفضه “.
وغني عن القول أن المحكمة المذكورة لما عللت ما قضت به بكون المدعي لم يدل بما يفيد ضم العطل، فإنها كانت بذلك ترتكز على الفصل 16 من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 5 صفر 1365 الموافق لتاريخ 9 يناير 1946 الذي يتحدث عن إبرام الاتفاق كتابة بين المشغل و الأجير في حال ضم العطل السنوية[1].
و قد سارت المحكمة الابتدائية بالرباط على نفس النهج وذلك بحسب ما اطلعنا عليه من أحكام صدرت عنها بعد دخول مقتضيات القانون رقم 99-65 حيز التنفيذ، نذكر منها على سبيل المثال الحكم رقم 1324 الصادر بتاريخ 1/11/2011 ملف رقم 1141/1501/09 الذي جاء فيه:
“حيث أنه فيما يخص طلب التعويض عن العطلة السنوية، فإنه و في غياب الاتفاق الكتابي على ضم العطل أو تأجيل الاستفادة منها، فالمدعية و بغض النظر عن الدفع بالتقادم تبقى محقة في المطالبة بالتعويض عن العطلة السنوية الأخيرة 2009 الذي لم يطلها أمد التقادم طبقا للمادة 395 من مدونة الشغل، مادام أن الملف خال مما يفيد توصلها بها و تستحق عنها طبقا للمادة 231 من مدونة الشغل تعويضا قدره 807،66 درهم“.
وليس بخاف أن مطالبة القضاء للأجير بالإدلاء بالاتفاق الكتابي كوسيلة إثبات في ظل القانون رقم 99-65 المتعلق بمدونة الشغل يعتبر مخالفة صريحة لمقتضيات هذا الأخير الذي نص في المادة 240 منه على ما يلي:
” يمكن تجزئة العطلة السنوية المؤدى عنها، أو الجمع بين أجزاء من مددها[2]، على مدى سنتين متتاليتين، إذا تم ذلك باتفاق بين الأجير و المشغل. وتتم الإشارة إلى ذلك في سجل العطل السنوية المؤدى عنها المنصوص عليه في المادة 246 أدناه.
غير أنه يمنع أن تؤدي تجزئة العطلة السنوية المؤدى عنها إلى تخفيض مدة العطلة، التي يقضيها الأجير سنويا، إلى أقل من اثني عشر يوم شغل يتخللها يومان من أيام الراحة الأسبوعية “.
وعليه، فإنه خلافا للقانون الملغى الذي كان يقضي بإفراغ الاتفاق بين المشغل والأجير على ضم العطل في عقد كتابي، فإن القانون رقم 99-65 لم يعد يشترط شكلا خاصا يفرغ فيه هذا الاتفاق ما عدا الإشارة إليه، في حال حصوله، في سجل العطل، وبذلك تكون المحاكم التي تحمل الأجير عبء الإثبات من خلال مطالبته بالإدلاء بما يفيد ضم العطل أي بالاتفاق الكتابي، قد حرفت مقتضيات المادة 240 من القانون المذكور و ذلك بإضافة شرط العقد الكتابي الذي لم تنص عليه.
ويعد المشغل هو الملزم قانونا بمسك سجل نظامي للعطل يتم فيه تقييد جميع الوقائع والاتفاقات المتعلقة بالعطلة السنوية المؤدى عنها (الفقرة الأولى من المادة 240، الفقرة الثانية من المادة 245، الفقرة الثانية من المادة 246، المادة 279 و المادة 280و الكل من القانون رقم 99-65) ، وذلك تحت طائلة تغريمه (المادة 268 من ذات القانون).
وكنتيجة لذلك، يعتبر المشغل هو الحائز قانونا على السند المثبت وليس الأجير، وبالتالي يصبح عبء الإثبات يتحمله المشغل لوحده، و هو ما ذهب إليه الأستاذ محمد سعيد بناني في مؤلفه “قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل: علاقات الشغل الفردية- الجزء الثالث” الصفحة 182حيث يقول: “إن أي اتفاق بشأن تجزئة العطلة السنوية المؤدى عنها، أو الجمع بين أجزاء من مددها ينبغي الإشارة إليه في سجل العطل السنوية المؤدى عنها المنصوص عليه في المادة 246 من مدونة الشغل، والذي يتضمن حسب هذه المادة الأخيرة جدول المغادرة من أجل التمتع بالعطلة السنوية المؤدى عنها، و بذلك نكون أمام وسيلة إثبات يمكن الاطلاع عليها من طرف العون المكلف بالتفتيش، و هي تجعل عبء الإثبات على عاتق المشغل عند النزاع، كما هو الأمر بالنسبة للتمتع بالعطلة السنوية المؤدى عنها“.
وقد ذهبت إلى ذلك أيضا الأستاذة بشرى العلوي في مؤلفها “الفصل التعسفي للأجير على ضوء العمل القضائي” الصفحة 369، مرتكزة في ذلك على القرار عدد 532/1997 الصادر عن الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض بتاريخ 6/5/1997 في الملف 1186/1985، حيث قالت: ” كما أن المشغلة يمكن أن تدلي للمحكمة بحجة إثبات أن الأجير استفاد من العطلة السنوية عن طريق سجل العطل الذي يعمل الأجراء على توقيعه عند تمتيعهم بالعطلة السنوية، إن لم تستطع الإثبات يستحق الأجير تعويضا عنها، و قد أكد هذا الطرح قرار المجلس الأعلى عدد 532، ذلك أن الأجير يستحق تعويضا عن العطلة لعدم إثبات المشغلة أنه استفاد منها“.
ثانيا: التقادم.
تنص المادة 395 من القانون رقم 99-65 المتعلق بمدونة الشغل على ما يلي: ” تتقادم بمرور سنتين كل الحقوق الناتجة عن عقود الشغل الفردية، وعن عقود التدريب من أجل الإدماج المهني، وعن عقود التدرج المهني، وعن الخلافات الفردية التي لها علاقة بهذه العقود، أيا كانت طبيعة هذه الحقوق، سواء كانت نابعة عن تنفيذ هذه العقود أو عن إنهائها”.
فهل تنطبق مقتضيات المادة المذكورة على الحالة التي يتم فيها إثبات عدم استفادة الأجير من حقه في العطلة السنوية المؤدى عنها لمدة تتجاوز السنتين؟
بالرجوع إلى المادة 251 من القانون رقم 99-65 المتعلق بمدونة الشغل، ينبغي النظر، من خلال الحالتين المنصوص عليهما في هذه المادة، إلى أن المشغل يوجد في وضعية قانونية سليمة فيما يخص استفادة أجراءه من العطلة السنوية المؤدى عنها. ويتبين ذلك واضحا من أن عدم الاستفادة يكون إما ناتجا عن تأجيل متفق عليه وفق القواعد المنصوص عليها في المادتين 240 و245 من القانون رقم 99-65 المتعلق بمدونة الشغل ، أو متعلقا بالحق في العطلة السنوية المؤدى عنها الذي نشأ خلال السنة التي وقع فيها إنهاء العقد.
ويعتبر عدم تنفيذ المشغل لالتزاماته القانونية في هذا المجال، وخاصة تلك المنصوص عليها في المادتين 245 و246 من القانون رقم 99-65 المتعلق بمدونة الشغل، عملا يعرقل استفادة الأجير من عطلته السنوية المؤدى عنها.
وهذا ما ذهبت إليه الغرفة الاجتماعية لمحكمة النقض الفرنسية في قرارها رقم 10929-11 المؤرخ في 13 يونيو 2012 الذي قضت فيه بنقض و إبطال القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بباريس بتاريخ 30 يونيو 2010 و ذلك بحجة أن المشغل لم يثبت أنه طبق ما نص عليه القانون في المادتين D 3141-5و D 3141-6 من مدونة الشغل الفرنسية (تقابلهما المادتان 245 و 246 من القانون رقم 99-65 المتعلق بمدونة الشغل). كما أن سكوت الأجير عن المطالبة بالاستفادة من حقه في العطلة السنوية المؤدى عنها طيلة مدة سريان العقد، وفي حال ثبوت إخلال المشغل بالتزاماته القانونية ذات الصلة، يعد سكوتا ملابساsilence circonstancié ، وبالتالي يقوم دليلا على قبول الأجير التنازل المسبق عن هذا الحق المقرر لصالحه أو على تخليه عن التمتع به. وعليه، وحماية للأجير باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة الشغلية، قرر المشرع في المادة 242 من القانون رقم 99-65 المتعلق بمدونة الشغل على ما يلي: “يكون باطلا، كل اتفاق على التنازل المسبق عن الحق في العطلة السنوية المؤدى عنها، أو على التخلي عن التمتع بها، و لو كان ذلك مقابل تعويض”، وذلك انسجاما مع المبدأ العام الذي تم تقريره في الفقرة 19 من ديباجة نفس القانون والذي ينص على اعتبار الحقوق التي أقرتها مدونة الشغل حدا أدنى لا يمكن التنازل عنه. وهو ما يعني أن المشرع قد رتب صراحة جزاء البطلان على قبول الأجير كل تنازل عن هذا الحق أو التخلي عن التمتع به، مما يجعل من تطبيق مقتضيات القانون رقم 99-65 المتعلقة بالتقادم على النوازل ذات الصلة تصطدم بالقاعدة القانونية التي تقول بعدم زوال البطلان بالتقادم.
وترتيبا على ذلك، يكون تقادم الدعوى الناشئة عن المطالبة بالتعويض عن عدم التمتع بالعطلة السنوية المؤدى عنها، متى توفرت الشروط المبينة أعلاه، خاضعا للمقتضى المنصوص عليها في المادة 387 من ظهير الالتزامات والعقود وليس لما تم التنصيص عليه في المادة 395 من مدونة الشغل.
[1] تفضلوا بالرجوع إلى النسخة الفرنسية من الجريدة الرسمية عدد 1744 الصادر بتاريخ 29/3/1946 الصفحة 224.
Article 16 : « Lorsque, aux termes du statut régissant le personnel d’un établissement, d’une convention collective ou d’un accord écrit entre les dirigeants de cet établissement et un salarié, la durée de plusieurs congés annuels continus payés peut être regroupée en une seule période, chaque salarié de l’établissement bénéficiant du statut, de la convention ou de l’accord, peut jouir de cet avantage jusqu’à concurrence de la durée des congés de trois années consécutives »
[2] « Le congé annuel payé peut, après accord entre le salarié et l’employeur, être fractionné ou cumulé sur deux années consécutives. Mention en est porté sur le registre des congés annuels payés prévu à l’article 246 ci-dessous ».
كما نلاحظ، فقد أشارت المادة 240 من مدونة الشغل في نسختها الفرنسية إلى الجمع بين العطل والتي ترجمت خطأ إلى العربية بعبارة “الجمع بين أجزاء من مدد العطل السنوية “
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً