بحث حول التقييدات بين الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري والمادة 2 من مدونة الحقوق العينية
يقوم نظام التحفيظ على إخضاع العقار لظهير 12عشت 1913 المعدل والمتمم بقانون رقم 14.07.وذلك بعد خضوعه لمسطرة التحفيظ وبقرار من المحافظ العقاري لتأسيس الرسم العقاري، مما يكتسب قوة ثبوتية أمام الجميع.
وهذا لغرض تسهيل تداوله وخلق الثقة والأمان للمتعاملين معه، مما يمكن لكل شخص اكتسب حق في ذلك العقار ان يطالب بتقييده بالرسم العقاري، بحيث لا يعتبر موجودا إلا من يوم تقييده بالرسم العقاري، وهذا ما نص عليه الفصل 66من ظهير التحفيظ العقاري، الذي أضاف على أنه لا يمكن إبطال التقييد في مواجهة الغير الحسن النية، طبقا لمبدأ القوة الثبوتية للتقييدات.
فيعد التقييد قرينة قانونية على وجود الحقوق التي ينص عليها، فهو دليلا قاطع وحجة دامغة يمكن الاحتجاج بها تجاه الجميع، فلا تضمن الحقوق العينية المتعلقة بالعقارات المحفظة بين الأطراف الا بتقييدها بالرسم العقاري، الا ان هذه القرينة لم تعد لها حماية مطلقة ويمكن اثبات عكسها، وهذا بعد صدور المادة 2من مدونة الحقوق العينية التي أثارت جدل كبير على مستوى العلمي والعملي، فقضت بأنه لا يمكن مواجهة الغير الحسن النية إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو تزوير وبشرط رفع دعوى للمطالبة بحقه داخل أجل 4سنوات من تاريخ التقييد. يتضح من خلال هذه المادة أن المشرع نهج نهجا وسطا، باعتماده على معادلة حسن النية وسوء النية لكن لم يضع ضوابط محددة لتقدير حسن النية من سوؤها، مما يطرح الاشكال حول من الأولى بالحماية هل المسجل على العقار أم الذي اكتسب الحق بحسن نية.
بناء على ما سبق يمكن التطرق لهذا الموضوع من خلال الخطة التالية:
المحور الأول: التمييز بين الغير الحسن النية والغير السيئ النية في التقييدات العقارية
أولا: الغير الحسن النية
ثانيا: الغير السيئ النية
المحور الثاني: موقف القضاء حول حجية التقيدات قبل وبعد مدونة الحقوق العينية
أولا: الاجتهادات القضائية حول حجية التقييدات قبل صدور مدونة الحقوق العينية
ثانيا: حجية التقييدات بعد صدور مدونة الحقوق العينية
المحور الأول: التمييز بين الغير الحسن النية والغير السيئ النية في التقييدات العقارية
إذا انصب حق عيني على عقار محفظ فـانه يعتبر غير موجود ولا يمكن ان يحتج به امام الجميع الا من تاريخ تسجيله بالرسم العقاري، وحجية التسجيل بالنسبة للغير تقتضي التمييز بين حسن النية (أولا) وسيئ النية (ثانيا).
أولا: الغير حسن النية
اختلفت الآراء والتعريفات حول مفهوم الحسن النية بحيث ليس من السهل إعطاء تعريف شامل وجامع لها، ونجد من ذلك “حسن النية هو الاعتقاد المغلوط لشخص اعتقد انه يتحرك وفقا للقانون، فالاعتقاد المغلوط في وجود مركز قانوني يستحق الحماية لما يصادف خطأ يعذر عنه لدى الغير.”[1]
وفي هذا الإطار نجد ان المشرع المغربي منح الحماية للغير الحسن النية فيما يتعلق بالتقييدات بالرسم العقاري، بحيث أشار له في الفقرة الثانية من الفضل 66 من ظهير التحفيظ العقاري وفق ما يلي:” لا يمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة.” [2]
كما جاء في الفقرة الثانية بالمادة 2من مدونة الحقوق العينية:” ان ما يقع على تقييدات من ابطال او تغيير او تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن النية…”[3]
ومن ثم يتبين ان كل ما هو مقيد بالرسم العقاري، يعتبر موجودا وصحيحا تجاه الغير وله قوة ثبوتية، هذا بالنسبة للوجه الإيجابي لحجية التقييد، اما الوجه السلبي لحجية التقييد يتمثل في ان كل حق عيني غير مقيد بالرسم العقاري يعتبر غير موجود بالنسبة للغير[4]، وبالتالي فلا يعترف بأي حق عيني متعلق بالعقار الا بتقييده.
تانيا: الغير السيئ النية
كما هو الشأن لصعوبة إيجاد تعريف دقيق للغير الحسن النية، فكذلك ما زال يعرف اختلاف حول المقصود من سوء النية، وعموما يعتبر سيئ النية الغير الذي يعلم عند تقييده العق العيني باسمه في الرسم العقاري العيوب والشوائب التي تشوب سند او رسم من تلقى الحق عنه.[5]
فالغير السيئ النية هو الذي يعلم بوجود حقوق غير مقيدة او بالعيوب التي تتعلق بالتقييد، وبالتالي فلا يستحق ان يحتمي وراء الحجية المطلقة للتقييد بوجهيها الإيجابي والسلبي التي يستفيد منها فقط الغير الحسن النية.[6]
وتجدر الإشارة ان معيار التفرقة بين الغير السيئ النية والغير الحسن النية، اثار نقاشا كبير بين الفقه والقضاء اذ يصعب التوصل لتعريف واضح وضوابط محددة لكل منهما، لكن ما يستفاد من نصوص التحفيظ العقاري وموقف القضاء، ان الغير المقيد الذي تمنح له الحماية يجب ان تتوافر فيه الشروط التالية:
ان لا يكون طرفا في التصرف المعيب.
ان يكون هذا الغير قد اكتسب حقوقا على نفس العقار بحسن نية.
ان يكون هذا الغير قد قيد حقه بالرسم العقاري.
المحور الثاني: موقف القضاء من حجية التقييد قبل وبعد مدونة الحقوق العينية
قبل صدور المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية، عرفت حجية التقييدات موقفين مختلقين حسب الاتجاهات القضائية(أولا)، وبعد صدور المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية لم تعد تضفي على الغير الحسن النية حماية مطلقة(ثانيا).
اولا: الاجتهادات القضائية حول حجية التقييدات قبل صدور مدونة الحقوق العينية
عرفت حجية التقييدات اتجاهات قضائية مختلفة حول مدى حجية التقييدات، فهناك اتجاه يقرر ان ما بني على باطل فهو باطل، واتجاه اخر يقرر مبدأ ثبوتية التقييدات.
أ: الاتجاه المقرر لمبدأ ما بني على باطل فهو باطل:
عمل هذا الاتجاه القضائي على الالتزم بالقاعدة الأخلاقية التي تقرر أن ” ما بني على باطل فهو باطل “، ونجد في هذا السياق قرار محكمة النقض عدد 1107المؤرخ في 2008.03.26 جاء فيه ” طعن المالك بالزور في عقد البيع المؤسس عليه تقييد الغير في الرسم العقاري يلزم المحكمة بإجراء تحقيق في صحة التوقيع من عدمه ولا يحتج بحسن نية المقيد مادام ينازع في صحة العقد وزوريته باعتبار العقد الباطل لا يترتب أي أثر.”[7]
وبالتالي فكل عقد ثبت به تزوير يعتبر كل ما يترتب عنه مزور، ويصبح معدوم، فكان يندد هذا الاتجاه على انه كيف يعقل أن يترتب على هذا الباطل والمعدوم أثار قانونية إن تم تطبيق مبدأ القوة الثبوتية للتقييدات، بمعنى كيف أن صاحب الحق الأصلي إن تضرر من التقييد لا يحق له طلب إبطاله، ولا يمكنه مواجهة الغير الحسن النية.
ويتضح من خلال هذا الاتجاه القضائي، انه سلك طريق مغاير عن مقتضيات الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري الذي يمنح الحماية للمقيد الحسن النية، وانه حاول تليين قاعدة القوة الثبوتية للتقييدات وترجيح مبادئ العدل والانصاف.
ب: الاتجاه المقرر لمبدأ ثبوتية التقييدات:
هذا الاتجاه يرجع إلى النص القانوني، وفق القاعدة التي تقول حينما” يوجد نص تشريعي لا نرجع لقواعد الفقه الإسلامي”، وإذا تعلق الامر بالتقييدات فالفصل 66من ظهير التحفيظ العقاري قضى بحماية المقيد الحسن النية، فكل من قيد حقه بالرسم العقاري فهو مالكه ولا يمكن التشطيب عليه إلا في حالة كان سيء النية. طبقا لمبدأ القوة الثبوتية للتقييدات، وهذا ما سار عليه قرار محكمة النقض عدد332المؤرخ في 2006.02.01[8] الذي جاء فيه: “لا يمكن في أي حال التمسك بإبطال تسجيل الحقوق العينية المتعلقة بعقار محفظ في مواجهة الغير حسن النية.”
ثانيا: حجية التقييدات بعد صدور المادة 2من مدونة الحقوق العينية
بعد ما تم صدور المادة 2من مدونة الحقوق العينية خلقت نوع من الفوضى في اختيار النص المناسب على مستوى القضاء، هل إتباع الفصل 66من ظهير التحفيظ أو المادة 2من مدونة الحقوق العينية التي جاء في فقرتها الثانية :”… ان ما يقع على التقييدات من ابطال او تغيير او تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن النية، كما لا يمكن ان يلحق به أي ضرر، الا اذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس او زور او استعماله شريطة ان يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل اجل اربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب ابطاله او تغييره او التشطيب عليه.”
وبالتالي فمن خلال هذه المادة يتضح ان المشرع حاول ان يوازن بين ضمان حق المالك الاصلي المتضرر من التقييد، وكذا حماية المقيد الحسن النية.
لكن تجدر لإشارة أن مدونة الحقوق العينية تتعلق بتشريع العقارات الغير محفظة وفي طور التحفيظ والمحفظة، وأن ظهير التحفيظ العقاري هو من نظم بشكل خاص الشق المتعلق بالتقييدات، فما كان على المشرع أن يأتي بهذا المقتضى الذي يخالف مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري، كما أنه شكل جدل واسع وخلق نوع من القلق لكل من يقيد حقه بالرسم العقاري، بحيث أن المادة 2من المدونة تركت مدة 4 سنوات التي يمكن من خلالها لكل من تضرر من التقيد وثبت به تزوير أو تدليس بالمطالبة بتشطيبه، ولا يمكن إثبات حسن النية ما لم تنتهي هذه المدة.
انهي بالقول ان المادة 2 من مدونة الحقوق العينية التي جاءت للحد من مشاكل التزوير والاستلاء على عقارات الغير، خلقت مشكل أعمق وهو ضياع حقوق المقيد حسن النية. فلا يعقل تطبيق مادة على آلاف التقييدات بسبب حالات استثنائية ومعدودة التي ثبت بها تزوير والتي يمكن معالجة كل حالة على حدة، يجب إلغاء المادة 2من هذه المدونة، والرجوع إلى مبدأ ثبوتية حسن النية، المنصوص عليها بالفصل 66من ظهير التحفيظ العقاري. كما يجب إحداث صندوق للضمان يؤدي من خلاله التعويضات عن كل من كان ضحية تقييد مزور وبالنسبة للاتجاه الذي يطالب بحماية المالك الحقيقي من خلال تمديد مدة المطالبة بحقة بمبرر صعوبة الاطلاع على الرسم العقاري، خاصة وإن كان خارج التراب المغربي، فقد اصبح من مردود عليه، فالوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، اطلقت برنامج لنظام معلوماتي في إطار الوكالة إلافتراضية “ANCFCC” والتي تقدم خدمات متعددة من بينها الاطلاع على الرسم .
الهوامش
[1]: محمد شكورة. حسن النية في قانون العقارات المحفظة والقانون الخاص بالمنقول في التشريع المغربي”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص 1986، ص 10.
[2] : الفصل 66من ظهير شريف صادر في 9 رمضان 1331(12غشت 1913) بشأن التحفيظ العقاري كما تم تعديله وتتميمه بالقانون رقم 14.07.
[3] : المادة 2 من مدونة الحقوق العينية، ظهير شريف رقم 1.11.178صادر في25من ذي الحجة 1432(22نونبر2011) بتنفيذ القانون رقم 39.08.
[4] : عبد العالي دقوقي. قانون التحفيظ العقاري. مطبعة “SIJELMASSA “مكناس. السنة الجامعية 2017.2016ص 186.
[5] : مأمون الكزبري. التحفيظ العقاري والحقوق العينية الاصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي. الجزء الأول، الطبعة 1987ص 170.
[6] : عبد العالي دقوقي. م.س. ص 187.
[7] : قرار محكمة النقض عدد1107المؤرخ في 2008.03.26 ملف مدني في عدد 1638122006.
[8] قرار محكمة النقض عدد 332المؤرخ في 2006.12.01ملف مدني عدد 1689122004.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً