بحث عن الفقه الإسلامي يوضح شروط وصفات الموثق
كان للفقهاء المسلمين المجتهدين دور مهم في استنباط الأحكام الشرعية المتعلقة بقسم المعاملات من الفقه الإسلامي، استنبطوها من نصوص الوحي الإلهي ؛ القرآن الكريم والسُّنة النبوية المطهرة، وفصلوها تفصيلاً؛ سعياً لتوضيح شرع الله، وحرصاً على تمييز الحلال من الحرام، وبياناً للقانون الإلهي الذي يجب أن يسود؛ لأنه ينظم الحياة الاجتماعية للناس، وأن يكون المرجع عند التنازع، الذي لا تنقطع أسبابه ما دامت النفس الأمارة بالسوء تتجاوز حدودها في الطمع، وما دامت الغريزة دافعة أحياناً إلى المنكرات، والشهوة العارمة طاغية عند بعضهم، وعند التنازع كثيراً ما يأكل بعضهم مال بعض بالباطل، أو يزهق نفساً بغير حق، أو يعتدي على عرض. لا خلاف بين فقهاء الشريعة أن توثيق العقود يدخل ضمن أعمال القضاء وكذلك أعمال الشهر العقاري لا تتنافي وعمل القضاء([1])
ويفرق فقهاء المسلمين بين الموثق الذي عهد إليه بتوثيق نوع محدد من العقود كموثق عقود الزواج أو الطلاق، وبين الموثق ذو الولاية العامة، فأثبتوا الصفة القضائية للثاني دون الأول. كذلك فرقوا بين الموثق الذي يعمل بإذن القاضي وبين الموثق صاحب الولاية المباشرة، فأثبتوا الصفة القضائية للثاني دون الأول.([2])
ثم يذكر هؤلاء الفقهاء “أن صناعة التوثيق صناعة جليلة شريفة وبضاعة عالية منيفة تحتوي على ضبط أمور الناس على القوانين الشرعية وحفظ دماء المسلمين وأموالهم”. ([3])
شروط وصفات الموثق وفقا للفقه الاسلامي.
يجب على الموثق ما يلي:
أولاً : تقوى الله تعالى وأن يستحضر في قلبه أنه يريد بكتابته بالعدل حفظ أموال الناس وفروجهم ودمائهم.
ومن الشروط الواجب توفرها في الموثق ما يلي:-
1-الإسلام: والجمهور على وجوبه، ولأنه يُحتاج إلى شهادته، بل ربما لم يرد منه التوثيق إلا لأجل الشهادة، ولأنه لايؤمن الكافر أن يحرف بالكتابة أو يخون، أو يطلع على أسرار المسلمين، قال تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودُّوا ما عنتم” .
2- العدالة: لأنه يحتاج إلى شهادته، فوجب كونه عدلاً، ، قال الإمام مالك “ويشترط في ذاته أن يكون عدلاً مأموناً” كما قال تعالى” وليكتب بينكم كاتب بالعدل”.
3- الفقه بعلم الشروط ، أي: إتقان صنعة الكتابة، بأن يعرف ما يكتب، وكيف يكتب، ومنها الإحاطة بالأحكام الشرعية المتعلقة بالوثيقة المراد تحريرها، ومن ذلك أن يجب أن يعرف مثلاً عدم جواز شهادة الأصول والفروع لبعضهم، وأن الهبة لابد لها من القبض حتى تتم، وينص عليها في العقد أنه قبلها، والوصية يعلم أنها لاتصح لوارث ..الخ
4- أن يكون حراً.
واستحب بعضهم فيه عدة صفات أخرى هي:
1- أن يكون مجتنباً للمعاصي.
2- أن يكون سميعاً.
3- أن يكون بصيراً.
4- أن يكون متكلماً.
5- أن يكون يقظاً، فلا يترك فراغاً في الوثيقة أو بين الأحرف يمكن أن يزاد فيها.
6- أن يكون سالماً من اللحن.
7- أن يكتب الوثيقة بخط بين يقرأ بسرعة وسهولة وبألفاظ بينة غير محتملة ولا مجهولة،
8- كما استحب بعضهم أن يكون عالماً بلغات الخصوم حتى يكتب عنهم مباشرة دون مترجم.
9- وأن يكون عالماَ بالحساب ليسهل عليه قسمة المواريث.
10- وأن يجتنب مصاحبة الأراذل والأسافل من الناس.
11- معرفته بأحوال البلد الذي يكتب لأهله.
12- أن يكون ورعا عفيفا عن الطمع.
نص كلام السرخسي :قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله : اعلم بأن علم الشروط من آكد العلوم , وأعظمها صنعة فإن الله – تعالى – أمر بالكتاب في المعاملات فقال عز وجل { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالكتاب في المعاملة بينه وبين من عامله , وأمر بالكتاب فيما قلد فيه عماله من الأمانة وأمر بالكتاب في الصلح فيما بينه وبين المشركين , والناس تعاملوه من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا , ولا يتوصل إلى ذلك إلا بعلم الشرط فكان من آكد العلوم وفيه المنفعة من أوجه : أحدها : صيانة الأموال , وقد أمرنا بصيانتها ونهينا عن إضاعتها .
والثانية : قطع المنازعة فإن الكتاب يصير حكما بين المتعاملين ويرجعان إليه عند المنازعة فيكون سببا لتسكين الفتنة , ولا يجحد أحدهما حق صاحبه مخافة أن يخرج الكتاب وتشهد الشهود عليه بذلك فيفتضح في الناس.
والثالثة : التحرز عن العقود الفاسدة ; لأن المتعاملين ربما لا يهتديان إلى الأسباب المفسدة للعقد ليتحرزا عنها فيحملهما الكاتب على ذلك إذا رجعا إليه ليكتب.
والرابعة : رفع الارتياب فقد يشتبه على المتعاملين إذا تطاول الزمان مقدار البدل ومقدار الأجل فإذا رجعا إلى الكتاب لا يبقى لواحد منهما ريبة ,
وكذلك بعد موتهما تقع الريبة لوارث كل واحد منهما بناء على ما ظهر من عادة أكثر الناس في أنهم لا يؤدون الأمانة على وجهها فعند الرجوع إلى الكتاب لا تبقى الريبة بينهم فينبغي لكل أحد أن يصرف همته إلى تعلم الشروط لعظم المنفعة فيها ولأن الله – تعالى – عظمها بقوله – جل جلاله – : { ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله } فقد أضاف الله – تعالى – تعليم الشروط إلى نفسه كما أضاف تعليم القرآن إلى نفسه فقال – عز وجل – : { الرحمن علم القرآن } وأضاف تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى نفسه فقال – جل جلاله – : { وعلمك ما لم تكن تعلم } وأبو حنيفة رحمه الله سبق العلماء رحمهم الله ببيان علم الشروط , وبذلك يستدل على أن مذهبه أقوى المذاهب فإنه يبعد أن يقال : المبتدئ ببيان ما أخبر الله – تعالى – أنه هو المعلم له لم يكن على غير صواب
([1])راجع في ذلك (نظام الشهر العقاري في الشريعة الإسلامية –دراسة مقارنة مع نظام السجل العيني، إعداد/ جمعة محمود الزريقي، منشورات دار الآفاق الجديدة ، بيروت، ص82، 88 ).
([2])راجع في ذلك (ابن فرحون، تبصره الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، ص 19 وما بعدها).
([3])(المرجع السابق، ص 235،ج1)
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً