بحث عن المستجدات التشريعية المتعلقة ببيع العقارات في مراحل الإنجاز على ضوء القانون
مقدمة
في خضم سياسة تقريب المشرع لقوانينه الوطنية مع التشريع الأوروبي، فإنه قد أصدر مجموعة من القوانين الجديدة الهادفة إلى تحديث المنظومة القانونية لمواكبة تطورات العصر الراهن بصفة عامة. وإدخال تعديلات على قانون الالتزامات والعقود ليشمل ما استجد من عقود أفرزتها الممارسة التعاقدية بصفة خاصة.
ويعد القانون رقم 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز أبرز نموذج لهذه القوانين الجديدة، والذي أخرجه المشرع إلى حيز الوجود بغية وضع حد لنمط العشوائية والفوضى التي كانت تهيمن على قطاع العقار. وكذا إخضاع هذا النوع من المعاملات لرقابة القانون بهدف تحقيق التوازن بين طرفي العقد، ناهيك عن أن العقار يعد رافدا أساسيا من روافد نهر التنمية والاستثمار.
بيد أن هذا القانون الجديد وعلى الرغم من مرور ما يزيد عن العشر سنين من يوم تاريخ صدوره فإنه ظل حبيس النصوص ولم يطبق إلا نادرا مما يسمح لنا بوصفه بإنه قد ولد ميتا.
ولعل أبرز التي تقف وراء هذا الجمود و عدم تطبيق القانون رقم44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز ما يلي :
عدم تهييئ الجو الملائم الذي يسمح بالإقبال على تطبيقه خاصة مع جو الفوضى المهيمنة على قطاع البناء.
عدم تضمن القانون رقم 44.00 لتدبير زجرية من شأنها أن الزم المتعاقدين على احترام قواعده.
إن تفعيل ما يرفق بالعقد الابتدائي من النسخ التي تنص عليها المادة 618-3 لأمر شبه مستحيل في نظر المنعشين العقاريين عندما يتعلق الأمر ببرنامج بناء يهم آلاف المساكن.
كما أن ربط إبرام العقد الابتدائي بضرورة الانتهاء من أشغال الأساسات الأرضية يؤثر سلبا على عملية تمويل المشاريع، ناهيك عن أنه يصعب كثيرا إنجاز الأساسات الأرضية لعمارات متعددة يشملها مشروع معين دفعة واحدة نظرا لما يتطلبه ذلك من نقل للمعدات و الآلات المخصصة للبناء.
هذا فضلا عن أن اشتراط الضمانات البنكية أو ما يماثلها أمر يثقل كاهل المهنيين العقاريين خاصة إذا تعلق ذلك بالبرامج الكبرى للسكن الاقتصادي، حيث سيتعين عليهم إيجاد كم هائل من الضمانات الفردية. كما أن حصر ذلك على أشخاص القانون الخاص دون أشخاص القانون العام فيه خرق للمنافسة الحرة داخل السوق الواحدة.
هذه إذا مجموعة من العقبات التي وقفت وراء تجميد القانون رقم 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز، ولعلها كانت هي الأسباب وراء تدخل المشرع بموجب قانون جديد في هذا الصدد و هو القانون رقم 107.12 الصادر بتاريخ 3 فبراير 2016 والذي حمل في طياته مجموعة من المستجدات بخصوص بيع العقار في طور الإنجاز.
فإلى أي حد يمكن أن يحقق هذا القانون الجديد التوازن العقدي بين طرفي العقد؟ أم أن مصيره سيكون هو الجمود وعدم التفعيل كسابقه؟
و من أجل معالجة هذا الموضوع فإننا سنحاول الوقوف عند أهم المستجدات التي جاء بها القانون رقم 107.12 وذلك وفق التصميم التالي:
المبحث الأول : المستجدات المتعلقة بإنشاء عقد بيع العقار في طور الإنجاز
المطلب الأول : شكلية عقد بيع العقار في طور الإنجاز والجهات المخول لها إبرامه
المطلب الثاني : البيانات الواجب توفرها في عقد بيع العقار في طور الإنجاز
المبحث الثاني : المستجدات المتعلقة بآثار عقد بيع العقار في طور الإنجاز
المطلب الأول : التعديلات الواردة في القانون 12-107 التي كان لها أصل ثابت في القانون القديم رقم 00-44
المطلب الثاني : المستجدات الواردة في القانون رقم 12-107 التي ليس لها أصل في القانون القديم
المبحث الأول: المستجدات المتعلقة بإبرام عقد بيع العقار في طور الإنجاز
لا يمكن الحديث عن بيع العقار في طور الإنجاز ومدى صحة هذه العملية القانونية، إلا بإتباع بعض الإجراءات والشكليات المنصوص عليها في القانون رقم 107.12، بدءا بشكلية العقد والجهات المخول لها إبرامه (المطلب الأول)، وصولا إلى القالب الذي أوجب المشرع أن يتم من خلاله إبرام عقد بيع العقار في طور الإنجاز (المطلب الثاني).
المطلب الأول : شكلية عقد بيع العقار في طور الإنجاز والجهات المخول لها إبرامه
سنقسم هذا المطلب بدوره إلى فقرتين نتطرق في (الفقرة الأولى) إلى شكلية عقد بيع العقار في طور الإنجاز قبل أن ننتقل إلى الحديث عن الأشخاص الذين أوكل إليهم المشرع مهمة تحرير هذا النوع من العقود في (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : شكلية عقد بيع العقار في طور الإنجاز
أعلن المشرع بشكل واضح وصريح من البداية على إلزام الأطراف بإتباع مجموعة من الشكليات التي حددها القانون لإبرام العقد وحدد الأشخاص الذين يحق لهم تحريره كما حدد وقت وأثاره.[1] وذلك مراعات منه لأهمية الإلتزامات التي يتضمنها عقد بيع العقار في طور الإنجاز. وبالرجوع إلى القانون الجديد رقم 107.12 نجد أنه قد سار في نفس نهج القانون القديم رقم 44.00 عندما أكد على الطابع الشكلي لعقد بيع العقار في طور الإنجاز وفق ما تنص عليه المادة 3-618، و التي أوجبت وفرضت أن يحرر العقد في محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ يتم توثيقه من طرف الأشخاص الذين خول لهم القانون ذلك.
الفقرة الثانية : الجهات المخول لها تحرير عقد بيع العقار في طور الإنجاز
أسند المشرع مهمة تحرير عقد بيع العقار ف طور الإنجاز إلى عدة أشخاص منهم العدول والموثقون والمحامون المقبولون لترافع أمام محكمة النقض cour de cassation المجلس الأعلى سابقا، غير أن ما أثار إنتباهنا هو أنه بالرجوع إلى القانون المنظم لمهنة التوثيق نجده قد استثنى من صلاحيات الموثق تحرير العقود المتعلقة بالعقار الغير المحفظ إلا بعد إيداع مطلب التحفيظ، في حين نجد أن القانون رقم 107.12 قد أسند للموثق مهمة توثيق عقد بيع العقار في طور الإنجار دون مراعات هذا الإستثناء. ومن الإشكالات أيضا نجد هذا القانون قد ميز بين المحررات في كل من العقود المحررة ممن هو مؤهل قانونيا لذلك، وبين عقد يحرره من ينتمي إلى لائحة المهن القانونية المنظمة التي حصرها وزير العدل. كما نجد أن المشرع ميز لنا بين المحرر الرسمي وآخر ثابت التاريخ.[2]
هذا فضلا عن أن المحامي المقبول لترافع أمام محكمة النقض مهما بلغ من الخبرة والكفاءة في التقاضي والدفاع عن حقوق المتقاضين، فإنه يظل بعيد كل البعد عن عملية تحرير العقود ذلك أنها ليست بمهنته الأساسية، كما نجد أن التمييز بين المحامي المقبول والغير المقبول أمام محكمة النقض معيار غير قائم على أساس منطقي، فالكفاءة لا تثبت بالمدة.
وبالرجوع إلى المشرع الفرنسي نجد أن قانون بيع العقار في طور الإنجاز أكد أنه لا يجوز إنشاء هذا العقد إلا بشكل رسمي وذلك من أجل توفير نوع من الحماية للمشتري الذي يستفيد من نصائح الموثق، هذا الأخير يعتبر الجهة الوحيدة المخول لها تحرير هذا العقد وملزم بإعلام المشتري بكل العمليات التي تعرفها شكليات بيع العقار في طور الإنجاز وتحث مسؤوليته الجنائية.
المطلب الثاني : البيانات الواجب توفرها في عقد بيع العقار في طور الإنجاز
لقد حدد قانون بيع العقار في طور الإنجاز مجموعة من البيانات اللازم توفرها في عقد بيع العقار في طور الإنجاز، بدءا بعقد التخصيص مرورا بالعقد الابتدائي وصولا إلى العقد النهائي.
الفقرة الأولى: العقد الإبتدائي
إن الحديث عن العقد الإبتدائي، فهو رغم طابعه المؤقت قد أولاه المشرع بعناية خاصة ولم يخرج القانون المغربي الجديد عن هذه القاعدة، بحيث أحاطه بالكثير من الإهتمام وألزم المتعاقدين بالتحري بالدقة في إدراج البيانات التفصيلية التي تحدد إلتزامات وحقوق المتعاقدين، فقد توخى المشرع تفادي الإشكالات التي كانت تعاني منها الصيغة السابقة في قانون 44.00، إذ حدد المشرع البيانات التي يجب إحترامها وإدراجها في صلب العقد من خلال الفصل 3-618 مكرر فبالإضافة إلى هوية الأطراف وتحديد محل المخابرة وذكر رقم الرسم العقاري أو مراجع الملكية إذا كان العقار غير محفظ مع تحديد التحملات العينية والإرتفاقات، فإن القانون الجديد 107.12 أثقل العقد ببيانات جديدة وهي ضرورة تحديد الثمن النهائي للمتر المربع، بعد أن كان يتم تحديده بشكل جزافي، كما ألزم بضرورة الإشارة للمراجع الضمانات لإسترجاع الأقساط المؤداة في حالة إخلال البائع بإلتزاماته القانونية أو تقديم ضمانات إنهاء الأشغال أو التأمين الخاص، وأيضا يجب الإشارة لهوية العقار من حيث خصوصياته الداتية والموقع والمساحة التقريبية له.
الفقرة الثانية : عقد التخصيص
ولابد من الإشارة إلى أنه في حالة تم اللجوء إلى عقد التخصيص قبل العقد الإبتدائي، والذي نجد المشرع حدد له هو أيضا قالب شكلي قانوني يجب أن يفرغ فيه ورتب عن مخالفة ذلك البطلان، نظرا للحقوق الهامة التي يحملها، ولذلك قام المشرع بتبسيط أسلوب إبرام عقد التخصيص بتمكين الأطراف من إمتياز التوثيق الرسمي أو العرفي كأساس لتحرير هذا العقد بخلاف العقد الابتدائي، كما تطلب فيه أن يكون متوفر على بيانات التي تطلبها لإبرام العقد الابتدائي، ما عدا البيان المتعلق بتحديد الضمانات البنكية أو ضمانات إنهاء الأشغال أو التأمين.[3]
المبحث الثاني : المستجدات المتعلقة بحقوق وضمانات أطراف عقد بيع العقار في طور الإنجاز
لقد جاء القاء القانون الجديد رقم 107.12 بمجموعة من التعديلات المهمة بشأن عقد بيع العقار في طور الإنجاز سواء تعلق الأمر بالتعديلات التي لها أصل في القانون القديم رقم 44.00 (المطلب الأول) أو بالمستجدات الجديدة التي أتى بها القانون رقم 107.12 (المطلب الثاني).
المطلب الأول : التعديلات الواردة في القانون 12-107 التي كان لها أصل ثابت في القانون القديم رقم 00-44
نتيجة لغموض أو عدم وضوح الكثير من المفاهيم القانونية التي كان منصوص عليها في القانون رقم 00-44، والتي كانت سببا في تعطيل العمل بمقتضيات هذا القانون لما يفوق العشر سنوات من إصداره . فإن المشرع اضطر لإعادة النظر في جل المفاهيم القانونية وفقا لمنظور جديد توخى من خلاله تقريب الهوة بين المصالح المتعارضة لطرفي عقد بيع العقار في طور الإنجاز وذلك لتحفيز الباعة المهنيين والمشترين للمنتوجات العقارية على بناء الثقة فيما بينهم كشرط أساسي لتفعيل المقتضيات الجديدة بما يتلاءم مع الأهداف المتوخاة من هذا النموذج التعاقدي.
ومن التعديلات التي جاء بها المشرع والتي تجد لها أصل في نصوص النص القديم ما يلي:
الفقرة الأولى: إدخال نوع من المرونة على حق المشتري في تقييد حقوقه المؤقتة احتياطيا
أثار موضوع التقييد الاحتياطي ولايزال الكثير من الجدل بخصوص مشروعية نطاق هذا التقييد ومداه، ومن الأمور التي ساهمت في ذلك ، هو كون النص القديم 618/10 ينص على ضرورة حصول المشتري على موافقة مسبقة من البائع كشرط أساسي للإستفادة من مضمون هذا التقييد الاحتياطي لحقوقه المهددة بالضياع، ونتيجة للصعوبات التي كانت تعترض المشتري في انتزاعه لهذه الموافقة فإن مضمون الفصل المشار إليه أعلاه كان بمثابة حق أريد به باطل كما قال بعض الفقه.
ولإيجاد مخرج قانوني لهذه المشكلة فإن القانون الجديد المنظم لبيع العقار في طور الإنجاز رقم 12-107 حاول من خلاله المشرع التوفيق بين طرفي العقد وذلك بإستبعاد هذا القانون في الفصل 618/10 للشرط المتعلق بضرورة موافقة البائع على إجراء التقييد الإحتياطي ، إلا أن استفادة المشتري بهذا الحق تظل مرهونة بتجاوز سقف التسبيقات التي قدمها المشتري للبائع حدود 50في المائة من ثمن البيع الإجمالي.
وبناء على مضمون الفصل المشار إليه أعلاه فإن مفعول التقييد يظل ساريا إلى حين تقييد البيع النهائي في العقار باسم المالك الجديد ، وذلك بهدف الحفاظ المؤقت عن حقوق المشتري حسن النية.
الفقرة الثانية : إقرار حق المشتري في التخلي عن حقوقه للغير
على عكس ما كانت تنص عليه الصياغة القديمة للفصل 618/13 من ضرورة موافقة البائع كأساس قانون لجواز تخلي المشتري عن حقوقه للغير فالصياغة الجديدة لمضمون الفصل المذكور تعترف للمشتري بحقه في التخلي عن حقوقه للغير بمقابل أون بدون مقابل، غير أن مفعول هذا التخلي لا يسري في مواجهة البائع إلا بتبليغه وإخباره بإحدى الطرق المعتمدة قانونا، وللاعتداد بمفعول هذا التخلي فإنه يتعين أن يرد في الشكل والكيفية الذين يتم بهما إبرام عقد التخصيص أو العقد الابتدائي المشار إليهما في الفصول (618/3و618/3 مكررتين مرتين)، وباستكمال هذا التخلي لشروطه الشكلية والموضوعية فإن حقوق والتزامات البائع تنتقل بقوة القانون إلى المشتري الجديد باعتباره خلفا خاصا للمشتري القديم وذلك إعمالا للقواعد العامة المستخلصة من نص (الفصلين 189و229) من قانون الالتزامات والعقود الذين يؤكدان سريان آثار العقد في حق الخلف الخاص لا فرق في ذلك بين الحالات التي يكون فيها مصدر الاستخلاف حوالة أو غيرهما من التصرفات الأخرى الناقلة للحقوق والديون للغير بمقابل أو بالمجان.
الفقرة الثالثة : إعادة النظر في نمط وشكل الدفعات التي يتعين على المشتري أدائها للبائع ومراجعة نسب التعويضات
أولا : تحديد نسب الأداءات تبعا لتقدم الأشغال
عرفت مسألة طريقة أداء الثمن الإجمالي لبيع العقار في طور الإنجاز الملقاة على عاتق المشتري تجاه البائع الكثير من التباين في الآراء بخصوصها بين الجهة المعدة لمشروع القانون الجديد (وزارة السكنى وسياسة المدينة) وبين رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي واحتكاما لقاعدة التوافقات داخل البرلمان فإن المشرع تبنى في النهاية مضمون الفصل 618/6 من القانون 12-107 الذي يلتزم المشتري بمقتضاه بأداء النسب الآتية:
-5في المائة عند إبرام العقد الابتدائي أو 10 في المائة عند عدم وجود عقد التخصيص .
-10في المائة عند بداية الأشغال .
-60في المائة مقسمة على ثلاث مراحل تؤدى حسب اتفاق الأطراف عند الانتهاء من إنجاز أشغال كل مرحلة على حدة، وترتبط هذه الأداءات الاتفاقية تقليديا بالمراحل الثلاثة الآتية:
-مرحلة إنجاز الأشغال على مستوى الطابق الأرضي
-مرحلة إنجاز الأشغال الكبرى لمجموع العقار
-مرحلة إنهاء أشغال البناء والحصول على رخصة السكن أو شهادة المطابقة
-20في المائة عند إبرام البيع النهائي وتسلم المفاتيح
ثانيا : مراجعة القانون الجديد لنسب التعويضات
رغم تركيز اهتمام المشرع على مراجعة مضمون الفصل 618/14 المتعلق بالتعويض المستحق للطرف المتضرر من الفسخ إلا أن فهم مضمون هذا الفصل يحتاج في واقع الامر إلى فهم الكثير من الفصول الأخرى المكملة له.
ولفهم الفلسفة التشريعية التي يقوم عليها موضوع التعويضات المستحقة للطرف المتضرر بسبب الفسخ فإنه أرتاينا توضيح ما يلي:
أ) اقتصار التدخل التشريعي على إصلاح نظام التعويضات المستحقة للطرف المتضرر بسبب الفسخ دون غيرها من التعويضات.
ب) الرفع من حجم هذا التعويض القانوني وفقا لمضمون الفصل 618/14 من القانون 00-44 منحصرا في حدود نسبة 10في المائة من ثمن البيع الإجمالي فإن القانون الجديد رفع من حجم هذه النسبة وجعلها ترتبط بالمرحلة التي وصل إليها إنجاز مشروع البناء وذلك على النحو الآتي:
-15في المائة من المبالغ المؤداة إلى حين الإنتهاء من الأشغال الكبرى لمجموع العقار والحصول.
-20في المائة من المبالغ المؤداة إلى حين الإنتهاء من الأشغال النهائية والحصول على رخصة السكن أو شهادة المطابقة .
المطلب الثاني : المستجدات الواردة في القانون رقم 12-107 التي ليس لها أصل في القانون القديم
في مقابل المستجدات التي حسّن بها المشرع مستوى حمولة النصوص القديمة التي وردت في النسخة الأصلية للقانون رقم 00-44 المنظم لبيع العقار في طور الإنجاز فإنه حاول إغناء النص الجديد بمستجدات جديدة مستمدة من المشروع المعروض عليه من طرف الجهة الوصية على قطاع السكنى وسياسة المدينة أومن فتوى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في هذا الخصوص والتي بدوره استمدها من الجهات الرسمية التي استشار معها بشأن نمط الإصلاح الملائم للظرفية الحالية.
ومن أهم هذه المستجدات التي أضاف بها المشرع قيمة جديدة للنص المنظم لبيع العقار في طور الإنجاز نجد: نصه على عقد التخصيص كعقد جديد في عقد بيع العقار في طور الإنجاز . وإمكانية ممارسة المشتري لحقه في التراجع عن مشروع التعاقد .تحميل البائع لضمانة إنهاء الأشغال ضمن حدود الأجل والكيفية المتفق عليها بين أطراف العقد.فتح المجال أمام المتعاقدين لاختيار الوسيلة المناسبة لفض المنازعات بينهما قضائيا أو عن طريق شرط التحكيم في عقد البيع الابتدائي.
وبحكم أننا في هذا المحور نتناول المستجدات المتعلقة بحقوق وضمانات الأطراف في عقد بيع العقار في طور الإنجاز سنتطرق للمستجدات القانونية الآتية:
الفقرة الأولى : حق المشتري في التراجع عن المشروع التعاقدي
نتيجة للضغوطات التي مارستها جمعيات حماية المستهلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة على التوجه العام للمشرع المغربي فإن هذا الأخير اضطر إلى إرضاء الفئات الاستهلاكية للمنتوج العقاري بالتنصيص على حقها في التراجع عن مشروع التعاقد وبذلك يكون المشرع قد استجاب لهذا المطلب الذي ناضلت من أجله جمعيات وهيئات حماية حقوق المستهلك والذي يشكل دعامة من الدعامات الأساسية لحماية حقوق المستهلكين واقتناعا منه بأهمية موضوع الحق في التراجع فإن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أوصى بدوره في تقريره بخصوص قانون بيع العقار في طور الإنجاز ، بضرورة التنصيص على هذا الحق وإدراجه ضمن محاور القانون الجديد المنظم لبيع العقار في طور الإنجاز.
ملاحظة: إذا كانت مسألة التنصيص على استفادة المشتري من حقه في التراجع تعد خطوة إيجابية في حد ذاتها على اعتبار أن هذا الحق يندرج ضمن المكتسبات الجديدة التي لم يكن لها أصل في القانون القديم 00-44.فإنه وللأسف فطريقة إدماج هذا الحق في القانون الجديد 12-107 جاءت ملغومة من الناحية التشريعية وغير واضحة بشكل يفرغ هذا الحق من محتواه حيث ربطه بمرحلة إبرام عقد التخصيص الذي يمتاز بطابعه الإختياري حسب الصيغة التي استعملها المشرع في الفصل 618/3مكرر مرتين، الأمر الذي يعني أنه بإمكان الأطراف تجاوز هذه المرحلة والانتقال لإبرام العقد الإبتدائي مباشرة دون حاجة لأخد مهلة للتفكير في إطار الفلسفة التي ينبني عليها عقد التخصيص ففي مثل هذا الوضع لايكون بمقدور المشتري الاستفادة من حق التراجع عن العقد الابتدائي لعدم وجود أي مقتضى قانوني في باقي الفصول الأخرى يقضي بأحقية المشتري في التراجع عن هذا العقد.
الفقرة الثانية : إقرار ضمانة جديد لصالح المشتري تتمثل في ضمانة إنهاء الأشغال
كما هو معلوم أن موضوع الضمانات والكفالات البنكية الملقاة على عاتق الباعة المهنيين التي لها علاقة ببيوع العقارات في طور الاإنجاز يعد من الموضوعات التي كان لها دور بارز في تعطيل العمل بمقتضيات القانون القديم 00-44 ويرجع ذلك إلى انعدام الثقة المتبادلة بين طرفي العلاقة العقدية، ففي الوقت الذي يعتبر فيه الباعة المهنيون بأنهم محاصرون بسياج من الضمانات والكفالات البنكية المبالغ فيها ، فإن الفئات المشترية على عكس ذلك تدعي عدم كفاية بعض هذه الضمانات وغموض بعضها.
ونظرا لمحدودية مفعول الضمانات المشار إليها وفقا للصياغة القديمة لنص الفصل 618/9 فإن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بادر إلى اقتراح خلق ضمانة جديدة تكون مخصصة لخدمة مصالح الفئات المشترية ويتعلق الأمر بضمانة إنهاء الأشغال وهي ما قام المشرع بإدراجها في الصياغة الجديدة للفصل 918/9 “يتعين على البائع بعد توقيع عقد البيع الابتدائي أن يقدم لفائدة المشتري إما ضمانة إنهاء الأشغال أو ضمانة استرجاع الأقساط المؤداة في حالة عدم تنفيذ تنفيذ العقد…”
غير أن المشرع ربط تحديد شروط وكيفية تطبيق أحكام هذه الضمانات بنص تنظيمي لم يصدر بعد. كما أن الفصل المتعلق بهذه الضمانة يثير مجموعة من الملاحظات حول صياغة العبارات .
كما فتح المجال أمام المتعاقدين لإختيار الوسيلة المناسبة لفض المنازعات قضائيا أو عن طريق التحكيم.
هذا ما نص عليه المشرع بموجب الفصل 618/19 من القانون الجديد 12-107 ، وهذا المستجد اقتراح من اقترحات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الواردة في تقريره.
وبخصوص مدى نجاعة أو عدم نجاعة أسلوب التحكيم في مجال المنازعات المتعلقة ببيوع العقارات في طور الإنجاز ، فإننا نعتقد بأن طبيعة العلاقة بين طرفي العقد هي التي ستحدد ذلك.
خاتمة :
نافلة القول هي أن القانون رقم 107.12 رغم ما يحمله في طياته من مستجدات من قبيل عقد التخصيص و الحق في التراجع عنه وكذا إمكانية اللجوء إلى التحكيم كوسيلة لفض النزاعات التي يمكن أن تنشأ في هذا الصدد. فإن باقي المستجدات الأخرى ليست سوى تعديل لبعض الفقرات أو بعض الشروط إما عبر تحسينها أو بإلغائها.
ومن هذا المنطلق يمكننا القول بأن القانون الجديد رقم 107.12 لا يعدوا أن يكون سوى تعديلا جزئيا لمقتضيات القانون رقم 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز ، ولا أدل على ذلك من المحاظة على نفس عدد فصول القانون السالف الذكر أخيرا ، اللجوء إلى تقنية التكرار في الفصل 618-3 لثلاث مرات إحتراما لهذا العدد من الفصول .
وفي الأخير فإن تنزيل قواعد القانون الجديد رقم 107.12 على مستوى الواقع العملي هو المحدد حول ما إذا كانت هاته التعديلات أو المستجدات التي أتى بها كافية لتفعيل المقتضيات المتعلقة ببيع العقار في طور الإنجاز أم إن هذا التعديل سيحتاج بدوره إلى تعديل؟
لائحة المراجع المعتمدة في إنجاز الموضوع :
كتاب نظرية العقد لأستاذنا الدكتور عبد القادر العرعاري الطبعة الجديدة 2016.
خرشي الكنتاوي، أحكام بيع العقار في طور الإنجار، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والإقتصادية سطات، السنة الجامعية 2004/2005.
-تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بخصوص بيع العقار في طور الإنجاز بالمغرب.
نص القانون القديم المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز 00-44.
الصياغة الجديدة لقانون بيع العقار في طور الإنجاز بموجب القانون الجديد 12-107.
[1] – خرشي الكنتاوي، أحكام بيع العقار في طور الإنجار، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والإقتصادية سطات، السنة الجامعية 2004/2005، ص 54.
[2] – عبد القادر العرعاري، نظرية العقد، مطبعة الأمنية الرباط، طبعة 2016، ص 46.
[3] – عبد القادر العرعاري، م س، ص 54.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً